خيوط اللعبة: جنوب اليمن أم جنوب السعودية؟
يشهد العمقان الجنوبيان السعودي واليمني تغيّرات إستراتيجية في العدوان الذي تشنّه الرياض على صنعاء، حيث أن تسارع الاحداث في الجبهتين أجبر الجميع على إعادة ترتيب أوراقه بما يتلائم مع المستجدات الساخنة. التقدم العسكري السعودي في جنوب اليمن، قابله تقدّم عسكري لحركة أنصار الله في جنوب السعودية، ليرتسم مع هذه التطورات مشهد جيوسياسي جديد عنوانه “الجنوب اليمني مقابل الجنوب السعودي”.
وتأتي هذه التطورات العسكرية بالتزامن مع الجولات السريعة للمبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ بين الرياض ومسقط حيث تفيد بعض المصادر أن المبادرة الحالية لولد الشيخ باتت من الماضي والإعلان عن فشلها وعودة الوفد اليمني أدراجه إلى صنعاء، مسألة وقت فقط. ولكن كيف ستؤثر التطورات الميدانية على المشهد اليمني؟ وهل ستفضي معادلة جنوب اليمن-جنوب السعودية إلى إنهاء العدوان؟
جنوب اليمن وجنوب السعودية
قبل الإجابة على هذه الأسئلة لا بد من رسم صور واضحة لتجلّيات المشهد الجديد في الجنوبين (اليمني والسعودي) والإنطلاق منها لرصد الخطوات الجديدة والمرتقبة من كلا الطرفين، إليكم التالي:
يشهد جنوب السعودية حالياً تقدّماً ملحوظاً لحركة أنصار الله، حيث بثّت قناة «المسيرة» بالأمس، مشاهد لعمليات في العمق السعودي وبدت في الصور مشارف مدينة الخوبة السعودية وضواحيها، كما أعلنت اللجان الشعبية سيطرتها الكاملة على مجمع «قوى» السعودي في الخوبة وعلى التلال المجاورة له، بالاضافة إلى السيطرة الكاملة على غرف الشيخ العسكري السعودي في جيزان وإحراق آليتين عسكريتين في الموقع .كذلك سيطرت حركة «أنصار الله» على مواقع الفريضة ودار النفر وملحمة ومشعل، في ظل إستماتة سعودية لإستعادة المواقع عبر القصف الجوي ومحاولات التقدّم العسكري الفاشلة، كما أن القوات اليمنية استهدفت موقع الرديف في جيزان بالمدفعية والصواريخ ما أدى إلى فرار القوات السعودية بآلياتها، فيما دمرت القوات اليمنية العديد من الدبابات السعودية في آليات سعودية عدّة عبر صواريخ «الكورنت».
ولم تقتصر الإنتصارات اليمنية على الشق العسكري في جنوب السعودية، بل يعتبر الحديث عن إعادة طرح قضية المحافظات اليمنية الثلاث المغتَصَبة عسير، نجران وجيزان (اغتصب آل سعود هذه المحافظات، وضمّوها إلى السعودية، في عام ١٩٣٤) من أهم الخسائر الجيوسياسية للرياض، خاصةً أن التداخل القبلي من الناحية الديموغرافية لازال قائماً، فضلاً عن الثقافة والإنتماء الطائفي المشترك بين جنوب السعودية وجنوبها، أي الشمال اليمني.
وأما جنوب اليمن فقد إعتقدت السعودية أن إنسحاب حركة «أنصار الله» يشكّل فرصةً مناسبة لفرض واقع ميداني جديد يمكن أن يؤسس لإنتصارات مماثلة، إلا أن كافّة هذه النجاحات العسكرية لا تعدو عن كونها بالونات فارغة لا يمكن إستثمارها ميدانياً. إن المشهد اليمني جنوباً في غاية الضبابية اليوم، ففي ظل الترويج السعودي «لتحرير عدن» و«إستعادة الشرعية»، نرى أن تنظيم «القاعدة» نجح في السيطرة على حي التواهي غرب عدن مقيمين نقاط تفتيش في المنطقة، فضلاً عن سيطرة الحراك الجنوبي المطالب بالإنفصال على العديد من المواقع المهمّة على الخريطة العدنية. وقد أتقنت حركة أنصار الله خطوتها جيداً، خاصةً بعد ظهور بوادر جنوبية ترفض تواجد الحركة هناك، ما اتاح لمليشيات هادي والقوات الإماراتية إحتلال مدينة عدن. ولكن هل تستطيع مليشيات هادي أو القوات الإماراتية أن تسد فراغ الجيش وحركة انصار الله في عدن؟ وماذا ستفعل السعودية حالياً في ظل إتجاه الحراك الجنوبي نحو الإنفصال، في حين يحاول تنظيم القاعدة الإرهابي بناء إمارته الإسلامية؟
المشهد الجديد
إن المشهد اليمني الجديد إزداد تعقيداً، وخاصة بالنسبة للسعودية التي تبحث عن أي نصر يحفظ ماء وجهها أو بالأحرى يمكنها من فرض شروطها على طاولة المفاوضات حتى لا يتأثر ابن سلمان بالتداعيات، ولكن يبدو أن حساب الحقل اليمني لم يكن كحساب البيدر السعودي، فإنسحاب الجيش واللجان الشعبية من الجنوب لم تُعد الرئيس الفار عبد ربه منصور هادي إلى عدن، كذلك تسبّب هذا الإنسحاب بإندلاع مواجهات عنيفة بين مليشيات هادي والقاعدة، وكذلك القوات الإماراتية والحراك الجنوبي فضلاً عن حزب الإصلاح.
وتكمن مشكلة السعودية حالياً بإعتقادها أنه من الممكن تحقيق نجاحات عسكرية يمكن التعويل عليها، حتى أن الحديث عن إنجازات في صنعاء والشمال اليمني بات يُتداول على ألسن القيادات السعودية، ولكن لا شك أن إحتلال السعودية لجنوب اليمن يوازي بصعوبته إحتلال اليمن لشمال السعودية، إن لم يكن أكثر، وتجربة حرب ٢٠٠٩ خير دليل.
ما أشبه اليوم بالأمس، عند مطالعة المشهد اليمني نرى وجود العديد من المتشابهات مع المشهد السوري الذي دخل في عامه الخامس حيث فشلت الرياض في تمرير مشاريعها هناك. والدعم السعودي لما يسمى بالجيش السوري الحر، لم يفض إلى أي نصر عسكري لهذه الجماعة أو تلك، بل شاهدنا كيف سيطرت الجماعات التكفيرية مثل “داعش وما شاکله” على كافّة الأراضي التي إنسحب منها الجيش السوري. والمشهد اليمني مماثل لتلك المعارك، والمعركة المقبلة في الجنوب ستکون مع التنظيمات التكفيرية لأن ميلشيات هادي ستضيع “فارق عملة”، واما الشمال فشعب تصدح حناجره بالموت لامريكا والموت لإسرائيل.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق