الخريفُ أربعُ سنواتٍ في ليبيا…”هدية” الغرب هي السبب
تستمر الاضطرابات الأمنية في ليبيا منذ قرار مجلس الأمن رقم ١٩٧٣ الصادر في مارس/آذار عام ٢٠١١، هذا القرار الذي سمح للدول الغربية ببدء تدخلٍ عسكري واسع في ليبيا، ووفق هذا القرار قامت قوات حلف شمال الأطلسي ببدء غاراتها الجوية على مقرات الجيش الليبي بذريعة حماية الشعب وإسقاط الرئيس الليبي، كما اشتركت عدة دول عربية في هذا العدوان.
قبل بدء عدوان الناتو على ليبيا، في ٢٣ فبراير/شباط من عام ٢٠١١ أصدر تنظيم القاعدة الإرهابي فرع بلاد المغرب الإسلامي بياناً أكد فيه وقوفه ضد الرئيس الليبي وأنه “سيبذل ما يملك في هذه المعركة” حسب بيان التنظيم، وفي نهاية ٢٠١١ أي بعد العدوان بعدة أشهر أصبحت الجماعات الإرهابية تتواجد في مدينة سرت وبنغازي، وامتنع طيران التحالف عن توجيه ضربات لهذه الجماعات معتبراً أن إسقاط القذافي هي الأولوية التي يجب العمل عليها.
بعد ذلك استطاع تنظيم القاعدة الدخول إلى طرابلس بسبب الغطاء الجوي الذي قدمه حلف الناتو، وأعلن التنظيم عن قيام ولاية “درنة” الإسلامية، ليَظهَر بعدها تنظيم داعش الإرهابي الذي تولى إدارة المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة القاعدة، وأصبحت مدينة سرت تحت إمرة تنظيم داعش الإرهابي الذي أحرق معالم المدينة ودمرها وارتكب في الفترة الأخيرة الكثير من المجازر والإبادات الجماعية.
إلى هنا يتضح دور الدول الغربية والدول العربية في تأسيس ودعم الجماعات الإرهابية، هذه الدول التي اعتدت على ليبيا هي المسؤولة عن تردي الأمور ووصولها إلى ما وصلت إليه اليوم، وما يعزز هذه النتيجة هو امتناع الدول الغربية عن التدخل ضد تنظيم داعش الإرهابي، واكتفاؤها باصدار بيانٍ يندد بالأعمال التي يرتكبها هذا التنظيم في ليبيا، ورغم أن الحكومة الليبية هي من طالبت بالتدخل العسكري ضد الإرهاب إلا أن الرفض الغربي لطلب الحكومة جاء علنياً علماً أن الدول الغربية تدّعي سعيها لحفظ ليبيا وحمايتها كما أن الحكومة الليبية التي طالبت بالتدخل “معترفٌ بها دولياً”.
موقف التخاذل لايقتصر على الدول الغربية، فبعض الدول العربية شاركت أيضاً في الحرب ضد ليبيا كقطر والإمارات، أي أن لهذه الدول يداً في إعداد الجماعات التكفيرية في هذا البلد، وعندما أصبح الشعب الليبي يُقتل بسكين الإرهاب لم تُحرك هذه الدول ساكناً ولم تعمل على إسناد الليبيين ودعمهم بل أدارت ظهرها لهم، واللافت أن الدول العربية هذه تشارك مرة أخرى في العدوان على دولة عربية جديدة، إذ انضمت كل من قطر والإمارات إلى الحلف العسكري السعودي الذي يستهدف اليمن.
كل هذه المعطيات تؤكد أن الدول الغربية كانت تخطط منذ البداية إلى دفع الأمور في ليبيا باتجاه الفوضى وتشكيل أرضية مناسبة لنمو تنظيمات إرهابية في هذا البلد، وما هدف الضربات الجوية عام ٢٠١١ إلا إضعاف ليبيا وإدخالها في حالة من الإنهاك الاقتصادي والعسكري بالإضافة إلى تهيئة الأرضية المناسبة لنمو الجماعات التكفيرية، وفعلاً هذا ما حصل، فليبيا اليوم غير قادرة على مواجهة الجماعات المتطرفة التي تمارس العنف ضد المدنيين، والحكومة الليبية لا تستطيع الحصول على أي مساعدة من الغرب الرافض للتدخل العسكري.
لقائلٍ أن يقول إن عدم تدخل الغرب لايعني رفضه لمحاربة الإرهاب فلربما لم تعد الدول الغربية قادرة على الإنفاق أكثر في الملف الليبي، ولكن تتبدد هذه الملابسات إذا علمنا أنّ الدول الغربية لا ترفض التدخل العسكري فحسب، بل هي مصرة على منع الجيش الليبي من التسلح رغم مطالب الحكومة الليبية برفع الحظر عن الجيش، وهذا يؤكد أن الدول الغربية تسعى لحفظ الوضع الليبي في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، اضافةً إلى سعيها لتغذية الجماعات الإرهابية والسماح لها بالاستمرار في عمليات قتل الأبرياء والمدنيين، وكل هذا تنفيذاً لمخططاتٍ ستتضح في وقت لاحق.
الغرب خذل ليبيا بعد أن دمرها وهو يعمل للإبقاء عليها مدمرة، هذا ما يمكن استخلاصه من الوضع الليبي الحالي، فالدول الغربية أهدت الليبيين تنظيماتٍ إرهابية مددت معاناة الليبيين إلى ٤ سنوات، هذه السياسة الغربية ليست تجاه ليبيا وحدها، إذ أن الكثير من الدول العربية وغير العربية تعرضت لمثل ما تعرضت له ليبيا، وبالتالي يمكن القول إن الدول الغربية باتت تستكثر النعيق فوق جثث ضحاياها.
المصدو : الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق