لا حرب ولا إنفصال.. الحوار هو الحل في تركيا
كما أن المنطقة كلها تتعرض الیوم الی مؤامرة كونية والبعض يتهم تركيا بأنها جزء من هذه المؤامرة ضد المنطقة، فان تركيا نفسها أصبحت الیوم أيضا تتعرض لمؤامرة من نوع آخر. الحرب علی سوريا ودعم الإرهاب في العراق من قبل جهات اقليمية ودولية، هي في الأساس المؤامرة الرئيسية ضد المنطقة والغرض منها إضعاف محور الممانعة لصالح الكيان الإسرائيلي، لتنحرف الانظار عما تفعله تل أبيب ضد الشعب الفلسطيني، علی حد سواء في الضفة وغزة. وعلی هذا الأساس فان تركيا التي لعبت دور من يصب الزيت علی النار في الأزمة السورية، صارت هذه الأيام تواجه مخططا معقدا، يبدو في الظاهر أن حزب العمال الكردستاني هو منفّذه الرئيسي، لكن دون شك هناك من يحرك هذا الحزب خلف الستار ضد أنقرة، يراد من ذلك اغراق تركيا في حرب استنزافية طويلة الامد، کما أن نتيجة هذه المؤامرة ضد ترکیا تصب في صالح الكيان الإسرائيلي ایضا. وفي المقابل في حال استمر حزب العمال الكردستاني، بضرب المصالح التركية، فانه سيتسبب بمتاعب غير محمودة العواقب لنفسه ولاكراد المنطقة خاصة في تركيا، فكيف يمكن لانقرة وحزب العمال تجنب الصدام والمضي قدما نحو السلام؟
وبالتزامن مع استمرار الأزمة السياسية في تركيا منذ اعلان نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في السابع من حزيران الماضي، وفشل حزب العدالة والتنمية في الحصول علی الأغلبية النيابية البرلمانية، اشتدت المعارك بين حزب العمال الكردستاني والقوات التركية، حيث أعلنت وكالة الانباء التركية الرسمية (الاناضول)، أن فضلا عن مقتل العشرات من عناصر حزب العمال، قتل العشرات من عناصر الجيش التركي علی يد حزب العمال الكردستاني المعارض. هذه المعارك الشرسة التي تخوضها أنقرة بالاضافة الی هزيمة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية، بددت آمال الرئيس التركي «رجب طيب اردوغان» الذي كان يفكر بفوز حزبه بالانتخابات البرلمانية، بتعزيز صلاحياته كرئيس للبلاد.
في هذا السياق يواجه الیوم حزب العمال الكردستاني الذي اتبع سياسة العنف في الفترة السابقة ضد أنقرة أزمات شائكة تختلف عما كان يواجهه من أزمات في السابق، حيث أن المنطقة برمتها وخاصة المناطق التي يقطنها الاكراد خاصة في سوريا والعراق، تواجه خطر الإرهاب من قبل تنظيم داعش الإرهابي، حيث حصدت العمليات التي قام بها هذا التنظيم أرواح المئات من الاكراد في هذه المناطق خلال العامين الماضيين. ومن دون شك فان إشعال فتيل الحرب بين حزب العمال الكردستاني وتركيا سيعبّد الطريق أمام داعش للاستمرار في ارتكاب المزيد من الجرائم في المنطقة.
بالاضافة الی ذلك فان فكرة الانفصال الكردي عن تركيا التي راودت حزب العمال الكردستاني بعد تأسيسه في عام ١٩٧٨، والتي ادت المعارك بين هذا الحزب والحكومة التركية، بين عامي ١٩٨٤ حتی ١٩٩٩، الی مصرع ٤٠ الف انسان من كلا الطرفين وفق احصائيات العديد من المصادر، أصبحت الیوم فکرة مرفوضة أكثر مما كانت علیه ليس فقط من قبل دول المنطقة، بل حتی من قبل الشعب الكردي في تركيا. ويعود هذا الرفض لاسباب عديدة منها، أن الحكومة التركية فتحت المجال واسعا أمام الاكراد في المجال السياسي والاقتصادي مما مكّن ذلك، الاكراد وبشكل قانوني من الفوز بعشرات المقاعد البرلمانية في ترکیا، وتحسين سمعة الاكراد في العالم بانهم لا يبحثون عن الصراعات العسكرية، بل يطالبون بحقوقهم المشروعة عبر الطرق السلمية. ولا شك أن عودة حزب العمال الی الصراع المسلح، من المحتمل أن يفقد الاكراد في تركيا الكثير من الحقوق التي وافقت علیها الحكومة التركية خلال الاعوام الماضية.
المشاركة الواسعة للاحزاب الكردية في الانتخابات البرلمانية الاخيرة التي شهدتها تركيا، تشير الی أن القومية الكردية في تركيا أصبحت الیوم أكثر ايمانا بالوحدة مع هذه الدولة ونبذت فكرة الانفصال عن تركيا دون رجعة، وفي هذا السياق كلما منحت الحكومة التركية مزيدا من الحريات والحقوق المدنية لهذه القومية، فان ذلك سيساعد في استتباب المزيد من الامن والاستقرار في المناطق الجنوبية الشرقية في تركيا، حيث يشكل الاكراد في هذه المناطق الاغلبية السكانية. إذن شعوب منطقتنا ومنها تركيا أصبحت الیوم اكثر ادراكا لضرورة التمسك بوحدة تراب اوطانها وانها لا توافق علی تقسيم المقسّم كما تسعی الیه واشنطن وتل أبيب، فبناءً علی هذا يستوجب علی تركيا وحزب العمال الكردستاني، العودة ثانية الی مبدأ المفاوضات بدل الاحتكام الی لغة السلاح.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق