التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, يوليو 1, 2024

قراءة هادئة في السياسات والممارسات الامريكية في المنطقة 

منذ فجر التاريخ كانت الدول الاستعمارية تسعى ومن خلال ايجاد الخلافات بين الاطراف المختلفة الى تعزيز نفوذها داخل هذه الاطراف وذلك بناءا على القاعدة الشهيرة “فرق تسد”. والى اليوم لازالت هذه المقولة هي السائدة، فاليوم امريكا تطبق هذه المقولة ولكن بتفنن ومهارة لا سابق لها في التاريخ، حيث جمعت وبمهارة عجيبة بين هذه المقولة وبين “عويل الجلاد” سعيا الى اظهاره بمظهر الضحية الذي لا يملك حولا ولا قوة. 

 

وبالعودة الى سياسات وممارسات امريكا خلال العقدين الماضيين، فالملاحظ أنها وخاصة بعد احداث ١١ ايلول التي جعلتها الضحية البريئة، بدأت بتنفيذ خطة مرسومة ومنذ سنوات لاعادة تنظيم العالم وفق رؤية امريكا (المفجوعة بضحاياها من الابرياء). وخلال فترة وجيزة بدأت خطتها لاصلاح العالم تظهر وتصبح اكثر وضوحا، حيث استقدموا قواتهم وجنودهم الى افغانستان والعراق للاستقرار في هاتين المنطقتين الاستراتيجيتين، ضاربين بذلك النظم والتوازنات الحاكمة في المنطقة. وبدأت تتبين خيوط السياسة الامريكية الجديدة في الشرق الاوسط وآسيا الوسطى، التي تقول بالتدخل المباشر لنشر الفتن وبث التفرقة للوصول الى النفوذ القوي داخل هذه البلاد. والفتن على مسارين فتن بين الحكومات واخرى بين الشعوب. والنوع الثاني هو الاخطر إذ يبعد القلوب عن بعضها ويضع ضغائن وعصبيات بين الشعوب والقوميات المختلفة، وامكان التخفيف من حدته اذاما تفلت من عقاله قليلة. بالاضافة الى نشر الثقافة الامريكية والغربية كنموذج يحتذى، ثقافة لا تمت الى عادات وتقاليد المنطقة بصلة، وتأتي لضرب المعتقدات الدينية الاسلامية بالاضافة الى القيم الشرقية المحافظة مما يؤدي الى تحلل اخلاقي اجتماعي يصب في صالح المصلحة الامريكية الاكيدة.  

   

وللأسف ففي تلك الفترة من بدايات الالفية الجديدة، خُدع البعض من المعجبين بالحضارة الامريكية وركبوا موجة الديمقراطية الامريكية المزعومة ظانين أن امريكا تريد الديمقراطية والحرية والرفاه لشعوب المنطقة بما في ذلك العراق وافغانستان. ولكن وخلال فترة وجيزة تبدد هذا الحلم حيث أن امريكا ظهرت على حقيقتها. وعندما أحست ان الامور تجري بعكس ما تهوى، بدأت بدعم مجموعات من المعارضين لهذه الدول ممن يحملون افكارا متشددة وذلك لتحقيق مصالحها عبرهم. فامريكا وبعيد احتلالها العراق دعمت جهات داخلية مختلفة بهدف العمل على تقسيم العراق وجهزتهم بالادوات اللازمة والوسائل المطلوبة لتنفيذ طموحاتهم. ومن تلك الجماعات فلول البعث التي التحقت بالركب الامريكي. 

 

في افغانستان كان السيناريو مشابهاً ايضا لما حصل في العراق مع اختلافات بسيطة بحكم التركيبة الافغانية، فرغم كل الادعاءات الامريكية والوعود باعادة اعمار افغانستان واقتلاع الارهاب من جذوره، قامت بالمحافظة على علاقتها بقيادات من طالبان رغم الجو الحاكي عن مواجهات بين الطرفين. ولم تقم باي شيء يمنع المخابرات الباكستانية من دعم “طالبان أفغانستان”. وسعت سياسيا الى الاتيان بموالين لها وحفظهم والى اليوم لازالت الادارات الافغانية تضم الكثير منهم. 

 

هذه السياسة انعكست ايضا وبشكل واضح على التدخل في توجيه ما تسمى بالربيع العربي الذي عاشته البلاد العربية خلال السنوات السابقة. حيث دعمت الثورة الليبية وذلك من اجل تدمير ذلك البلد وتحويله الى ما هو عليه اليوم من حالة حرب دامية بين كافة الاطراف العرقية والسياسية المتواجدة فيه. وفي مصر ايضا وبالتنسيق مع العسكر صادرت مفاعيل الثورة المصرية التي قدم المصريون جليل التضحيات من اجلها في ميادين مصر، من اجل اسقاط حكم فاسد تابع لامريكا. لتصبح بعد فترة مصر والقضاء المصري أحد الاذرع الامريكية التي تنزل اقسى العقوبات على مرسي وداعميه وتبرئ من ثار عليه الشعب المصري “مبارك”. ولا زالت مصر وفي عهد السيسي رهينة السياسات الامريكية التي تستطيع ان تجوع الشعب المصري دون أن يتمكن النظام من التفوه بكلمة. 

 

اما بالنسبة الى سوريا، فالامور أوضح من شمس الظهيرة لجهة التدخلات الامريكية، التي تريد اسقاط سوريا الدولة المقاومة والممانعة في وجه الارادة الامريكية الاسرائيلية. فلم تكتف امريكا بفرض العقوبات الاقتصادية والمحاصرة السياسية على سوريا بل تعدت ذلك الى توكيل حلفائها وازلامها في المنطقة كلها بلعب دور في دعم المجموعات الارهابية التي فتكت بالداخل السوري. فوزعت الادوار بين قطر والسعودية والامارات وتركيا بالاضافة الى جهات وتنظيمات اخرى، ليستوردوا الالاف من الارهابيين من انحاء العالم. متنافسين فيما بينهم على نشر آلة القتل والتدمير في سوريا. فامريكا تتحمل مسؤولية كل قطرة دم سفکت على الاراضي السورية، التي حولتها الى مصنع لانتاج الارهاب الى دول المنطقة. 

 

وفي اليمن القصة نفسها، وعبر السعودية هذه المرة التي اعطتها الضوء الاخضر لضرب اليمن وشعبه وذلك لاعادة اليمن الى الحضن السعودي ومن خلفه الامريكي، ناشرة الفتنة ايضا بين اطياف الشعب اليمني بين شماله وجنوبه، سنته وشيعته. حيث يسقط وبسبب العدوان يوميا المئات من الضحايا جلهم من الاطفال والنساء دون أن ترف لامريكا والسعودية جفن. 

 

وختاما واضافة الى التدخل والفتنة وايجاد نفوذ لها في بلداننا واضافة الى المجازر الشنيعة التي ترتكب بشكل يومي في كل من العراق وسوريا واليمن والبحرين تمكنت أمريکا من استنهاض اقتصادها من خلال انتعاش صناعاتها العسكرية. وتمكنت من تحويل انظمة المنطقة الى لعبة طيعة بيدها. وهنا يأتي الدور للساسة العاقلين في هذه الدول، بضرورة استعادة زمام الامور والعودة الى جادة الصواب والا فان افول نجمهم سيكون النتيجة الحتمية لهذه السياسات.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق