العراق في زمن الإرهاب، أحزابٌ بزغت وأخرى كانت من الآفلين
يشكل دخول تنظيم داعش الإرهابي إلى العراق منعطفاً سياسياً جديداً دخلت فيه البلاد، فالعمليات العسكرية الجارية والتي تستهدف تنظيم داعش الإرهابي أثّرت على الواقع السياسي الذي يعيشه العراقيون فارضةً متغيراتٍ جديدةً برزت خلالها قوى سياسية جديدة تسعى لحفظ العراق وصيانة وحدته وأمنه، وغابت تيارات سياسية عجزت عن التعامل مع الوضع الأمني الذي تمر به البلاد فخسرت جمهورها وشعبيتها.
قبل دخول تنظيم داعش الإرهابي إلى العراق كانت الأحزاب السياسية السنية تتمثل في الحزب “الإسلامي”، وجبهة التوافق، وفي انتخابات ٢٠١٤ برزت كتلة “أسامة النجيفي” (المتحدون)، أما حزب “الإتحاد الوطني”، و”الديمقراطي” و”الاتحاد الإسلامي” فهي أكثر الأحزاب السنية شهرةً منذ عام ٢٠٠٣، لينضم إليها حزب “التغيير” بعد انتخابات ٢٠١٤، أما الأحزاب الشيعية فكانت متمثلة بـ”المجلس الأعلى” و”تيار الصدر”، كما صعد “ائتلاف دولة القانون” في الانتخابات الأخيرة.
التشكيلة الحزبية هذه ستتبدل بعد دخول تنظيم داعش الإرهابي على الخط الميداني، فالأحزاب السُنية تغيرت شعبيتها داخل جماهيرها، فالكثير من سياسيي أهل السنة اتهموا الحشد الشعبي بقتل المدنيين في تكريت وغيرها من المناطق ساعين للنيل من الحشد، الأمر الذي انعكس ضدهم فأهل هذه المناطق لم يعودوا يصغون إلى كلام سياسييهم وانضموا إلى الحشد الشعبي للحفاظ على أرواحهم وممتلكاتهم من تنظيم داعش الإرهابي، حتى أن عدد أهل السنة الذين يقاتلون في صفوف الحشد وصل إلى ١٣٠ ألف مقاتل، وذلك حسب ما أكده “كاظم الصيادي” النائب في مجلس النواب العراقي في حديثٍ أجراه مع “السومرية”.
تحالف أهل السُنة مع الحشد الشعبي وثقتهم به جاءت خلاف نداءات الكثير من الأحزاب السياسية، وهذا يُنبئ بأن الأرضية الشعبية لهذه الأحزاب قد تزلزلت، وخسر هؤلاء الساسة الكثير من جماهيرهم نتيجة ما يراه الكثير من المواطنين السنة “تواطؤ مع الإرهاب”، واللافت أن هناك عدداً من السياسيين حاولوا الالتفاف من جديد لاستعادة شعبيتهم من خلال تقديم اقتراحات جديدة كتسليح أهل السُنة وتركهم وحدهم يقاتلون التنظيم الإرهابي ودون مساندة الحشد الشعبي، ولكن هذا لن يغير من حقيقة سقوط شعبيتهم شيئاً.
أما حال الأحزاب الشيعية فهي أيضاً ليست في مأمنٍ من موجة التغيرات السياسية، فبعض الأحزاب التي تصدرت الساحة السياسية في الإنتخابات السابقة يمكن أن تواجه هزيمة سياسية محتملة في الإنتخابات القادمة، وذلك لعدم مشاركتها الفاعلة في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي، أو إهمالها لبعض المناطق العراقية الأمر الذي سهل دخول تنظيم داعش الإرهابي إلى هذه المناطق، وفي المقابل برزت أحزاب بشكل مؤثر في الساحة العراقية نتيجة إسهامها الفاعل في محاربة تنظيم داعش الإرهابي والدفاع عن المواطنين والمقدسات.
من بين الأحزاب التي برزت بسبب الحرب على الإرهاب “منظمة بدر” التي تعتبر من بين الأوفر حظاً في أي انتخابات مستقبلية تجري في البلاد، وذلك يعود للدور الذي لعبته في تحرير المناطق من السيطرة الداعشية، إذ أثبتت هذه المنظمة كفاءتها وجهوزيتها للدفاع عن العراق من خلال الانتصارات التي حققتها، كما أنها لا تعمل بشكل منفصل تماماً، إذ تجمعها علاقات مع الجيش العراقي ما يزيد من شعبيتها، وخاصةً أن رئيسها “هادي العامري” حضر كافة الجبهات العسكرية وابتعد عن السياسة مهتماً بالشؤون الأمنية للبلد.
يضاف إلى منظمة بدر “سرايا السلام”، القسم العسكري من “التيار الصدري”، وأثبتت هذه السرايا وجودها في العديد من المعارك والمناطق كسامراء، وديالى، وجرف الصخر، ويضاف إلى هذه الأحزاب التي برز دورها في حفظ أمن البلاد، “عصائب أهل الحق” التي لعبت دوراً هاماً في المعركة ضد الإرهاب، وتمتاز العصائب ببنية متماسكة وتنظيم كبير ما يزيد من ثقة الجماهير بها، وكذلك فإن دور “كتائب حزب الله العراق” و”سرايا كربلاء” ليس خافياً على أحد أيضاً.
المعركة ضد الإرهاب في العراق قلبت الموازين السياسية، فأصبحت الأحزاب والتيارات الفاعلة في الحرب ضد الإرهاب هي صاحبة الحظ الأكبر في أي انتخابات مقبلة، وباتت الأحزاب التي عرقلت مواجهة تنظيم داعش الإرهابي وتواطأت في قتاله هي الحلقة الأضعف في مستقبل البلاد، فالشعب العراقي بات يدرك جيداً من يهتم بمصالحه ووحدته وأمنه، ومن يلقي شعاراتٍ سياسية لا تسمن ولا تغني من جوع.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق