التحديث الاخير بتاريخ|السبت, ديسمبر 21, 2024

روسيا .. دوامة البحث عن التنمية والأمن 

هناك علاقة معقدة بين التنمية والأمن فلا يمكن الحديث عن وجود تنمية في دولة ما دون وجود الأمن كما ان القوة العسكرية لاتجلب الامن لشعب ما دون وجود التنمية، ويعتبر الاتحاد السوفيتي السابق خير مثال لهذا الأمر وتعاني روسيا في الوقت الحالي ايضا من تخلف تكنولوجي عن الغرب رغم استيراد هذه التكنولوجيا من الغرب في بعض الفترات الزمنية. 

 

وكان النظام الشيوعي السابق في الاتحاد السوفيتي يضع المواطنين في خدمة الدولة التي تهتم فقط بقضية المنافسة الخارجية ولاتهتم بالاوضاع المعيشية للمواطنين ومن ناحية اخرى فشل الاتحاد السوفياتي في تحقيق اهدافه المعلنة في التنمية لأن التكنولوجيا المستخدمة في البلاد كانت مستوردة وفي المقابل كانت الدول الغربية تستمر في تنميتها وتطورها لان تكنولوجياتها كانت محلية وحينها عجز السوفيت عن مجاراة الغرب وحصل الانهيار لنظامهم. 

 

وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي ايضا لم تجد سياسات الخصخصة وتحرير الاقتصاد نفعا فبعد عشر سنوات من تنفيذ هذه السياسة واجهت روسيا كارثة حقيقية تمثلت بانتشار الحروب الداخلية والفوضى الاجتماعية وفشل سياسي واذلال دولي، ومع مجيء فلاديمير بوتين الى الحكم اراد هذا الرئيس تنفيذ سياسة الرأسمالية الحكومية أو “حكومة التنمية” التي تتشكل من الاستقرار في القيادة والنظم في المجتمع والتنمية الاقتصادية، وقد اهتم بوتين بأجهزة المخابرات واعادة بناء الجيش وقمع الانفصاليين كما اتخذ بوتين وانصاره سياسة خارجية اكثر استقلالا واستفادت حكومة بوتين من زيادة الايرادات النفطية لايجاد حد أدنى من الرفاهية واصبح المستوى المعيشي في روسيا مستوى متوسطا ولاينفك بوتين يؤكد ان روسيا تتبع اسلوبا فريدا في التنمية يخصها وحدها.  

 

لكن نهج بوتين في التنمية بات يواجه تحديات جمة الآن فهذا النهج الذي تسبب بتحسين المستوى المعيشي في روسيا له نقاط ضعف استفاد منه الغرب عندما اراد فرض العقوبات على روسيا على خلفية الأزمة الاوكرانية وسبب وجود نقاط الضعف هذه هو الخطأ التاريخي للروس في استيراد التكنولوجيا من الغرب الذي يسعى ايضا الى تهديد أمن روسيا ليواجه هذا البلد دوما التهديدات في التنمية والأمن. 

  

ان العقوبات التي كان الغرب يفرضها على الاتحاد السوفياتي بقيت سارية المفعول حتى عام ٢٠١٢ وفي عام ٢٠١٤ تم فرض عقوبات غربية جديدة على روسيا وكأن الغرب يدرك بأن روسيا تريد الآن استيراد الموجة الجديدة من التكنولوجيا الغربية ولذلك يريد منع موسكو من تحقيق ذلك. 

 

ان مشكلة روسيا هي انها تريد ان تبقى لاعبا دوليا مستقلا لكنها من جهة أخرى بحاجة الى التكنولوجيا ولاتريد بيع استقلالها ازاء هذه التكنولوجيا أما الغرب فيريد القضاء على استقلال روسيا مقابل اعطائها التكنولوجيا واخذ الامتيازات الاستراتيجية من موسكو ولذلك يمكن القول ان نهج بوتين في التنمية لن يكون ناجحا دون وجود التكنولوجيا الغربية وهذه تعتبر مشكلة كبيرة. 

 

وهناك من يعتبر روسيا قوة عظمى في العالم الثالث وهذا صحيح لأن روسيا تعتمد على تصدير مصادر الطاقة مثل النفط الخام والغاز اللذين يشكلان ٧٠ بالمئة من صادرات روسيا وهذا من خصائص دول العالم الثالث، ان اقتصادا يعتمد على صادرات النفط الخام والغاز ويعاني من الفساد ويتعرض للعقوبات والضغط الدولي لمنع الاستثمارات الاجنبية يعتبر اقتصادا ضعيفا وان بوتين بات يسعى الآن للتفاوض مع الغرب للحد من فرض عقوبات اضافية على بلاده كما انه يحاول تطوير علاقات روسيا الاقتصادية مع الدول الشرقية مثل الصين والهند وايران وغيرها لتخفيف الضغط الاقتصادي على بلاده.  

 

ولاينفك بوتين وفريقه الحكومي يقولون بأن روسيا لها نهجها الخاص ومصيرها الخاص بها وهم يقصدون النهج السياسي لبلادهم لكن رغم ذلك يبدو ان المسؤولين الحكوميين في روسيا قد تقبلوا نهج التنمية الغربي وهذا ما يفرض على روسيا تحدي الاختيار بين التنمية أو الأمن، لكن التجربة التاريخية الروسية ليست مشجعة كما يبدو في التخلص من هذه الدوامة.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق