الخفي والمعلن في صراع السعودية والإمارات على اليمن
مؤخراً عادت إلى الواجهة الأخبار التي تتحدث عن الخلافات السعودية الإماراتية حول تقاسم النفوذ في اليمن، لاسيما بعد التدخل البري المباشر للقوات الخليجية والإماراتية بشكل خاص، وسيطرة المليشيات الموالية لهادي على مدينة عدن، التي تحولت إلى ساحة صراع بين الحلفاء.
ونقلت صحيفة “القدس العربي” الصادرة في لندن عن مصدر يمني أن الخلافات السعودية الإماراتية هي التي عرقلت تقدم المليشيات المساندة لهادي في مدينة تعز.
فيما نشرت مجلة “شؤون خليجية” المقربة من السعودية، مقالاً تحت عنوان “يد الإمارات الخفية باليمن”، اتهمت فيه الإمارات بالالتفاف على المكاسب العسكرية التي حققتها ما أسمتها “المقاومة الشعبية اليمنية” على الأرض وسيطرتها على العديد من المدن الجنوبية، وتأخير “تحرير” صنعاء.
وقد تطور الخلاف بين الجانبين ليصل إلى حالة الصراع الدموي، حيث استهدفت غارات جوية “مجهولة المصدر” قوات من الحراك الجنوبي موالية للسعودية في عدن وأبين، قالت مصادر يمنية إن الإمارات هي من تقف خلفها، ما وصفه البعض بأنه مساعٍ ممنهجة لتطهير “أماكن نفوذ الإمارات” من أي قوى سعودية وازنة في الميدان، الأمر الذي يعنون لفصل جديد من فصول الصراع الإماراتي السعودي على اليمن.
الإمارات لم تكن متحمسة منذ البداية للمشاركة في عاصفة الحزم
لم تكن الإمارات متحمسة للمشاركة في قوات التحالف الذي تقوده السعودية في عدوانها على اليمن تحت مسمى “عاصفة الحزم”، وأشارت تقارير حينها أن الإمارات وبالرغم من مشاركتها بـ ٣٠ طائرة مقاتلة، وكونها ثاني أكبر قوة جوية مشاركة في التحالف السعودي، إلا أنها لم تكن تريد للسعودية أن تنجح في اليمن، وهذا ما أشار إليه الكاتب البريطاني “ديفيد هيرست” في مقال له في صحيفة “ميدل أيست آي” في مارس/نيسان من العام الجاري، حيث عزى الصراع الإماراتي السعودي على اليمن إلى التنافس على قيادة “العالم العربي السني”.
وأكد هيرست أن الإمارات تسعى لإفساد عملية انتقال السلطة التي ترتب لها السعودية في اليمن، وإفشال حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي التي تضم أعضاء لحزب الإصلاح (التابع لجماعة الإخوان المسلمين)، وذلك من خلال دعم (أحمد علي صالح) نجل الرئيس السابق، وقائد الحرس الجمهوري السابق وسفير بلاده لدى الإمارات.
وكانت العديد من التقارير الصحفية قد أشارت إلى أنَّ الإمارات أبلغت علي عبد الله صالح ونجلَه بموعد “عاصفة الحزم”. وتُشير التقارير إلى أن ولي عهد “أبو ظبي” محمد بن زايد أبلغ تفاصيل الضربة لصالح وهو ما أدى إلى انقاذ حياته، بعد أن غادر منزله في صنعاء الذي كان عرضة لقصف الطائرات السعودية.
كما شككت مصادر إماراتية رسمية بشكل صريح بامكانية نجاح “عاصفة الحزم”، حيث صرح المستشار السياسي لولي عهد “أبو ظبي”، الأكاديمي الإماراتي “عبدالخالق عبدالله”، لوكالة رويترز: بأن عملية عاصفة الحزم لا تعدو سوى مغامرة سعودية.
أسباب الصراع الإماراتي السعودي على اليمن
عدة أسباب دفعت نحو التنافس والصراع بين السعودية والإمارات على النفوذ في اليمن نذكر منها:
١- موقع اليمن الاستراتيجي: حيث أن سيطرة السعودية على اليمن بما له من موقع استراتيجي مطل على البحر الأحمر من جهة، والمحيط الهندي من جهة أخرى، سيحقق للسعودية امتيازات اقتصادية كبرى، وهو ما سيزيد من فرص هيمنة السعودية على مجلس التعاون، واقصاء أكبر للدور الإماراتي.
٢- زعامة “العالم العربي السني”: يبدو أن الإمارات غير مرتاحة لمساعي السعودية تقاسم زعامة “العالم العربي السني” مع تركيا، حيث تجد نفسها جديرة بلعب هذا الدور بدلاً من تركيا التي تسعى لاحياء “الخلافة العثمانية”، حسب تصريح أدلى به وزير الإمارات للشؤون الخارجية.
٣- عداء الامارات التقليدي للإخوان المسلمين: حيث تخشى الامارات من تنامي نفوذ حزب الاصلاح في اليمن، الذي يحظى بدعم سعودي سخي، خاصة في ظل تحسن علاقة السعودية مع الإخوان بعد مجيء الملك سلمان بن عبدالعزيز للسلطة.
٤- المخاوف الإماراتية من مشروع مدينة النور: ويتضمن بناء مدينة وجسر يربط بين اليمن وجيبوتي، أي بين قارتي آسيا وأفريقيا، مما يشكل ممراً تجارياً عالمياً هاماً، قد يؤثر على الدور الريادي الذي تلعبه الإمارات عبر ميناء دبي، وهو ما يشكل مصدر قلق للإمارات. حيث تخشى الإمارات أن تفقد أهم ركائزها الاقتصادية المعتمدة علی ميناء دبي.
٥- مطامع السعودية في النفط اليمني: حيث تسعى السعودية للسيطرة على حقل “واعد” النفطي الممتد من محافظة الجوف في اليمن، وحتى صحراء الربع الخالي، ويقع في معظمه ضمن الأراضي اليمنية، حيث سيكون بمقدور السعودية من خلال السيطرة على هذا الحقل، زيادة انتاجها النفطي إضافة إلى تأمين تصدير نفطها عبر بحر العرب بدلا من مضيق هرمز على الخليج الفارسي.
“عاصفة الحزم”، وفتور في العلاقات السعودية الإماراتية:
لم يكن فتور العلاقات بين الطرفين بجديد، بل إن ملفات عدة لعبت دوراً في تأزيم العلاقة بين الطرفين، منها العلاقة التجارية المتميزة للإمارات مع إيران، والعلاقة مع تركيا ومصر والاخوان المسلمين، والخلافات الحدودية القديمة، عدا الخلافات الشخصية، حيث ينظر قادة الإمارات نظرة دونية إلى حكام آل سعود، وهذا ما كشفت عنه وثائق ويكيليكس في إحدى البرقيات المسربة، بأن “محمد بن زايد سخر من الطريقة التي يتلعثم فيها وزير الداخلية السعودي السابق نايف بن عبد العزيز، وأشار إلى أنه حينما يرى نايف يترسخ لديه الاقتناع بأن داروين كان محقًّا حين قال إن الإنسان انحدر من القرد”.
إلا أن توتر العلاقات بين الطرفين دخل فصلاً جديداً مع انطلاق ما تسمى “عاصفة الحزم”، حيث أن مشاركة الإمارات في العملية لم يكن من باب الانسجام مع الأهداف السعودية، بل كان محاولة لامساك العصا من المنتصف، بما يحقق لها مصالحها.
السعودية التي تعتبر نفسها في موقع الوصي على بقية الدول الخليجية، لم تكن راضية عن الموقف الإماراتي، خاصة فيما يتعلق بعلاقة الإمارات مع نجل عبدالله صالح. هذا الأمر دفع العلاقات بين البلدين إلى فتور واضح، حيث صرح مصدر خليجي “إن الأجواء والتفاصيل التي رافقت زيارة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد إلى الرياض تعكس حجم التوتر بين البلدين، مشيرا إلى أن بن زايد اضطر للانتظار لمدة عشرة أيام، قبل أن تأتيه موافقة السعودية على الزيارة”.
وخلال الزيارة لم يتمكن محمد بن زايد من مقابلة ولي العهد أو الملك سلمان، كما لم تحظ الزيارة بتغطية إعلامية أو اهتمام سعودي، كما رفضت السعودية مناقشة مبادرة سياسية تقدم بها محمد بن زايد لإنهاء الأزمة في اليمن، تدعو للتنسيق مع علي عبدالله صالح.
ما الذي دفع الإمارات إلى التدخل البري المباشر في اليمن؟
والسؤال الذي يطرح نفسه، إذا كانت الإمارات غير متحمسة للمشاركة في عاصفة الحزم، فلماذا دخلت إلى الحرب البرية في عدن بهذا الزخم غير المسبوق؟
ولماذا ساهمت في “قلب الموازين” في الجنوب، كما عبرت عنه صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية، حيث نقلت الصحيفة عن مقاتلين محليين ومسؤولين غربيين، أن التقدم في عدن وحولها، قد خطط له ونفذ بشكل كبير بواسطة الإمارات. وأكدت الصحيفة أن وجود نحو ٣ آلاف من القوات الإماراتية والسعودية على الأرض، أدى إلى “تغيير حاسم” في الصراع الممتد منذ ٥ أشهر.
وأشار المتخصص في الشأن اليمني، جيمس سبينسر، أنه من النادر بالنسبة للإمارات الدفع بقوات برية إلى مناطق الصراع، وأشار إلى أن القوات الخاصة الإماراتية أصبحت جزءا من المقاتلين الذين يقاتلون ضد الجيش اليمني واللجان الشعبية في اليمن منذ مايو/أيار الماضي على أقل تقدير.
فإذا كانت الإمارات لا تدفع بقواتها البرية إلى مناطق الصراع إلا بالنادر، فما الذي أدى إلى هذا التحول في الموقف الإماراتي؟
يرى مراقبون أن التقدم الكبير الذي حققه الجيش اليمني وأنصار الله في مدينة عدن وما حولها في أبريل/نيسان الماضي، وسيطرة أنصار الله على الموانئ الاستراتيجية في المنطقة، أدى إلى الاخلال بحالة التوازن التي تسعى إليها الإمارات في اليمن، حيث أن المصلحة الإماراتية تقتضي استمرار الصراع في اليمن واستنزاف كل من السعودية والجيش اليمني، ومنع الحسم لصالح أي منهما، وهذا ما عبر عنه رئيس المجلس السياسي في حركة أنصار الله “صالح الصماد”، الذي أكد أن الإمارات حريصة على جعل عدن “بؤرة صراع”، وقال: “إن استقرار مدينة عدن يعني قضية وجود بالنسبة للامارات، التي حاولت طيلة العقود الماضية تجميد دور ميناء عدن بتواطؤ من بعض النافذين”، وأشار إلى أن “أبو ظبي حريصة علی تصفية كل الاصوات الوطنية من قيادات الحراك الوطنية التي تحمل هم ابناء الجنوب وتنادي بقضيتهم”.
الخلاف السعودي الإماراتي يتطور إلى صراعات دامية:
بعد السيطرة على عدن، بدأ الخلاف يتعمق بين السعودية والإمارات، حيث اعترضت الإمارات على قيام السعودية بتعيين “نايف البكري” التابع لحزب الإصلاح (الإخوان المسلمين)، كما رفضت تعيين “حمود المخلافي” محافظاً لتعز، أيضاً لانتماءه للإخوان المسلمين. من جهة أخرى استطاعت الإمارات أن تحقق اختراقاً لجهة استمالة القبائل المدعومة من السعودية، هذه الأسباب إضافة إلى التباين الكبير في مبادئ ومصالح القوى المتحالفة مع العدوان السعودي والإماراتي على اليمن، دفع الأمور نحو صراعات دامية، حيث شهدت أمس مدينة عدن وشبوة اشتباكات عنيفة، بين “القاعدة” و”الإخوان المسلمين” من جهة، وقوات محسوبة على هادي وأخرى على الحراك الجنوبي من جهة أخرى، ما أدى إلى سقوط عدد كبير من القتلى، وقد تخلل المعارك، أعمال ذبح وسحل وتمثيل بالجثث، مما قوبل بإدانة واسعة من الرأي العام اليمني، ومنظمات انسانية وحقوقية.
النتيجة:
بالمجمل يمكن القول بأن الصراع الحاصل اليوم بين تحالف القوى المعتدية على اليمن، لم يكن مفاجئاً، بل هو نتيجة طبيعية لتحالف مبني على مصالح قائمة على قهر شعب فقير ومظلوم، واجهاض ثورته، ورفض خروجه من تحت الوصاية الخليجية. كما أن التحالف مع القاعدة واستخدام ورقة الارهاب، لا يمكن أن يجلب الأمن والاستقرار لا لليمن ولا حتى لسائر الدول الخليجية، بل إن هذه الآلام لا شك ستكون عاملاً موحداً للشعب اليمني، وسبباً لاتحاد القوى السياسية الجنوبية والشمالية لمواجهة العدو الواحد، وتحقيق سيادة اليمن الذي يستحق أبناؤه العيش الكريم.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق