التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

السعودية تعيش المأزق التاريخي: بين إفلاسٍ سياسي وفقدان ضمانات الحليف الأمريكي 

بعد فشلها في حربها على اليمن ودخولها في مستنقعٍ من الأزمات المتعددة، تعيش السعودية حالةً من الإرتباك السياسي. فالحسابات الخاطئة كانت طابعها الغالب في السنوات الأخيرة، تحديداً مع بداية ما سُمي بالربيع العربي. وسرعان ما دفعت السعودية ثمن خياراتها، لتجد نفسها ضمن رعاية أمريكا حيناً، وورقةً من أوراقها حيناً آخر. أما اليوم، وبعد خسارة السعودية على كافة الأصعدة، تعود الرياض الى واشنطن لعلها تجد ما تبحث عنه من أسئلةٍ حول الإتفاق النووي مع طهران. أو لعلها تستطيع إيجاد مخرجٍ لأزماتها المتكررة لا سيما على الصعيدين السياسي والدبلوماسي. فماذا في زيارة الملك السعودي المرتقبة الى واشنطن؟ وما هي دلالاتها الإستراتيجية؟ وهل يمكن لواشنطن تقديم ضمانات؟!! 

 

أولاً: تقرير حول الزيارة:

أعلن البيت الأبيض الخميس المنصرم، أن الرئيس باراك أوباما سيستقبل الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في ٤ أيلول المقبل، في زيارة إلى واشنطن هي الأولى له منذ توليه عرش السعودية بعد أن كان البيت الأبيض قد قال الأربعاء الماضي إنه “لا يستطيع تأكيد الأنباء حول زيارة العاهل السعودي إلى واشنطن”. ويأتي الإعلان عن هذه الزيارة بعد مرور أكثر من شهر على تصريحات عدة مسؤولين أمريكيين، قالوا فيها إنهم يتوقعون زيارة العاهل السعودي إلى واشنطن في الخريف المقبل. وجاء في بيان أصدره البيت الأبيض، أن الزيارة، “تؤكد أهمية الشراكة الإستراتيجية بين أمريكا والسعودية”. وأوضح البيان أن أوباما والملك سلمان سيناقشان عدداً من القضايا وسيركزان على سبل تعزيز الشراكة الثنائية، بما في ذلك الجهود الأمنية المشتركة وكذلك مكافحة الإرهاب الى جانب مناقشة ملفي اليمن وسوريا. 

ويُذكر أن الملك سلمان لم يشارك في قمة كامب ديفيد بين أوباما وزعماء دول مجلس التعاون فيما سبق لوزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر، أن أكد لدى لقائه الملك السعودي في جدة الشهر الماضي، ان الملك سلمان سيزور واشنطن في الخريف. 

 

ثانياً: التحليل والدلالات

لا شك أن العلاقة الأمريكية السعودية، دخلت في مرحلةٍ من الجمود نتيجةً لتوقيع واشنطن والغرب الإتفاق النووي مع إيران. وهو الأمر الذي جعل السعودية ومعها الدول الخليجية، ترى في الفعلة الأمريكية ضربة لنفوذ هذه الدول، نتيجةً لمصلحةٍ تجدها واشنطن في التقرب من طهران. وعلى الرغم من أن السعودية تدرك أن العداوة التاريخية بين أمريكا وإيران ما تزال قائمة، إلا أن الوزن الذي تحظى به إيران اليوم، أصبح يقلقها، وهي التي لم تُفلح في لعب دورٍ بناءٍ في المنطقة، ولم تقبل اليد الإيرانية التي مُدت لها، كما أنها ما تزال تمضي قُدماً في حربها على اليمن ودعم الإرهاب في المنطقة. فلماذا يزور الملك السعودي واشنطن اليوم؟

– قد يقول البعض إن أمريكا ستقدم ضماناتٍ للرياض فيما يتعلق بالإتفاق النووي، من باب تطمين الحليف القديم الإستراتيجي أنه لا شيء سيكون على حسابه سياسياً. لكن البراغماتية الأمريكية كافية لتُشير الى أن واشنطن ومهما قدمت من ضمانات فإنها ستعمل وفق مصلحتها وهي التي إعتادت العمل مع الجميع وضد الجميع في آنٍ واحد. مع الأخذ بعين الإعتبار أهمية الفرقاء المختلفين.

– لذلك فإن اللجوء السعودي الى واشنطن هو نتيجة الإفلاس الذي تعاني منه السعودية على الصعد كافة. فمن الناحية السياسية خسرت الرياض كل رهاناتها في المنطقة، وبالتحديد في سوريا واليمن. كما أن الرياض فقدت علاقاتها الخارجية الدبلوماسية مع الدول العربية كما مع الدول الأوروبية، وبالتحديد بعد قيامها بالمجازر في حربها على اليمن، وهو الأمر الذي أدى لوضعها في خانة مجرمة الحرب. وبالتالي فإن الرياض لم تفقد دورها فحسب بل فقدت هيبتها أيضاً.

– وهنا لا بد من الإشارة الى أن واشنطن لديها مصلحة في إبقاء حليفها الخليجي الأساسي في كنفها، بعد أن أبدت الرياض عدم رضاها عن السياسة الأمريكية، وقامت بالإنفتاح على موسكو، وصولاً الى توقيع اتفاقيةٍ للتعاون في مجال استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية. وهو الأمر الذي تسعى واشنطن لتحجيمه خصوصاً بعد نية الملك سلمان زيارة موسكو قبل نهاية العام الجاري. وبالتالي فإن الظروف المُعقدة التي تعيشها المنطقة اليوم، تدفع الأطراف كافة للوقوف عند مصالحها، وهو ما يجعل السعودية تفكر بنفس الطريقة أيضاً. وهنا لا نقول إن السعودية قد تختار روسيا على أمريكا، فالطرف الروسي معروفٌ بعلاقته القوية مع إيران، مما يجعل وجهات النظر المتشابهة بين الطرفين قليلة جداً. لكن الطرف الأمريكي يسعى للمحافظة على وجوده في الشرق الأوسط من خلال أدواتها الخليجيين، وفي مقدمتهم السعودية. وهو ما يجعل الرئيس الأمريكي اليوم أمام مهمةٍ قد تكون صعبةً في تقديم ما يُرضي الرياض. 

 

لن يستطيع الرئيس أوباما تجاهل القلق السعودي، لكنه في المقابل لن يستطيع طمأنتهم. فالسعودية أدخلت نفسها في أزماتٍ عديدة حرقت فيها كل أوراقها، ولم يعد لها أصدقاء يمكن أن تراهن عليهم. فيما المخاوف التي تُقلق السعودية هي وليدة ماهيتها ليس أكثر. فالواقع الموجود اليوم هو بحد ذاته رافضٌ لوجود أي مراهنٍ على الإرهاب، كالرياض. فالزمن اليوم لم يعد كما كان من قبل. فأمريكا لم تعد نافذةً في منطقتنا، بل أصبحت إيران عرابة السياسات بالتنسيق مع روسيا وشعوب المنطقة. ولن يُجدي الرياض نفعاً أي تقربٍ من واشنطن، فأمريكا لا تعرف سوى مصالحها، في وقتٍ خسرت فيه السعودية العديد من الفرص التي سنحت لها للتقرب من طهران، التي طالما مدت لها يد الحوار والتعاون. ومن لم يتعلم من دروس التاريخ، عليه أن يفهم أن الأيام لا ترحم.

المصدر : الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق