دور أمريكا في الأزمة النفطية بالشرق الأوسط
حددت العقود الأخيرة من القرن الماضي وبداية القرن الحالي الروابط القوية بين النفوذ الأمريكي في المنطقة وسوق النفط، وتميزت تلك الفترة بتغيرات في الساحة الشرق أوسطية لتظهر السياسات البترولية التي لا تزال تهيمن على الواجهة العالمية.
ويرى المتابع لتطورات تلك الفترة أن سياسة واشنطن اعتمدت على عدة عوامل لتعزيز نفوذها في المنطقة في مقدمتها التدخل المستمر في شؤونها ومحاولة بث الفرقة بين دولها.
ومن العوامل الاخرى التي تعتمدها الادارات الأمريكية المتعاقبة في هذا المجال والتي قد يغفل عنها البعض محاولاتها المستمرة للهيمنة على منابع النفط وباقي مصادر الطاقة في الشرق الأوسط وكيفية التحكم بأسعارها في الأسواق الاقليمية والدولية.
فما هي الطرق والاساليب التي انتهجتها وتنتهجها واشنطن لتحقيق هذا الهدف؟
- الايعاز إلى الدول النفطية الحليفة لها في المنطقة خصوصاً السعودية لزيادة مستوى إنتاجها من النفط والذي يؤدي بدوره إلى خفض أسعاره في الأسواق العالمية وفق قاعدة العرض والطلب.
- خلق حالة من التنافس بين الدول النفطية في المنطقة لزيادة إنتاجها كي تُحرم إيران من مكاسب الامتياز الذي وفّره لها الاتفاق النووي الأخير الذي وقعته مع مجموعة (٥+١) الذي يسمح لها بزيادة صادراتها النفطية بعد رفع الحظر الاقتصادي عنها والذي حظي بتأييد مجلس الأمن الدولي.
- إشعال المزيد من الحروب في المنطقة من خلال إثارة الخلافات الحدودية والسياسية والنعرات الطائفية والمناطقية كما يحصل في العدوان السعودي على اليمن، أو من خلال دعم الجماعات الارهابية للسيطرة على بعض المناطق النفطية كما يحصل في سوريا والعراق، وذلك من أجل إجبار هذه الدول على زيادة إنتاجها من النفط وبيعه بأسعار منخفضة لتلبية احتياجاتها الاقتصادية والعسكرية وسد النقص الكبير الحاصل في ميزانياتها المالية نتيجة هذه الحروب.
- رفعت أمريكا إنتاجها من النفط في الأشهر الأخيرة ووصل مستوى هذا الإنتاج إلى أكثر من ١٠ ملايين برميل يومياً، حيث تقوم واشنطن بتصدير نحو ١.٥ مليون برميل إلى الخارج، وهو ما أدى أيضاً إلى خفض أسعار النفط في الأسواق العالمية والذي أسهم بدوره في خلق متاعب لدول الشرق الأوسط المنتجة للنفط التي يعتمد أكثرها على العائدات النفطية في تسيير إقتصاده. فقد حذر (صندوق النقد الدولي) من أنّ السنوات التي شهدت فيها الدول المصدرة للنفط فوائض هائلة تشرف على نهايتها نتيجة تنامي عدد سكانها وتضخم إنفاقها، وهذا الأمر يجعلها في وضع أكثر هشاشة في حال استمرار انخفاض أسعار النفط، وهو احتمال يبدو مرجحاً على نحو متزايد مع دخول مصادر طاقة جديدة إلى الساحة الدولية.
- يعتقد الكثير من المراقبين بوجود تنسيق غير معلن بين أمريكا والسعودية والجماعات الارهابية وفي مقدمتها (داعش) منذ عدة سنوات من أجل خفض سعر النفط في العالم بهدف إلحاق الضرر بالدول المتصدية لهذا المحور وفي مقدمتها إيران خصوصاً بعد فشل المحاولات الغربية لتضييق الخناق على طهران من خلال تشديد الحظر المفروض عليها على خلفية الأزمة النووية.
- اعتماد أمريكا على تقنية (الانكسار الهيدروليكي) لزيادة إنتاجها من النفط، وبالتالي زيادة قدرتها على التصدير رغم المخاطر البيئية الكبيرة التي يسببها هذا النوع من الإنتاج على مستوى العالم.
من خلال هذه الحقائق يمكن الاستنتاج بأن أمريكا لاتقف عند حد معين ولاتلتزم بأي منطق أخلاقي أو قانوني من أجل تحقيق مصالحها في المنطقة، فالغاية عندها تبرر الوسيلة، وهو أمر لايحتاج إلى دليل أو توضيح لأنه بديهي، ومن أصعب الامور توضيح البديهيات كما يقال.
ولهذا لابد لصانعي السياسات في دول المنطقة أن يهتموا بهذا الأمر. فالفصل بين المشاكل الاقتصادية والسياسية غير صحيح. فكما في أي مكان آخر، يرتبط الاقتصاد بالسياسة ارتباطاً وثيقاً، ويعتبر التقدم الاقتصادي العامل الرئيسي للحد من انعدام الأمن والاستقرار المزمن الذي يهدد مصالح جميع شعوب المنطقة.
وبهذا فإن السياسات الخارجية تداخلت على الدوام بالمعايير الاقتصادية، في الوقت الذي تزاحمت فيه البلدان الصناعية على التقارب مع مزوديهم، وصرفت النظر عن الاختلافات الأيدئولوجية التي تجمعها بها، حتى أنها كانت مستعدة لشن الحروب في وضع غير مناسب للوصول إلى الوقود الخام.
وهذه السياسات، إلى جانب العقبات التي تعترض ممارسة الأعمال التجارية، تمنع أنشطة القطاع الخاص التي من شأنها تعزيز النمو والعمالة. فنسبة البطالة في دول المنطقة – وخاصة بين الشباب – تعتبر في كثير من الحالات الأعلى مقارنة مع مناطق اخرى في العالم، في الوقت الذي تتباطأ فيه وتيرة النمو الاقتصادي إلى حد يمنعه من عكس هذا الاتجاه.
ومع ذلك، من الممكن معالجة هذه المشاكل الاقتصادية. فبخلاف المعضلات السياسية التي تواجهها المنطقة- والتي غالباً ما تبدو مستعصية- بوسع القادة الإقليميين تنفيذ إصلاحات اقتصادية صارمة للتخلص من تبعات الاعتماد على العائدات النفطية المهددة باستمرار بعدم الاستقرار، بسبب كثرة التقلبات السياسية والأمنية اقليمياً ودولياً. ومن السذاجة الاعتقاد بأن النمو الاقتصادي سوف يحل جميع المعضلات الشائكة في الشرق الأوسط؛ ولكن من السذاجة أيضاً الاعتقاد أنه بإمكان حل تلك الأزمات في غياب الازدهار الاقتصادي.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق