التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

مستقبل الأزمة الأوكرانية وإمكانية الحل 

 مرت فترة طويلة ولايزال موضوع الأزمة الأوكرانية يحتل عناوين الصحف والإذاعات، كما لا تزال الاجتماعات والمؤتمرات السياسية تتداول هذا الموضوع، ويدرك الجميع أن حل الأزمة الأوكرانية ليس بالأمر الهين، ولا يزال الطريق طويلاً أمام السياسيين للتوصل إلى الحل، كما لاتزال الدولة الأوكرانية أمام العديد من التحديات والمخاطر وخاصةً أن للأزمة الأوكرانية أبعاداً أربعة، فبالإضافة إلى كونها مشكلة سياسية داخلية بين الأحزاب الأوكرانية، هناك ثلاثة أبعادٍ أُخر ذات طابعٍ دولي، البعد الأول يتعلق بمحور روسيا أوكرانيا، والثاني بمحور روسيا أوروبا، والثالث والأكثر شمولية يرتبط بالعلاقات الروسية الغربية بشكل عام.

 

في كل مرحلة من مراحل الأزمة الأوكرانية كان بمقدور الأطراف الدولية التوصل إلى حل لتهدئة الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في أوكرانيا، ولكن للأسف هذا ما لم يحصل، بل وأصبحت الأزمة الأوكرانية منعطفاً أدخل موسكو في خلافٍ مع الدول الغربية حول السياسة العالمية والمستقبل السياسي للعالم، ورغم هذا فإن المشكلة ليست في ما مضى، فالمشكلة تكمن في المستقبل، فهل هناك فرصة لإجماع الدول المعنية على حلٍ يرضي الجميع؟ وهل يمكن أن تتقارب وجهات النظر بين روسيا والغرب؟ وإلى أي حدٍ يمكن للأطراف الدولية أن تؤثر على حل الأزمة الأوكرانية والتي هي أزمة داخلية بالدرجة الأولى؟ 

 

معظم المحللين السياسيين الروس والغربيين يعتبرون أن الأسئلة السابقة مجرد أمنيات، ولا سبيل لتحققها، فمن وجهة نظرهم أن التقابل بين الغرب والشرق أوسع من الأزمة الأوكرانية، والروابط الغربية الشرقية ستتعرض لانهيارات غير قابلة للترميم، وفي أحسن الأحوال سيتم التوافق على أمور تكتيكية بسيطة لا تؤثر على المعادلات السياسية الإقليمية والدولية، ورغم هذه النظرة التي يمتلكها معظم سياسيي العالم إلا أنه يجب التجهز للمناقشات السياسية التي ستستمر لسنوات طويلة، فالاستسلام لتبعات الأزمة الأوكرانية ليس بالأمر الصائب، وخاصةً أن تجربة النجاح في التوافق في الملف النووي الإيراني لا تزال تلمع في الأفق.

 

التوافق الذي حصل بين طهران والدول الست حول الملف النووي الإيراني يمثل انعطافاً هاماً في السياسة الدولية، وفي حال لم يتعرض هذا الاتفاق إلى المؤامرات والطعن، سيشكل إضافة إلى دوره في تنظيم برنامج إيران النووي، نقطة ارتكازٍ لمنع انتشار السلاح النووي في العالم، ومحاربة التيارات التكفيرية في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تأثيره على العديد من الملفات والقضايا الأخرى، وعلى الرغم من أن هذا التوافق حصل نتيجة شروطٍ وأرضيات منقطعة النظير ولا يمكن تطبيقها على ملفاتٍ أخرى، إلا أن هذه المفاوضات نجحت في الوصول إلى تفاهم رغم وجود الخلافات بين الغرب وروسيا، مسجلةً أن الاختلاف لا يعني عدم التوافق.

 

واستطاع المشاركون في المفاوضات الإيرانية وضع الخلافات غير المرتبطة بالملف النووي جانباً، وهذا ما شكل الأرضية الأولى للتوصل إلى الحل، وانطلاقاً من هذه المفاوضات يمكن القول إن التفاهم يحتاج إلى عدة عوامل أبرزها: الرغبة الجدية، والشفافية، وسعي المفاوضين الدؤوب للحل، والاستمرار في المفاوضات دون يأس، وبهذه العوامل يمكن التوصل إلى اتفاقٍ في أعقد الظروف الدولية.

 

ويعود سبب فشل مفاوضات “مينسك” الأوكرانية في حل النزاع إلى أن بعض المشاركين في هذه المفاوضات لم يبدِ رغبةً كبيرة في التوافق، بالإضافة إلى أن المتفاوضين لم يحاولوا التوصل إلى حل يضمن مصالح الجميع، ناهيك عن أن الحرب الإعلامية بين الغرب وروسيا لم تتوقف ولو للحظة خلال المفاوضات، كما أن أوكرانيا تعاني غياباً للتيارات السياسية القادرة على قيادة وتنفيذ مشاريع لإخراج البلاد من الأزمة، وهذا الفراغ تصنعه الدول الغربية، بعضها بشكل متعمد وبعضها الآخر غفلةً نتيجة السياسات الخاطئة التي تتبعها، وكل هذا يوجب تعقيد الأزمة وإخراجها عن سكة الحل، وهذا ما بات يهدد بجدية الدولة الأوكرانية.

 

في النهاية يمكن التأكيد على أن الحل ممكن ولكن شريطة الارتقاء بمستوى التعاون بين اللاعبين الدوليين، وهذا يعتمد على مدى فاعلية آليات التفاوض، وعلى طبيعة المسائل التي يتم بحثها، بالإضافة إلى تركيبة الفرق المفاوضة، وفي حال تم عقد مفاوضات مؤهلة لرسم خارطة الحل ستبقى الشكوك حول إمكانية التفاهم قائمة، وخاصةً أن التنبؤات تشير إلى أن المنطقة ستشهد في المستقبل القريب ظروفاً صعبة، ولكن رغم هذا يجب أن نتذكر أن شكوكاً مشابهة كانت قائمة خلال مفاوضات ملف إيران النووي، ورغم هذا تم التوافق في النهاية، فهل يمكن بعد الآن التشكيك في إمكانية التوصل إلى حل!؟ 

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق