حقيقة التغيير الديمغرافي.. من سوريا إلى البحرين
تُطرح قضية التغيير الديمغرافي السوري في الآونة الأخيرة عبر بعض وسائل الإعلام المشبوهة لغايات وأهداف معروفة سلفاً، مستغلين الوضعين السياسي والأمني لإشاعات مغرضة تستهدف الدولة السورية ومحور المقاومة وتحديداً الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بإعتبار أن “البعبع الإيراني” بات اليوم أفضل وسيلة لسوق المغرّر بهم بإتجاه تحقيق أهداف المشاريع التي تتبناها الدول المناوئة لمحور المقاومة.
وتعكس الهجمات الأخيرة التي يشنها الإعلام المعادي عبر إدعائه أن طهران تقوم بإجراءات واسعة لإيجاد تغيير أساسي في البنية السكانية للمجتمع السوري، وبالتالي “إيجاد واقع ديمغرافي جديد يحمي المصالح الإيرانية في سوريا”، تعكس جملة من الإهتمامات والاهداف لمشروع إقليمي أكبر، يعيد إلى الأذهان قضية إتهام حزب الله ومن خلفه إيران بتشييع أهل السنة والجماعة في لبنان.
في الواقع، إن الحديث عن “التغيير الديمغرافي السوري” يميط اللثام عن مشروع جديد يُعد من تلك الدول التي تدعم وتمول هذه الوسيلة الإعلامية أو تلك، في حين يبدو السؤال مشروعاً وأكثر من ملح عن الأهداف الحقيقية من خلال طرح هذا المشروع فـ “هل تريد هذه الدول حقن جرعة جديدة من سياسة “إيران فوبيا” أو “شيعة فوبيا” في الإعلامين العربي والإسلامي؟ وكيف يرتبط هذا الإدعاء بمشروع التقسيم المُعد لسوريا؟ ولماذا تتجاهل وسائل الإعلام نفسها، التغيير الديمغرافي العلني والواضح في بعض دول المنطقة؟
التغيير الديمغرافي في سوريا
لا يمكن فصل موضوع التغيير الديمغرافي في سوريا عن بازار الإستخدام السياسي الذي دأبت على إستخدامه العديد من القوى الإقليمية في إطار تحقيق أهدافها، وبالتالي يتقاطع هذا الكلام بشكل كبير مع السياسات التي تروّج ضد محور المقاومة، سواء “إيران فوبيا” أو “شيعة فوبيا”. كذلك لا يمكن تجاهل التقسيم عند طرح قضية التغيير الديمغرافي بإعتبار أن هذه القوى تريد إيهام شعوب المنطقة بأن الرئيس الأسد ومن خلفه طهران تضع الخطوات الأولى “لتقسيم لا بد منه” أمريكيا وإسرائيليا من ناحية، ومن ناحية أخرى ترمي هذه القوى إلى إضعاف أوراق المقاومة في سوريا، خاصةً عند جمهورها، عند طرح هذه القضية بأنه لو كانت المقاومة قويّة لما رضيت بالتغير الديمغرافي أو بالتقسيم؟
إن هذا الكلام يؤكد أن الدول الإقليمية تريد السير بسوريا نحو التقسيم، وتقسيم سوريا مقدمة لتقسيم العديد من الدول المجاورة، حتى تلك التي تتآمر اليوم على تقسيم المنطقة، ولا شك في أن هذه الخطوة هي مقدّمة طبيعية لخطوات أكبر في المرحلة المقبلة، ما يدعو الحكومة السورية وشعوب المنطقة لإتخاذ خطوات إحترازية تمنع الوقوع في فتنة جديدة تعيد إلى “سايكس بيكو”. نعم قد يكون هناك تغيير ديمغرافي معين في سوريا، تغيير يقف وراءه تنظيم داعش الإرهابي المدعوم تركياً والممول سعودياً، ويهدف لإلغاء أي طرف آخر يختلف في أبسط القواعد مع التنظيم الإرهابي.
ولكن لماذا يتجاهل هذا الإعلام “المعتدل” قضية التغيير الديمغرافي الواضح والجلي في البحرين، في حين يركّز على هذا الأمر في سوريا، مع العلم أن الوقائع والتصريحات السورية تشير إلى عكس ذلك؟
التغيير الديمغرافي في البحرين
في الحقيقة، هناك عدّة أسباب تقف وراء تجاهل الثورة البحرينية وسحبها من الإعلام العربي الممول سعودياً، إلا أن كافّة هذه الأسباب تلتقي في إطار واحد وواضح يتعارض مع أبسط أصول المهنة الإعلامية وشرفها. فرغم مرور حوالي أربعة أعوام على الثورة البحرينية السلمية، إلا أن الإعلام الممول سعودياً لطالما تجاهل هذه الثورة، فضلاً عن وصفها بأبشع العبارات، لاسيّما تخوينها وإعطائها بعداً طائفياً ومذهبياً.
الغريب أن هذه الوسائل الإعلامية التي تروّج لمشروع التغيير الديمغرافي في سوريا، رغم غيابه أو عدم ثبوته على الأقل، تتجاهل التغيير الديمغرافي الواضح في البحرين حيث يعمل النظام على التجنيس من طائفة معينة منذ أكثر من ١٠ سنوات. ولم تقف سياسة التغيير الديمغرافي عند التجنيس أو الترويج للإحصاءات التي تخرج من مطابخ المخابرات البحرينية، بل عمد نظام آل خليفة إلى سياسة سحب الجنسية البحرينية من العديد من المعارضين السلميين الذين رفضوا السياسات الداخلية للنظام الحاكم.
إن مستقبل الشعب البحريني الأصيل بات في خطر، حيث من الممكن أن يصبح البحرينيون الأصليون أقلية في بلدهم في ظل عمليات التجنيس الواسعة النطاق التي من شأنها تغيير هوية البلاد والتي يقودها الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وبإعتبار أن المجنسين خارج القانون باتوا يشكلون نسبة مؤثرة جدا.
لو أردنا فهم الواقع البحريني اليوم، لابد من مطالعة معاناة الشعب الفلسطيني من سلطات الکيان الإسرائيلي التي عملت، ولا زالت تعمل، على تغيير ديموغرافي واسع النطاق على الأراضي المحتلة، لا سيّما في مدينة القدس. ويمكن تشبيه ما يحدث من تغيير ديموغرافي في البحرين بالاستيطان الإسرائيلي في فلسطين المحتلة والذي بات واقعا مفروضا لا مناص منه، وما يدعو للقلق حالياً هو الصمت الدولي إزاء هذه الجريمة وكأن المجتمع الدولي قد منح لآل خليفة «وعد بلفور» جديد يخولهم تبديل وجه هذه الجزيرة.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق