غموض مستقبل “طالبان” ودور باكستان في صنع البديل
بعد الاعلان عن وفاة الملا عمر زعيم حركة طالبان دخلت هذه الحركة مرحلة جديدة من الغموض خصوصاً بعد الانقسامات التي حصلت في داخلها والتحاق عدد من عناصرها بتنظيم (داعش) الارهابي.
ومن خلال القرائن والشواهد المتوفرة يمكن التأكد من ان الملا اختر منصور القائد الجديد لطالبان هو الذي كان يدير هذه الحركة ويصدر الأوامر لعناصرها قبل الاعلان عن موت الملا عمر، وتشير بعض التقارير الى أن منصور لعب دوراً كبيراً في فرض شروط على حكومة الوحدة الوطنية في أفغانستان فيما يتعلق بمفاوضات السلام وتغيير الدستور وسحب القوات الأجنبية من البلاد.
وفي الآونة الأخيرة بدأ عناصر طالبان يتساءلون عن الجهة التي كانت تصدر لهم الاوامر لتنفيذ عمليات انتحارية في أفغانستان وعن الهدف من وراء هذه العمليات خلال الفترة التي سبقت الاعلان المفاجئ عن موت الملا عمر، في حين اعتبر آخرون إخفاء موت الأخير لمدة غير معلومة بمثابة خيانة لهم واستهانة بدماء عناصر الحركة التي ضحّت بحياتها ونفذت عمليات انتحارية طيلة تلك الفترة.
وأثيرت في الآونة الأخيرة ايضاً العديد من التساؤلات عن السبب وراء الاعلان المفاجئ عن موت الملا عمر في هذا الوقت بالذات الذي تزامن مع اقتراب موعد إجراء الجولة الثانية من مفاوضات السلام بين طالبان وحكومة الوحدة الوطنية، لاسيما ان هذا الاعلان جاء في وقت ظهرت فيه الكثير من المؤشرات على ان تنظيم (داعش) يسعى بقوة لمد نفوذه في أفغانستان، وهذا ما جعل الكثير من المراقبين يعتقدون بأن باكستان التي تدعم طالبان ليست جادة في السعي لإقرار السلام في أفغانستان ولم يعد يهمها كثيراً بقاء وتماسك هذه الحركة.
في هذه الاثناء ومن أجل اثبات وجودها نفذت طالبان العديد من العمليات الانتحارية في أفغانستان من أجل فرض شروطها في جولة مفاوضات السلام القادمة. وأسهمت هذه العمليات بزيادة التوتر وانعدام الأمن في أفغانستان، ما أدى الى حصول انشقاقات داخل حكومة الوحدة الوطنية في هذا البلد بشأن الطريقة التي يجب أن يتم التعامل من خلالها مع حركة طالبان في المرحلة المقبلة.
فمن جانب قررت الحكومة الأفغانية إرسال وفد رفيع المستوى الى اسلام آباد للتباحث معها بشأن مكافحة الارهاب ومستقبل العلاقات بين البلدين، وهددت من جانب آخر بقطع هذه العلاقات بعد إتهامها لباكستان بإيواء وتدريب العناصر الارهابية ودعمهم لوجستياً لتنفيذ عمليات انتحارية في أفغانستان.
ووجّه الرئيس الأفغاني “أشرف غني أحمد زي” انتقادات شديدة لحكومة اسلام آباد محمِّلاً إيّاها مسؤولية العمليات الارهابية التي تنفذها طالبان في بلاده لاسيما في العاصمة كابول والتي أدت الى مقتل وجرح مئات الاشخاص معظمهم من المدنيين، فيما هدد الرئيس التنفيذي في الحكومة الأفغانية عبدالله عبدالله بملاحقة الارهابيين في داخل الاراضي الباكستانية في حال لم تتخذ اسلام آباد إجراءات عملية لوقف تدفقهم الى داخل أفغانستان. كما إتهم نائب الرئيس الأفغاني الجنرال عبد الرشيد دوستم الحكومة الباكستانية بممارسة الخداع ضد بلاده طيلة العقود الأربعة الماضية، وطالب أيضاً بقطع العلاقات معها.
من هنا يبدو أن الاعلان عن وفاة الملا عمر وانسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، لم يؤثر شيئاً في استراتيجية باكستان تجاه هذا البلد. ورغم التوقعات التي تشير الى احتمال انضمام طالبان لـ”القاعدة” باعتبارها الأقرب لها نفسياً وايديولوجياً، إلا أن حصول انشقاقات داخل طالبان ورفض بعض عناصرها مبايعة الملا منصور يُرجح إن تسير الحركة الى الالتحاق بتشكيلات مسلحة أخرى، ويبدو أن “داعش” هو الأقرب في الوقت الحاضر لأنه يملك التمويل ويسيطر على مناطق واسعة قياساً بـ”القاعدة”. ويتوقع أن من سيخرج من طالبان ويبايع “داعش” هم القيادات الوسطى والمعارضون للزعيم الجديد الملا منصور.
أمام هذه التباينات والتوجهات المتناقضة، يرى المراقبون أن طالبان في طريقها الى التفكك والتشرذم ولن يكون بمقدورها أن تلعب دوراً حاسماً في رسم مستقبل أفغانستان خصوصاً مع احتمال انتشار (داعش) في هذا البلد. وحتى مع فرض بقاء طالبان فإنها لن تحظى بالمشروعية التي كانت تحظى بها في الجولة الاولى من مفاوضات السلام مع الحكومة الأفغانية بسبب فقدان الاجماع في داخلها.
ويذهب اكثر المراقبين الى الاعتقاد بأن هناك أيادٍ خفية تعمل وراء الكواليس على توتير الأوضاع في أفغانستان وإفشال مفاوضات السلام في هذا البلد، خصوصاً بعد إعلان كابول عن حصولها على وثائق دامغة تشير الى تورط باكستان في هذا المجال رغم تأكيد الأخيرة على أن أمن أفغانستان هو جزء من أمنها.
ومع الأخذ بعين الاعتبار الخلافات الموجودة بين طالبان التي لازالت تمثل العقبة الرئيسية امام التوصل الى نتيجة مرضية في مفاوضات السلام، يرى الكثير من المحللين ان الضعف والتصدع الذي أصاب هذه الحركة هو الذي مهّد السبيل لقدوم حركة ارهابية أخرى الى أفغانستان أكثر تشدداً وتطرفاً في اشارة الى (داعش).
وهناك من يعتقد بأن مخابرات الجيش الباكستاني باتت تعتبر طالبان ورقة محروقة ولذلك تسعى الآن للّعب بورقة (داعش) لخدمة الاهداف الاستراتيجية الباكستانية.
في هذا السياق نشرت صحيفة (يو اس اي توداي) مؤخراً تقريراً عن انتشار وثائق لتنظيم (داعش) الإرهابي باللغة الأردية تبين ان هذا التنظيم يفكر بايجاد جبهة ضد الهند ويخطط لمهاجمتها انطلاقاً من باكستان.
وفي حال ثبتت صحة هذه الوثائق فإنها تؤكد بما لايقبل الشك ان اسلام آباد تسعى فعلاً الى استبدال طالبان بـ (داعش) لتحقيق غايات معينة ضمن مخطط مشترك بين باكستان وأمريكا والسعودية يستهدف أفغانستان وربما الدول المجاورة لها.
المصدر – الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق