الإستراتيجية الإعلامية لـ BBC.. القصّة الكاملة
لم يعد مخفياً دور الإعلام في قيادة الشعوب وتغيير بوصلته وفقاً لإستراتيجية الوسيلة الإعلامية وأهدافها سواءً عبر نقل الوقائع، أو نشرها بصورة تتلائم مع السياسات العامّة للوسيلة الناشرة، أو حتى عبر إختلاق الاكاذيب ونسبها إلى موقع معين أو حتى مواقع التواصل الإجتماعي تويتر وفيسبوك. وتعتبر الكلمة الكاذبة أحد أهم أساليب وسائل الإعلام – قديمها وحديثها عريقها ووضيعها – لتحريك الجمهور نحو توجه معين، بدلاً من لعب دور مصدر معلومات دقيقة، حينها يتم مزج الخبر بالرأي وطرحه بأسلوب جذّاب وقادر على تحقيق أهدافه.
الغريب أن الأخبار الكاذبة تنتشر كالنار في الهشيم، وتحقّق أهدافاً يصعب حتى على تلك الأخبار الواقعية تحقيقها لأسباب عدّة تبدأ بطبيعة وحيثيات الخبر، ولا تنتهي بخروجها عن مطابخ الإعلام ذات الخبرة الطويلة في صياغة ونشر الاكاذيب.
وهناك العديد من الوسائل التي تتسم “بالعراقة” تعتبر رائدة في مجال ترويج ونشر الاكاذيب التي يتلقفها المشاهد والمتابع بحذافيرها، تارة لحنكتها الإعلامية، وأخرى لحجم تأثيرها على الصعيدين الرسمي والشعبي، وفي هذا السياق يمكننا ذكر قنوات عدّة مثل: العربية، الجزيرة، CNN والـBBC . وسنقتصر في هذا المقال على دور وأسلوب القناة البريطانية BBC ، مستفيدين من شواهد ووقائع ترسم صورة واضحة لأهداف الـBBC ، وبقيّة الإعلام المماثل.
BBCنموذجاً
لا شك في أن القناة البريطانية الـBBC تعتبر من أهم وسائل الإعلام الرائدة في مجال صياغة ونشر الأكاذيب، وقد حاولت الإستفادة حالياً، وبشكل كبير، من تطورات المنطقة منذ بدء ما يسمى بالربيع العربي لترويج سياساتها القائمة على حنكة البريطانيين في صياغة الأكاذيب ونشر الفتن، كيف لا وهم المسؤولون عن تقسيم المنطقة وإذكاء الصراعات الطائفية والعرقية فيها لعقود خلت. وفيما يلي نستعرض بعض الأكاذيب والأساليب “الخبيثة” للقناة البريطانية، ومن ثم نحاول إستخلاص أهم النتائج:
تركياً، بثت هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) مؤخراً تقريراً عن “مقاتلات في حزب العمال الكردستاني يحاربن تنظيم الدولة الاسلامية (تنظيم داعش الإرهابي) في شمال العراق”، ما أثار حفيظة الدولة التركية التي أصدرت بياناً شديد اللهجة أدانت من خلاله الخطوة البريطانية. ويلقي التقرير المذكور الذي عرض الخميس على موقع البي بي سي الالكتروني، الضوء على مقاتلات في احد معسكرات تدريب حزب العمال الكردستاني في شمال العراق خلال استعدادهن لمواجهة مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي. تركيا اعتبرت في بيان ان “بث معلومات مماثلة عن حركة تعتبرها دول عدة ارهابية بينها دول الاتحاد الاوروبي يشكل دعما معلنا للارهاب”، كما أشارت إلى أن “تقديم هذه المنظمة السرية بوصفها حركة بريئة تقاتل منظمة ارهابية اخرى (…) هو امر مرفوض”، معتبرة ان تقارير كهذه تنافي قرارات الامم المتحدة ومجلس اوروبا بشأن المنظمات الارهابية .
ايرانياً، تمتلك قناة الـBBC بشقيها العربي والفارسي باعاً طويلاً في نشر الاكاذيب التي تستهدف طهران، فعلى سبيل المثال لا الحصر نشرت هذه القناة في فترة سابقة “مقتل عدد من قيادات الحرس الثوري الإيراني على أيادي “الدولة الإسلامية” في سامراء”، كذلك نقلت القناة البريطانية تغريدة حول تواجد قائد فيلق قدس في الحرس الثوري اللواء قاسم سليماني على الأراضي اليمنية. إلا أن وكالة أنباء “فارس” الإيرانية، ردت على اكاذيب الـBBC بنشر صور للواء سليماني، وهو يجلس بجانب قائد الثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي، مشاركاً في مراسم العزاء التي أقيمت في طهران لذكرى استشهاد السيدة فاطمة الزهراء(ع).
سورياً، نقل الموقع الإلكتروني لمحطة تليفزيون (بي بي سي) العالمية بأن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحرکة حماس، قد ذكر أن الرئيس السوري ما زال يدعم حماس، إلا أن حماس أكّدت أنه لا صحة لهذا الامر. إدعاءات الـBBC تأتي رغم مغادرة حماس لدمشق منذ فترة وإعلان الرئيس الاسد في عدّة مقابلات عن إنقطاع العلاقة مع حماس، فلماذا تصطنع الإذاعة العريقة هذا الخبر؟ هل تريد تشويه صورة حماس لدى الاطراف التي تقف ضد الرئيس الأسد، أم انها تريد ان تشكك بمصداقية الرئيس السوري للإعتماد عليها في مرحلة مقبلة في سياق فبركة الاكاذيب؟
مصرياً، لم يستثن كذب الـBBC الازمة المصرية فقد نشرت القناة البريطانية العديد من التقارير التي تصب في صالح الجماعات الإرهابية هناك، ما دفع بوزارة الخارجية المصرية لإصدار بيان رد قوي وسريع يفنّد كل ما تضمنه تقرير الشبكة الإخبارية حول سيناء. وقد أبدى حينها المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المستشار أحمد أبو زيد إندهاشه من التقرير الذي أعطى صورة تفتقر لأدنى درجات الموضوعية والحيادية.
سوف نقتصر على الامثلة المذكورة أعلاه رغم وجود العديد من النماذج المشابهة التي لا يسعنا ذكرها هنا، ولكن في التعليق على دلالات وأهداف السياسات المتبعة في هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي)، لا بد من ذكر النقاط التالية:
أولاً: لا تختلف سياسات شبكة BBC إزاء المنطقة عن سياسات أم الفتن بريطانيا في تقسيم الشرق الأوسط (لسنا في معرض البحث عن سياسات هذه القناة تجاه الداخل البريطاني) عبر الضرب على الأوتار الطائفية والمذهبية والعرقية، وبالتالي فإن هذه الإذاعة عبارة عن وجه آخر لعملة بريطانيا الإعلامية، فلا تختلف كثيراً عن تلك القنوات التي تدعي أنها شيعية وتهاجم السنة، أو تدعي أنها سنية وتهاجم الشيعة، فكلاهما يموّل من المخابرات البريطانية. نعم يطغى الطابع السياسي والإجتماعي على قناة BBC لذلك قد تختلف في سياساتها التكتيكية تجاه المنطقة مع القنوات الفتنوية، وإن إجتمعت معها في السياسات الإستراتيجية.
ثانياً: تمتلك القناة البريطانية خبرة طويلة في صناعة وحبك الاكاذيب، إلّا أن أسلوبها بات مكشوفاً حيث يعتمد في أغلبه على دمج الاكاذيب بشيء من الواقع، فيؤخذ من هذا ضعث ومن هذا ضعث فيمزجان، فهنالك تستولي القناة على أوليائها.
ثالثاً: تتمتع هذه القناة ببرغماتية واضحة حيث لا تتوانى عن نشر أخبار وأكاذيب قد تكون مخالفة لسياسات القناة في ظاهرها، إلا أن جوهر هذه الاخبار وتداعياتها تصب في إستراتيجيات القناة. وقد تحاول هذه القناة فبركة أخبار تصب في صالح الرئيس السوري لدى جمهور معين، تارةً لكسب ثقة هذا الجمهور، وأخرى لضرب الطرف المقابل، تماماً كما فعلت في تقريرها عن دعم الرئيس الأسد لحماس.
رابعاً: تتجنّب الـBBC وصف داعش بالتنظيم الإرهابي، بل تقتصر على “الدولة الإسلامية” في رسالة واضحة لتشويه صورة الإسلام، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن “قناة الخلافة” هي من المنابر الداعشية الممولة من المخابرات البريطانية.
خامساً: ماذا لو لم يتصادف إدعاء القناة البريطانية بتواجد اللواء سليماني في اليمن مع ظهور الأخير في مراسم دينية لتنفضح أكاذيب الـBBC . هل کنا سنشهد حينها إدانة سعودية أو دولية للإدعاء المفبرك؟ لو لم يكن اللواء سليماني على لائحة الحظر، ألا يشكل هذا الإفتراء سبباً لوضعه في خانة العقوبات؟ هذا هو دور الإعلام كذب.. فترويج.. فردّة فعل.
سادساً: إن اهم مبدأ معتمد من قبل شبكة BBC وبقية الإعلام الذي لا يعير للمصداقية والمهنية أي إهتمام هو مبدأ “الغاية تبرر الوسيلة”.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق