كيف يستخدم أردوغان الورقة الكردية لتحقيق إنتصارٍ إنتخابيٍ على حساب الإستقرار الداخلي؟
بمجرد قراءة الواقع السياسي الحالي لأنقرة، يمكن القول أن تركيا انتقلت من مرحلة “صفر مشكلات” التي حاول إرساءها أردوغان ونظامه الحاكم منذ سنوات، إلى مرحلة صفر إنجازات، يمكن وصفها بالنفق الذي تسير فيه تركيا نحو المجهول. فعلى الرغم من أن ركائز النظام العلماني السياسي في تركيا، أرسى معالمها مصطفى أتاتورك، إلاَّ أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ما يزال يسعى لإرساء نظامٍ سياسيٍ جديد إسلامي الطابع لكنه سلطوي المضمون، محاولاً تأسيس ركيزةٍ لمصالحه بين قوى الحكم الموالية له وقوى المعارضة الحالية. لكن نتائج الإنتخابات التي حصلت مؤخراً منعت أردوغان من إكمال مشاريعه التفرُّدية، بعد أن دخلت أحزاب المعارضة بقوة في الحياة السياسية، الى جانب أن الظروف الإقليمية أسقطت العديد من حسابات أردوغان لا سيما قضية الأكراد ومسألة الصراع مع الإرهاب. فيما تعيش تركيا حالةً من الفوضى اليوم، تبقى مسألة التحدي التركي في مواجهة مسألة الأكراد، أحد المسائل التي تتصدر الساحة التركية. لكن مجريات الأحداث السياسية والتي شهدتها تركيا خلال سنوات، تُعتبر الأسباب الحقيقية وراء وصول الأمور الى ما نشهده اليوم. فكيف يمكن إيضاح ذلك من خلال تحليل التاريخ السياسي الجديد لتركيا؟
إن تحليل المشهد السياسي يحتاج لإستعراض الواقع الذي تعيشه تركيا منذ سنوات، وهو ما لا يمكن فصله عن الأزمة مع الأكراد. وهنا نقول التالي:
– منذ أن وصل أردوغان الى السلطة في عام ٢٠٠٢، عمل على تعطيل نفوذ المؤسسة العسكرية السياسي، والتي كانت أساس الإستقرار في تركيا. ثم همَّش القضاء وقيَّد الإعلام، مستهدفاً خصومه كما الحلفاء. وهو ما ساهم في تأجيج حالة الشرخ في المجتمع التركي لا سيما مع الطرفين العلوي والكردي. فالنظام الحاكم في تركيا طلب مراراً من حزب العمال الكردستاني ترك السلاح والإندماج في الدولة، لكن حزب العمال كان دائماً يسعى للإستقلال والإنفصال. وهنا بعيداً عن الوقوف مع طرفٍ ضد آخر، لكن سياسات أردوغان الداخلية لم تشجع أياً من الأطراف السياسية المعارضة له غير الأكراد، على التعاون معه فكيف بالأكراد الذين تعتبر المشكلة معهم جذرية. وهو ما يؤدي تكراراً الى حدوث توترٍ دائم بين السلطة والطرف الكردي.
-أما على الصعيد السياسي المرتبط بالإقليم، فمنذ بداية الأزمة السورية والتي شكلت منعطفاً في التاريخ السياسي للمنطقة، دعم أردوغان ما سُمي بالمعارضة السورية واحتضن مؤتمراتها ليجعل الساحة التركية عضواً أساسياً في الأزمة السورية الداخلية. ولم يكتف النظام الحاكم في تركيا بذلك، بل جعل حدوده بوابةً لدخول المتطرفين الى سوريا. مضى أردوغان في مشروعه داعماً التكفيريين، دون الأخذ بعين الإعتبار إمكانية إرتداد ذلك على الأمن والسلم التركيين. ومؤخراً سعى لإنشاء منطقة آمنة على الحدود التركية ـ السورية، لعله يجد لنفسه فرصةَ في فرض تدخلٍ عسكري تركي في سوريا، وهو لم ينجح أردوغان به نتيجة رفض الغرب وموسكو الى جانب معارضة إيران مع الأخذ بعين الإعتبار الفارق في أسباب معارضة هذه الأطراف.
-من ناحية العلاقة مع الغرب، فقد تأزمت علاقات أنقرة مع الحلف الأطلسي وأمريكا وتراجعت إمكانية انضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي في وقتٍ يعتبر فيه المراقبون أن العقلية التي يُدير بها أردوغان الملفات تعتبر السبب الأساسي في ذلك وبالتحديد فيما يخص مسألة العلاقات السياسية الخارجية وملف محاربة الإرهاب.
-ومؤخراً، حرمت الإنتخابات الديموقراطية التي شهدتها تركيا أردوغان وحزبه من الأكثرية التي يحتاجها لفرض تعديلٍ للدستور يقضي بترسيخ واقع الحكم الرئاسي، وهو ما لطالما رفضه الداخل التركي. في وقتٍ أكد فيه المحللون للشأن التركي أن حزب الشعوب الديموقراطي المدعوم من الأكراد، يُعتبر السبب الأساسي في الإنتكاسة التي حلت بحزب العدالة والتنمية في الإنتخابات. وهو الأمر الذي أدى الى فقدان حزب العدالة والتنمية الثقة مطلقاً بحزب الشعوب الديمقراطي. فالحساسيات التركية الكردية طويلة العهد، وتعود لمنذ أن بدأ حزب العمال الكردستاني عملياته العسكرية ضد تركيا عام ١٩٨٤، وبعد ٣١ عاماً، ما تزال المسألة الكردية دون حل. وهو ما أدى الى ظهور الحالة الجديدة في سوريا، والتي تتمثّل في الإصرار على إنشاء دولة في الشمال السوري، بالإضافة إلى إصرار حزب العمال الكردستاني على عدم ترك السلاح، وفرضه شروطا خاصة على مسألة السلام في تركيا.
-لكن أردوغان الساعي الى نيل الأكثرية، أخذ يدعم اليوم إجراء إنتخابات مبكرة بعد فشله في تشكيل حكومة موالية له، لعله ينال الأكثرية المطلوبة لتعديل الدستور واعتماد نظام حكم رئاسي. وهو ما جعله يحاول جلب التأييد من اليمين القومي، من خلال قيامه بإستهدف أكراد سوريا تحت حجة التصدي لتنظيم داعش الإرهابي، مما اعتبره الأكراد إعلان حربٍ عليهم.
إذن يسعى أردوغان لتحقيق إنتصارٍ إنتخابيٍ قد يكون على حساب الإستقرار الداخلي التركي. وهو الأمر الذي يبدو جلياً من خلال سياسة حزب العدالة والتنمية. فالجموح لترسيخ حكمٍ رئاسيٍ سلطوي ما يزال حلماً يراود أردوغان. لكن الأمور اليوم أصبحت كالمقامرة بالورقة الأخيرة. فالهزيمة في الرهان أو خسارة الحسابات هذه المرة لن تكون كسابقاتها. في وقتٍ يبدو أن الأمور تتجه فيه الى التوتر في الوضع التركي. في ظل إصرارٍ كرديٍ على تحقيق الحلم التاريخي. حلمٌ يبدو أن سياسات أردوغان التقسيمية، أمنت الأرضية له، في وقتٍ تبقى فيه الأيام المقبلة هي الحكم.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق