التغيير في الموقف العربي من بقاء الرئيس الأسد
اتسمت الأزمة السورية بصعوبتها وتعقيدها فمنذ أكثر من أربع سنوات وما يزال باب الصراع مفتوحاً على مصراعيه، إذ لاتلبث أن تهدأ فوهات البنادق حيناً فيعلو فوقها صوت المدافع والهاون والرشاشات، صراعٌ حاول الكثيرون تهدئته بإطلاق المبادرات ووضع الحلول والسعي الى التقريب بين وجهات النظر إلا أن جميع هذه المبادرات كانت تواجه المصير نفسه وهو الفشل لجهة عدم نضوج الحل السياسي السلمي في سوريا ولانعدام التقارب بين أي من الأطراف المتصارعة والداعمة لها.
العامل العربي كان ومايزال رأس الحربة في الأزمة السورية الى يومنا هذا، حيث لعبت قطر الدور الرئيسي في بداية الأزمة السورية من تمويل وحشد شعبي ودعم لوجستي وإعلامي إلى أن تم تنازل قطر عن دورها هذا لصالح السعودية التي أيضاً لم توفر جهداً في سعيها الحثيث الى إسقاط نظام الحكم في سوريا المتمثل بالرئيس بشار الأسد.
وشكلت الدول العربية وبالأخص بعض الدول الخليجية العامل الأهم لجهة استمرار الحرب في سوريا لما لها من أهمية في تقديم الدعم المالي والعسكري واللوجستي بالإضافة الى برامج التجنيد ومعسكرات التدريب التي تقوم بها بعض الدول كالسعودية والأردن لجلب مقاتلين أجانب وتدريبهم وإشراكهم في الحرب السورية لمقاتلة النظام السوري بذريعة الجهاد. هذا التدخل الكبير والواضح والعلني من قبل بعض الدول في المنطقة كالسعودية وقطر والإمارات والأردن وتركيا أدى الى إيجاد قطيعة تامة بينها وبين النظام السوري، واختلاف أهداف كل من هذه الدول أدى الى انعدام الآفاق المشتركة التي يمكن البناء عليها في صياغة حل يتم بموافقة الجميع.
اليوم وبعد كل ما مضى نجد بأن فقدان الأمل من جدوى استمرار الحرب السورية أدى الى تغيير نسبي في موقف بعض الأطراف لجهة إيجاد حل في سوريا يجنب هذا البلد المزيد من الدمار ويساعد على الوقوف في وجه التطرف والتمدد الإرهابي المتمثل بتنظيم داعش، فبقاء الأسد في المرحلة الراهنة يضمن عدم تقسيم سوريا وتفتتها، إذ تأتي الزيارة الثلاثية لكل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك عبد الله ملك الأردن وولي عهد أبو ظبي الى موسكو أكبر دليل على وجود تغير في استراتيجية بعض الدول العربية من نظام الرئيس السوري بشار الأسد، حيث تسعى الإمارات الى تشكيل حلف يضم الأردن ومصر لإقناع السعودية بقبولها بقاء الأسد في المرحلة الراهنة إذ يعتقدون بأن الأولوية في المرحلة الراهنة هي لمحاربة الإرهاب المتجلي بتنظيم داعش والذي أصبح يهدد دول المنطقة بأكملها.
فما هي الأسباب التي أدت الى التغيير في استراتيجية بعض الدول العربية بالنسبة لبقاء الأسد؟
أولاً: اليأس من إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد عسكرياً رغم كل الأموال التي وظفتها السعودية وقطر لإسقاطه والعمل على تجنيد مسلحين من دول عدة وتدريبهم وإرسالهم الى سوريا عبر البوابة التركية، كل هذا لم يستطع أن يشكل خطورة على النظام في دمشق مادام الجيش متماسكاً وإدارات الدولة تمارس مهامها المعتادة بالإضافة الى عدم قدرة المسلحين السيطرة على مراكز هامة وحيوية داخل الأراضي السورية.
ثانياً: ازدياد خطر التكفيريين الذين أصبحوا يهددون دول الجوار كالأردن ومصر ولبنان وخروجهم عن سيطرة الدول التي كانت ترعاهم وتمولهم كالسعودية وقطر الى جانب سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مساحات واسعة من الجغرافيا السورية والعراقية والازدياد الهائل في إمكاناته وسيطرته على معدات عسكرية متطورة الى جانب الأعداد الكبيرة من المقاتلين الذين يلتحقون به يومياً، هذا ما أقلق فعلاً كلاً من مصر والأردن والإمارات الى جانب بعض الدول الخليجية الأخرى التي تريد حلاً سلمياً في سوريا.
ثالثاً: نجاح استراتيجية المقاومة في التصدي للإرهاب ومحاربته على أرض الواقع إذ أن القوة الوحيدة التي تقف في وجه تنظيمي داعش وجبهة النصرة الإرهابيين هو الجيش السوري والمقاومة اللبنانية وأن ما يسمى بالتحالف الدولي ليس إلا عرض عضلات على شاشات التلفزة وفي المؤتمرات الصحفية.
إن الازدحام على أبواب الكرملين والزيارات المكوكية لبعض الرؤساء والمسؤولين العرب يوحي بأن شيئاً ما يطبخ خلف الكواليس وأن الراعي الرسمي له هو موسكو وبمباركة من الإدارة الأمريكية لإيجاد حل سياسي في سوريا بما يتفق مع وثيقة السلام التى أصدرها مجلس الأمن بإجماع كافة أعضائه.
قطار الحل في سوريا بدأ بالتحرك فعلاً والدول العربية المتهافتة الى موسكو تسعى لحجز تذكرة تمكنها من صعود القطار قبل وصوله الى المحطة الأخيرة، والإشارات التي صدرت مؤخراً من بعض الأطراف العربية لجهة تقاربها مع النظام السوري والإشارات التي أرسل بها الرئيس السوري الى بعض الدول العربية وعلى رأسها مصر في لقائه الأخير مع قناة المنار هي أكبر دليل أيضاً على أن الحل في سوريا بدأ يقترب من التشكيل وأن الأطراف التي كانت تسعى الى إسقاط النظام السوري لم تعد كذلك ولم يعد لديها مشكلة في بقاء الرئيس السوري بل وأكثر من ذلك فهي تسعى الى تغيير رأي السعودية المتعنت بالنسبة للأسد وقبول مشاركته في الحلف الذي تسعى موسكو لتشكيله من أجل محاربة الإرهاب والتصدي لتنظيم داعش الإرهابي.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق