ويستمر المشوار… السيسي يزور موسكو للمرة الثالثة
يزور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي موسكو للمرة الثالثة منذ توليه رئاسة مصر في يونيو ٢٠١٤، ومن المقرر أن تمتد زيارة السيسي من ٢٥ إلى ٢٧ أغسطس/أب الجاري، أي أنها لن تتجاوز اليومين؛ هذه الزيارة والتي هي الثالثة من نوعها خلال ١٤ شهراً لا يمكن وصفها بالزيارة الروتينية أبداً، فهي كما سابقتيها ترسم ملامح مستقبل جديد لم ينتهِ الرئيس المصري من رسمه بعد، هذا المستقبل ستكون فيه مصر مختلفة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.
سياسياً:
تشكل زيارة السيسي لروسيا مفصلاً جديداً لعلاقات القاهرة الدبلوماسية، فمصر كانت في السابق تعتمد سياسياً على أمريكا، وهذا ما يحاول الرئيس السيسي تغييره من خلال إقامة علاقات متوازنة مع دول العالم كافة ليحافظ على استقلالية القرار المصري، ولتصبح مصر ذات مكانة أكبر في المعادلات الدولية والإقليمية، فتوجه القاهرة إلى الحلف الأمريكي بشكل كامل يجعلها غير مؤثرة في الساحة السياسية، إذ أنها لن تستطيع إلا تبني الموقف الأمريكي، وهذا ما يسعى السيسي للتخلص منه.
ويعمل السيسي على تقليص العلاقات مع واشنطن وخاصةً أن أمريكا انتقدت أكثر من مرة حكومة السيسي بسبب سياساتها تجاه الإخوان المسلمين، فالسلطات الأمريكية تحاول التقرب من جميع الأطياف المصرية لتضمن مصالحها في البلاد، وهذا ما يرفضه السيسي، ما تسبب بتوتر العلاقات بين واشنطن والقاهرة، وهذا ما كشفته صحيفة واشنطن بوست إذ أكدت أن زيارة كيري إلى القاهرة في يونيو/حزيران الماضي كانت لإصلاح العلاقات الأمريكية مع مصر.
ولا يرضى السيسي أن تكون علاقة الأمريكيين معه وفق المصالح الأمريكية فقط، ولهذا يحاول من خلال التوجه إلى موسكو استعادة دور مصر كدولة محورية في المنطقة تكون لها هيبة وثقل سياسي، وعندها ستكون أمريكا مضطرة لإقامة روابط متوازنة مع القاهرة وإلا فإن مصالح واشنطن ستصطدم بجدار الرفض المصري المدعوم روسياً.
ويمكن للعلاقات المصرية الروسية أن تثمر، فالمستقبل أمامها ليس مظلماً، وخاصةً أن البلدين يتشابهان في العديد من المواقف الدولية والإقليمية، فمصر وروسيا تتفقان على ضرورة مكافحة الإرهاب وعلى ضرورة العمل الدولي الموحد ضد الجماعات التكفيرية، كما أن الموقف المصري تجاه الأزمة السورية يتفق مع روسيا في ضرورة حل الأزمة بشكلٍ سلمي وأن يكون الرئيس الأسد جزءاً من هذا الحل.
عسكرياً:
لا يرى السيسي في موسكو قبلةً سياسية فحسب، فالملف العسكري في غاية الأهمية، والرئيس المصري يسعى إلى توجيه بوصلة صفقات التسليح إلى روسيا، وذلك يعود لعدة أسباب:
السبب الأول والأهم أن مصر تسعى لتحقيق التفوق العسكري والنوعي على الكيان الإسرائيلي، وأمريكا التي كانت صاحبة النصيب الأكبر في تسليح الجيش المصري كانت تعمد على إبقاء التفوق للإسرائيليين، وهذا ما بات يرفضه السيسي.
السبب الثاني يرتبط بالعلاقات الأمريكية الإسرائيلية والتي يمكن وصفها بالأكثر من استراتيجية، ما يجعل كافة إمكانات الجيش المصري التي تأتي من واشنطن معروفة عند قادة الكيان الإسرائيلي، وهذا يُفقد الجيش المصري أهم عناصر التفوق في المعركة، كعنصري المفاجأة والقدرة على المناورة، في حين أن موسكو ستحافظ على سرية تسليحات الجيش المصري.
والسبب الثالث يرتبط بموسكو التي تتميز بتفوقها في الصناعات الدفاعية على غيرها، وهذا ما تحتاجه مصر لحماية أراضيها الشاسعة.
اقتصادياً:
تشكل الناحية الاقتصادية جانباً هاماً من جوانب العلاقة التي يطمح السيسي إلى بنائها مع الكرملين، فالقمح الأمريكي يكلف مصر أثماناً سياسية ويجعلها مرتهنة للقرار الأمريكي، في حين أن القمح الروسي يحافظ على استقلالية مصر بالإضافة إلى سهولة نقله والتسهيلات التي تقدمها روسيا لسداد المبالغ، كما وأن العلاقات مع روسيا ستؤدي إلى ازدياد عدد السياح الروس الذين يقصدون مصر، وهذا ما يشكل مصدراً تمويلياً هاماً للحكومة المصرية، وخاصةً أن روسيا تشكل مصدراً سياحياً هاماً لمصر التي يقصدها مليونا سائحٍ روسي سنوياً، كما أن المشاريع التنموية لن تستثنى من زيارة السيسي إلى موسكو، فالبلدان يعملان على إنشاء محطة نووية، ناهيك عن أن الكثير من المعامل المصرية وخاصةً العسكرية منها بُني بأيدي السوفييت في زمن الرئيس جمال عبد الناصر، وهذا ما يسهل فتح مشاريع استثمار جديدة مع الروس.
علاقة مصر وروسيا التي يسعى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لبنائها يمكن أن تُدخل مصر في مستقبلٍ جديد تصبح فيه القاهرة أقوى وأكثر استقلالية من سابق عهدها، ولكن يبقى أمام السيسي تهديد لا يمكن غض النظر عنه، فأمريكا لا يمكن أن تقبل بفقدان دولةٍ كمصر من حلفها، ولا يمكن لواشنطن أن تستسلم بهذه السهولة، ولهذا فإن خطة الرئيس المصري التي يرسمها لبلاده يجب أن تكون في غاية الإحكام وإلا فإنها ستصطدم بالمكائد الأمريكية، ولن تُثمر إلا الحقد الأمريكي.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق