التحديث الاخير بتاريخ|السبت, يوليو 6, 2024

كيف تنظر ايران الى أزمة انقرة مع حزب العمال الكردستاني؟ 

بعد العمليات الانتحارية التي نفذها تنظيم (داعش) الارهابي في تركيا ومن بينها العملية التي استهدفت مدينة سوروج ذات الاغلبية الكردية، اتهم حزب العمال الكردستاني الحكومة التركية بالتواطؤ مع (داعش) في تنفيذ هذه الهجمات، ما دفعه الى شن هجمات ضد الاجهزة الأمنية التركية اسفرت عن مقتل وجرح عدد من الاشخاص. 

 

وفي مقابل ذلك قامت السلطات التركية بإنهاء مفاوضات السلام مع حزب العمال الكردستاني ومهاجمة مقراته في داخل الاراضي التركية وفي شمال العراق. كما قام حزب العمال بتنفيذ هجومين ارهابيين ضد قطارين كانا في طريقهما بين طهران وأنقرة. 

 

والتساؤل الذي يتبادر الى الذهن: لماذا قامت السلطات التركية بمهاجمة حزب العمال الكردستاني وتنظيم (داعش) في هذا الوقت بالذات؟ ولماذا قام حزب العمال بمهاجمة القطارات بين انقرة وطهران؟! وما هي التداعيات الأمنية والسياسية التي ستتركها هذه الهجمات على علاقات تركيا مع ايران؟

 

للاجابة عن هذه التساؤلات لابد من الاشارة الى أن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا والذي يتزعمه رئيس الجمهورية رجب طيب اردوغان ينتهج – حسب اعتقاد المراقبين – سياسة مليئة بالتناقضات تسببت بخلق متاعب وتحديات كثيرة لهذا البلد خلال السنوات الماضية على الصعيدين الداخلي والخارجي، خصوصاً فيما يتعلق بالأزمة السورية والاوضاع في العراق والعلاقة بين أنقرة وتل أبيب وكيفية التعاطي مع الجماعات الارهابية والتكفيرية والصحوة الاسلامية في المنطقة. 

 

فخلال السنوات الاربع الماضية سعت تركيا الى اسقاط نظام الرئيس السوري بشار الاسد من خلال دعم الجماعات الارهابية لاسيما تنظيم (داعش) بالتنسيق مع أمريكا وبعض الدول الاقليمية وفي مقدمتها قطر والسعودية، لكنها باءت بالفشل ولم تتمكن من تحقيق هدفها وانقلب السحر على الساحر. فبدلاً من اسقاط نظام الرئيس الاسد أخذت الجماعات الارهابية تهاجم أهدافاً عسكرية ومدنية داخل الاراضي التركية خصوصاً في المدن ذات الاغلبية الكردية، وهو ما أثار غضب حزب العمال الكردستاني الذي قام بدوره بشن هجمات على أهداف تركية هددت الأمن والاستقرار في هذا البلد.

 

وتزامنت هذه الاحداث مع الهزيمة السياسية التي مني بها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية التي شهدتها تركيا قبل نحو شهرين والتي أدت الى خسارة هذا الحزب للاغلبية المطلقة داخل البرلمان. 

 

كما تزامنت هذه الاحداث مع توقيع الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة (٥+١) والذي يُعتقد أنه سيترك أثراً كبيراً على العلاقات بين ايران ودول الجوار ومن بينها تركيا في مختلف المجالات لاسيما السياسية والاقتصادية. 

 

من هنا يبدو أن القيادة التركية باتت اليوم أمام مفترق طرق ولابد لها من حسم أمرها في اتخاذ قرارات مصيرية على الصعيدين الداخلي والخارجي لايجاد تسوية سلمية لمشكلتها مع المكون الكردي من جانب، واعادة النظر في سياساتها تجاه دول المنطقة من جانب آخر، والكف عن دعم الجماعات الارهابية التي تستهدف الأمن والاستقرار في هذه الدول لاسيما سوريا والعراق من جانب ثالث. 

 

ولابد أيضاً لحزب العدالة والتنمية من التعامل بواقعية مع ما افرزته الانتخابات البرلمانية الاخيرة التي اظهرت فوز الحزب الديمقراطي الشعبي الذي يدافع عن المكون الكردي بـ ٨٠ مقعداً في البرلمان، وهي المرة الاولى التي يحقق فيها هذا الحزب مثل هذا الفوز، وهذا الأمر دون أدنى شك من شأنه أن يعيق مساعي حزب العدالة والتنمية الرامية الى تغيير الدستور وتوسيع نطاق صلاحيات رئيس الجمهورية.

 

ويعتقد بعض المراقبين ان حزب العدالة والتنمية يسعى الآن الى منع ممثلي الأكراد من حضور جلسات البرلمان بحجة وجود حرب بين انقرة وحزب العمال الكردستاني كي يتمكن من تحقيق الاغلبية من جديد في البرلمان وبالتالي تمرير مشاريع القوانين التي تمكنه من تغيير الدستور وتوسيع نطاق صلاحيات رئيس الجمهورية.

 

ومن المؤكد ان ما يحصل الآن في تركيا من تغييرات أمنية وسياسية سينعكس حتماً بشكل أو بآخر على الاوضاع السياسية والأمنية في عموم المنطقة بسبب تدخل انقرة في شؤون الدول المجاورة كما أسلفنا لاسيما في العراق وسوريا.

 

ويبدو كذلك أن من مصلحة جميع دول المنطقة ومن بينها تركيا أن تتّحد فيما بينها لمواجهة خطر الجماعات الارهابية لأن هذا الخطر لايمكن أن يقتصر على دول بعينها دون غيرها بسبب النزعة التوسعية لهذه الجماعات خصوصا تنظيم (داعش) الارهابي.

 

وهنا لابد من التأكيد على ضرورة تحلي أكراد تركيا باليقظة والحذر وعدم الانجرار وراء الاهداف التي تسعى لتحقيقها بعض الاحزاب وفي مقدمتها حزب العمال الكردستاني بحجة الدفاع عن الاكراد. 

 

وأما فيما يتعلق بإيران فمن المؤكد أن طهران لاتتعاطى مع الاحداث والتطورات التي تشهدها المنطقة بإنفعال ولاتتخذ مواقفها نتيجة حدث معين أو رغبة معينة؛ بل تتسم مواقفها بالعمق الاستراتيجي الذي يمكن من خلاله تحديد الموقف المطلوب ازاء هذه الاحداث. 

 

فطهران تعتقد أن الأزمة بين الاكراد وحزب العدالة والتنمية في تركيا هي شأن داخلي ولابد من تسويته من خلال المفاوضات، وترى أيضاً ضرورة تطويق هذه الأزمة وعدم السماح بتمددها الى دول الجوار (العراق وسوريا) التي يعيش فيها الاكراد أيضاً بنسب متفاوتة. 

 

وتحتفظ ايران بعلاقات طيبة مع الاكراد في تركيا وسوريا والعراق وتؤكد دائماً على أهمية حل النزاعات بين الكرد وحكومات الدول المذكورة بالطرق السلمية لتعزيز الأمن والاستقرار في عموم المنطقة. 

 

كما تدين ايران العمليات الارهابية مهما كان مصدرها وتؤكد في الوقت نفسه على ضرورة احترام حقوق القوميات والاقليات التي تعيش ضمن حدود دول المنطقة. كما تحذر من مغبة اندلاع حروب بين هذه الدول على خلفية النزاعات القومية والعرقية، وتشدد على ضرورة توظيف طاقات وقدرات جميع دول المنطقة لمواجهة الارهاب الذي بات يهدد أمن واستقرار هذه الدول بما فيها الدول المتهمة بدعم الجماعات الارهابية وفي مقدمتها تركيا والسعودية.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق