التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, يوليو 1, 2024

العلاقات الروسية المصرية بين برودة القطب ودفء الصحراء 

لطالما شهدت العلاقة الروسية المصرية حالات كثيرة من المد والجزر، فتارةً وصلت فيه العلاقات بين الجانبين الى أفضل درجتها، وتارةً أخرى وصلت الى درجة القطيعة الكاملة، لتبقى حالة الفتور هي السمة المميزة بين تلك المراحل وأكثر عمراً فيما بينها، حتى وصول السيسي الى سدة الحكم. 

 

فبالعودة الى فترة حكم عبد الناصر، وما تخللها من علاقات متميزة بين ما كان يسمى حينها بالحليفين، شهدت العلاقات مزيداً من التطوير المتسارع، توج ببناء السد العالي في صعيد مصر من قبل خبراء الاتحاد السوفيتي، وفتح مخازن السلاح في موسكو بعد نكسة ٦٧، لتدخل العلاقة المصرية الروسية مرحلة ما يشبه القطيعة الكاملة أبان عهد أنور السادات واستلامه لدفة الحكم، خاصة مع طرد الأخير لكل الخبراء الروس من أراضيه، وجنوحه نحو المعسكر الغربي بدل المعسكر الاشتراكي، وصولاً الى عام ١٩٩٧ حيث بدأت مرحلة اعادة التطبيع بين البلدين ولكن في حدودها الدنيا. 

 

ومع ثورة الشعب المصري على الرئيس المخلوع حسني مبارك، شهدت العلاقات بين البلدين برودة إلى حد ما، قام فيها الرئيس المعزول محمد مرسي بزيارة صغيرة لروسيا، ولم يول الأخير وحكومته أهمية للدور الروسي في المنطقة، واضعاً كل بيضه في القبان الامريكي على امل الحصول على رضا يحقق له بعض الاستقرار داخلياً، فبدت حكومة الإخوان المسلمين في عهد مرسي غير متحمسة لتوثيق علاقاتها مع موسكو. برودةٌ قابلته روسيا ببرودة أكبر خاصة مع المواقف التي بدأ يطلقها مرسي ضد سوريا حليفة موسكو التاريخية. 

 

ومع وصول السيسي الى سدة العرش في المحروسة والاطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي، وسعيه الى تنويع مصادر سلاحه ومراكز دعمه السياسي وعدم الاعتماد على واشنطن كحليف أوحد، دخلت العلاقة بين البلدين مرحلة جديدة عنوانها “اعادة بناء حلف الستينات”، وأبدت موسكو ومنذ اليوم الأول دعمها الكامل للسيسي الذي كان يوصف حينها برجل مصر القوي في ظل توقعات أشبه ما تكون بالمؤكدة بأن هذا الرجل، أي السيسي سيكون الرئيس المصري المقبل لا محال، فتم بث دماء جديدة في العلاقات الراكدة بين البلدين، وعلى وقع ثورة الشعب المصري على مرسي، دخلت المرحلة بين موسكو ومصر مرحلة أقرب ما هي الى الثورة، وتبادل المسؤولون في مصر وروسيا علاقات دبلوماسية أكثر حميمية، وفي ديسمبر ٢٠١٣، زار مُدير الاستخبارات العسكرية الروسية القاهرة، تلاها زيارة مشتركة لوزيري الدفاع والخارجية الروسيّين للمرة الأولى منذ بداية السبعينيات، في يناير ٢٠١٤، على أثر ذلك، تكللت العلاقات الدافئة بين الطرفين بزيارة وزير الدفاع الجنرال عبد الفتّاح السيسي الى موسكو في فبراير ٢٠١٤ بمرافقة وفد عسكريّ رفيع المُستوى، زيارة وصفها البعض بالانقلاب الذي لايقل أهمية عن الانقلاب على مرسي وإن كان الانقلاب الأول داخلياً والثاني خارجياً ولكن كانت مصر محور الانقلابين، ورد الرئيس الروسي فلادمير بوتين على تحية السيسي بمثلها فقام بزيارة مصر في شباط / فبراير ٢٠١٥، وأسفرت تلك الزيارات عن اتفاق مبدئي لإنشاء محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية .

 

العلاقات العسكرية المصرية الروسية بعد الاطاحة بمرسي

عسكرياً شهدت العلاقات الروسية المصرية كثيراً من الانفراج منذ وصول السيسي الى سدة الحكم، تكللت بالعديد من صفقات السلاح التي استوردت مصر من خلالها أفضل السلاح الروسي، في وقت دار الحديث فيه عن صفقة تاريخية بين الجانبين، بحيث تختار مصر نوع السلاح الذي ترغبه دون أي خطوط حمراء أو تحفظات على بعض الأسلحة من موسكو، مقابل منح الجيش الروسي قاعدة بحرية في السويس أو بورسعيد، لدرجة أقلقت واشنطن واجبرتها على ارسال عدة رسائل ضمنية وعلنية للقاهرة تؤكد فيها استعداد امريكا لاعادة العلاقات مع مصر الى سابق عهدها قبل أزمة الاخوان المسلمين، مقابل تخفيف اندفاع القاهرة صوب موسكو، بعد أن كانت واشنطن قد قامت بتعليق منح بعض الأنظمة العسكرية إلى مصر ردًّا على ما وصفتها بالأوضاع المضطربة في مصر وتعثر الانتقال الديموقراطي فيها، الأمر الذي دفع السيسي للتوجه نحو الدب الروسي لدعم وتنويع مشترياته العسكرية.

التشارك الذي جمع الطرفين حول الموقف من الإخوان المسلمين انعكس بصفقات أسلحة ضخمة، فوقع الجانبان على صفقة سلاح ضخمة، بقيمة ٣.٥ مليار دولار تورد الى مصر على أن تقوم السعودية والإمارات بتمويلها، وتشمل الصفقة طائرات مقاتلة من طراز ميج ٢٩، ومروحيات هجومية مي ٣٦، وصواريخ دفاع جوي إضافة إلى معدات أخرى، في وقت علقت فيه واشنطن تسليم القاهرة ـ١٠ طائرات أباتشي كان من المفترض أن يتم تزويد مصر بها ضمن إطار عمليات مكافحة الإرهاب في سيناء.

الى ذلك لم تكن المناورات العسكرية بين الجانبين أقل أهمية عن صفقات الأسلحة حيث شاركت عدد من الوحدات البحرية الروسية الى جانب بعض السفن الحربية المصرية بأنشطة وفعاليات التدريب البحري المشترك، بعد فترة انقطاع دامت لأكثر من ٦٠ عامًا، والتي كان آخرها مناورات “جسر الصداقة ٢٠١٥” والتي استمرت أسبوعاً كاملاً، وزجت القوات الروسية بأعرق قطعها في هذه المناورات بدءاً من الطراد الصاروخي موسكو، وسفينة الإنزال الصاروخية ذات الوسادة الهوائية ساموم، إلى الناقلة إيفان بوبنوف، والقاطرة إم ب-٣١.

وهي خطوة اعتبرها بعض المحللين العسكريين بداية مرحلة جديدة من العلاقات المصرية الروسية، التي بدأها السيسي خلال زيارته الأولى لروسيا، والتي أتم فيها بعض التعاقدات العسكرية، شملت صفقات أسلحة ومشروعات للتدريب بغرض تأهيل القوات المصرية وإثقالها بالخبرات .

 

العلاقات الاقتصادية والثقافية في عهد السيسي

أما بالنسبة للجانب الاقتصادي والثقافي بين الطرفين فلم يكن أقل تحسناً عن نظيره العسكري والسياسي، حيث وقعت موسكو والقاهرة عدة مذكرات للتفاهم بين وزارة التنمية الاقتصادية الروسية ووزارة الاستثمار المصرية، في مسعى لتشجيع وجذب الاستثمارات الروسية الى القاهرة، ومذكرة تفاهم بين وزارة الاستثمار المصرية وصندوق الاستثمار المباشر الروسي، لتعزيز التعاون الاستثماري بين البلدين ومناقشة إقامة منطقة تجارة حرة بين مصر والاتحاد الجمركي الأوراسي، في حين لم يكن الجانب السياحي غائباً عن موضوع التفاهمات الروسية المصرية في محاولة من مصر لبث الروح في هذا القطاع المهم في البلاد، بعد الانتكاسات المتلاحقة التي منيّ بها منذ ثورة يناير وما رافقها من تخلخل الوضع الأمني في المحروسة.

اذاً ما يمكن تأكيده أن علاقة موسكو والقاهرة اليوم تختلف الى حد كبير عما كانت عليه في عهد مبارك، وما تبعها من مرحلة قصيرة في زمن الإخوان المسلمين، علاقة دافئة ترفع درجة حرارة القطب الروسي المتجدد الى أعلى من حالة التجمد التي كانت سائدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وتذوب معها بعض السلاسل التي فرضتها امريكا لاحتواء هذا الدب القطبي، دفءٌ يرى البعض أنه يصب في مصلحة توازن القوى في المنطقة، ويعزز من الحضور الروسي كقطب جديد عائد وبقوة لمقارعة السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط والعالم، في ظل سياسة سحب بساط الحلفاء التي تنتهجها موسكو وواشنطن على حد سواء. انتهى

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق