خلق الفوضى في الشرق الاوسط .. سياسة امريكية يجب التصدي لها
تشهد منطقة الشرق الاوسط منذ ان سماها الغرب بهذا الاسم وقوع حروب تشكل أحلافاً وحالات تنافس أو صداقات، وقد حاولت كافة القوى العظمى التواجد في الشرق الاوسط وادارة دفتها السياسية والاقتصادية وان معظم التغييرات التي شهدتها هذه المنطقة كانت بسبب هذه المصالح السياسية والاقتصادية، ولم تكن امريكا مستثنية عن هذه القاعدة ويحظى الشرق الاوسط بأهمية خاصة لدى الامريكيين لسببين اولهما وجود القسم الاكبر من العالم الاسلامي والاسلام السياسي الذي يعتبر منافسا ايديولوجيا للحضارة الغربية في الشرق الاوسط وثانيهما وجود القسم الاكبر من مخزون النفط والغاز العالمي في هذه المنطقة.
ان اهم قضية لامريكا في الشرق الاوسط قبل انتصار الثورة الاسلامية في ايران كانت استغلال النفط والغاز الموجودين في غرب آسيا لكن انتصار هذه الثورة ونمو الاسلام السياسي في هذه المنطقة زاد من قلق الامريكيين بشأن ظهور منافس ايديولوجي، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي اختار الامريكيون ايجاد نظام عالمي جديد كما يحلو لهم وان اول خطوة في سبيل تحقيق ذلك كان التواجد في غرب آسيا وقد حضر الامريكيون الى المنطقة بقوة في عام ١٩٩١ بعد تحرير الكويت ومن ثم زاد الامريكيون من تواجدهم هنا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١ عندما احتلوا افغانستان ثم قاموا بغزو العراق في عام ٢٠٠٣ دون أخذ اذن من الامم المتحدة لكن الامريكيين ارغموا على ترك العراق بعد تحمل خسائر كبيرة فيه.
امريكا والاستدارة نحو الشرق
اختارت امريكا في الآونة الاخيرة ان تصب اهتمامها نحو شرق آسيا والمحيط الهادئ لاحتواء القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية المتنامية للصين وهذه السياسة تسمى في امريكا الاستدارة نحو الشرق والهدف من هذه السياسة هو فرض تفوق امريكا على باقي القوى والاطراف في آسيا كما ان امريكا تضع عينها ايضا على روسيا التي يتخذ رئيسها فلاديمير بوتين سياسات لاتصب في صالح الطموحات الامريكية لكن السؤال المطروح هنا هل ان امريكا باتت تريد ترك منطقة الشرق الاوسط الهامة وشأنها؟
صحيح ان امريكا باتت اليوم لاتعتمد على مصادر النفط والغاز في الخارج حيث اصبحت هي اكبر منتج للنفط والغاز في العالم لكن الشرق الاوسط لاتكتسب اهميتها من النفط والغاز فقط بل انها حلقة الوصل بين ٣ قارات وهي البيئة المحتضنة للاسلام السياسي وهناك مسألة أمن الكيان الإسرائيلي الذي يتكفل الغرب به كما ان ايران باتت هي القوة الكبرى في هذه المنطقة ولذلك يجب القول ان قيام باراك اوباما بتغيير بوصلة السياسة الامريكية نحو الشرق لايعني تخلي امريكا والغرب عن النشاط في الشرق الاوسط بل ان هناك بعض المحللين الذين يعتقدون بأن امريكا ستزيد من محاولاتها للاحتفاظ بنفوذها في هذه المنطقة وتعزيز هذا النفوذ في المرحلة المقبلة.
ان امريكا لاتريد ترك هذه المنطقة لمنافسها خاصة بعد ان علم الجميع بقدرة ايران على ادارة الشرق الاوسط ولذلك نرى ان امريكا التي فشلت في ايجاد نظام امريكي في هذه المنطقة باتت تعمل الان على نشر الفوضى فيها وتدعم الاضطرابات التي تحدث فيها.
وخلال المفاوضات النووية التي جرت بين ايران والغرب اتضح ان امريكا تريد التطرق لمواضيع اخرى مثل قدرات ايران الصاروخية ودعم ايران للتيارات المقاومة في المنطقة والتطورات الجارية في اليمن وسوريا وكل ذلك من اجل احتواء ايران وجعلها تحت السيطرة وضمها الى “القرية العالمية” لكن قد ثبت للجميع بان ايران افشلت المساعي الامريكية حيث لم تستطع امريكا ان تفرض على ايران اتفاقا يحد من قدراتها ولذلك يعمد الامريكيون الان الى رفع تكلفة تمسك ايران بمبادئها وهذا ما يفسر سعي الامريكيين الى اشاعة الفوضى في المنطقة بشكل طويل الأمد وخلق صراعات طائفية تستنزف قدرات كل الدول الاسلامية.
ووسط هذه الاوضاع الخطيرة التي تمر بها منطقة الشرق الاوسط الان يعتبر من واجب كل المسلمين ان يتجنبوا الخوض في الصراعات الطائفية والمذهبية وذلك لقطع الطريق امام نفوذ امريكا وتنفيذ مخططاتها، ان المسلمين يجب ان يغتنموا الان فرصة استدارة امريكا مرغمة نحو الشرق من اجل وضع الشرق الاوسط في مدار الاسلام الحقيقي ولايمكن بعد الآن تبرير تغافل المسلمين عن التصدي للمخططات الامريكية التي تشبه المخططات البريطانية السابقة في الايقاع بين المسلمين.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق