التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, ديسمبر 22, 2024

تعلم كيف تحافظ على هدوئك في مواجهة ضغوط العمل 

لعله من الغريب أن تحدث نفسك كل صباح مردداً عبارات مثل: “ذراعاي ثقيلتان، ودافئتان، وكذلك قدماي”، و”قلبي هاديء ويعمل بشكل منتظم.”

غير أن هذه بالتحديد هي العبارات التي يرددها من يؤدون تدريبات تعرف بـ “التحفيز الذاتي”، أو “الإيحاء الذاتي”، ليقللوا من التوتر، ويزيدوا من قدرتهم على التركيز.

وعندما يتأمل البعض أجزاءً مختلفة من أجسادهم كل فترة قصيرة، قد تكون 15 دقيقة، أو أقل أحياناً. فإنهم يعطون الأوامر إلى عضلاتهم، مثل تلك الموجودة في العنق والذراعين والساقين، لترتخي وتتشبع بالأوكسجين، مستعملين نصوصاً محددة مسبقاً.

ويعتقد الخبراء أنه إذا قام الشخص بممارسة منظمة لهذه التدريبات، ولعدة سنين، فبإمكانه أن يصل إلى حالة استرخاء عميقة خلال ثوانٍ. يتم ذلك عن طريق التركيز على تلك المنطقة وترديد عبارة مثل، “ذراعاي ثقيلتان، وساقاي ثقيلتان.”

إذا كنت تبحث عن طريقة لمواجهة الضغوط النفسية أو لتتخلص من مشاعر عدم الارتياح، أو للشعور بضبط أكثر لجدول عمل محموم، فقد يفيدك أداء تدريبات التحفيز الذاتي تلك، كما تقول “كاتيا أنغلسكيرشن”، التي بدأت ممارسة هذه التدريبات بعد انهيارٍ عانت منه نتيجة الإرهاق في العمل.

وحاليا، تقوم أنغلسكيرشن بتعليم هذه التدريبات، وغيرها من التدريبات التي تهدف إلى الوقاية من توترات وضغوط العمل، وذلك بالقرب من مدينة فرانكفورت.

جرى تطوير هذا النوع من التدريبات لأول مرة في ثلاثينيات القرن الماضي من قبل “جوهانس هاينريك شوولتز”، وهو عالم نفس ألماني درَس التنويم المغناطيسي السريري وأساليب التأمل لدى شعوب الشرق الأقصى.

وتساعد تدريبات التحفيز الذاتي تلك الناس على الاسترخاء العميق خلال فترة قصيرة من الزمن. ويعود السبب في ذلك إلى أنهم كيّفوا أنفسهم للاستجابة إلى الإشارات اللفظية الخاصة بهم.

ويوصى غالباً بهذه التمارين، التي تجعل الذهن يتغلب على الجسد، لمن يريدون أن يتغلبوا على توتر كثير في حياتهم، أو للرياضيين الذين يسعون إلى تحسين أدائهم. هذه التمارين معروفة في ألمانيا وتُمارس هناك بشكل معتاد، حتى أنه يجري إطلاع الصغار عليها وهم في رياض الأطفال.

تدريبات يسهل ممارستها

 

 

 
إذا كنت تشعر بتوتر أو إرهاق، يمكنك أداء تدريبات الإيحاء الذاتي وأنت على مكتبك، أو داخل مركبة في موقف للسيارات، أو في زاوية هادئة من محل عملك. ستساعدك هذه التمارين على تجديد نشاطك بسرعة، وعلى بث الطاقة في نفسك.

وتقول إحدى المتحمسات لأداء هذه التدريبات، وتعيش بالقرب من فرانكفورت، أنها مارست تمارين التحفيز الذاتي لعدة مرات في الأسبوع، ولسنوات عديدة مضت. وتضيف أن ذلك ساعدها في التغلب بهدوء على متطلبات متعددة في كثير من الإتجاهات في بيئة العمل.

تعلمت “كونستانز”، والتي فضلت عدم ذكر اسمها الكامل، هذا الأسلوب عندما كانت طفلة، علماً بأنها تربت في ألمانيا الشرقية. وفي عمر السادسة عشر، كانت تعاني من مشكلة التنفس أثناء ممارستها الألعاب الرياضية. ونصحها أطباؤها بدورة في تدريبات التحفيز الذاتي.

تقول كونستانز: “أتذكر أني قلت، ’هذا هراء‘. كان علينا أن نجلس على حافة كراسينا، نثبّت أقدامنا على الأرض، وندع أذرعنا تتدلى. كانت الوضعية تشبه حالة سائق حافلة. ثم يخبرنا المدرب أين نركز ـ على أقدامنا، أصابع أقدامنا، أو سيقاننا”.

الآن، وبعد عقود من الممارسة، تغلبت “كونستانز” على مصاعبها ،وتضيف: “عندما أمر بهذه الجولة عبر أجزاء بدني، ألاحظ أني مسترخية أكثر، وأتعامل مع الأمور بيسر. وأصبحُ نشطة حتى أواخر الليل.”

عليك بنسيان مشاغل العمل
إحدى المنافع الأخرى التي تصفها “كونستانز” هي قدرتها على نسيان مشاغل العمل حالما تترك المكتب.

“عندما أغادر مكان العمل، لن أهتم بتاتاً بمشاكلي الخاصة به. في تدريبات التحفيز الذاتي ورياضة اليوغا، تتعلم كيف توقف تلك الأفكار التي تملأ ذهنك المتسارع، وذلك بالتركيز على شيء آخر، مثل أصابع قدميك. إذا ما فكرت بالأصبع الكبير لقدمك، فإن أفكارك لن تنشغل بالغسيل، أو التسوق الذي لم يُكمل”، كما تقول.

 

 

 
تقول “إيلس ميولر”، وهي مؤلفة كتب متخصصة في مجال الوقاية من التوتر والاجهاد، إن فكرة “الذهن المنشغل” أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وتعتقد بأن الاجهاد هو من المشاكل الرئيسية للصحة العامة.

وهذه من الأمور التي تناولتها في 17 مؤلفاً كتبتها حول أساليب الاسترخاء المختلفة. في بداية حياتها المهنية، طوّرت “ميولر” طريقتها الخاصة لتكرار تمارين التحفيز الذاتي استناداً إلى أساليب “شوولتز”؛ إذ قامت بـ”تحديثها” وجعلتها أسرع وأسهل في التعلّم، حسبما تقول.

وعلى مر السنين، درّبت ميولر أشخاصاً في شركات مختلفة، مثل “نستله” و “نادي روبنسن”، و “س. فيشر فيرلاغ”، من بين شركات أخرى.

وتسمي ميولر أسلوبها ذلك في التدريب بـ “تدريبات التحفيز الذاتي المبتكرة”. ويختلف أسلوبها عن نهج “شوولتز” لأنه يخلط ما بين الصور المرئية مع الإيحاء الذاتي باستخدام أوامر “كلاسيكية”.

وتتناسب الصور المرئية مع التأثير العضلي المطلوب. فعلى سبيل المثال، عندما تريد أن تشعر بثقل وأنت جالس، تخيل جبلاً. عندما تريد دفئاً ليسري في بدنك، استحضر صورة من صور الشمس. وفي الحالة الثالثة، عندما تريد أن تخلق جواً من الهدوء، تخيل سُحُباً وهي تحمل بعيداً ما يُشغل بالك.

تقول “ميولر”: “نُرسل أفكارنا المتسارعة وغير المستقرة مع السُحب”. لقد جربت ذلك الأسلوب بنفسها وطبقتها في بعض الجامعات، إضافة إلى مكتبها وعياداتها. وتضيف قائلة: “لدينا قدرات دفينة هائلة لعلاج أنفسنا. كل ما علينا القيام به هو الاستفادة منها واستخدامها.”

مع ذلك، ليس الجميع مقتنعاً بذلك، إذ تعتقد “إيزابيل بومّر”، مدربة ومحاضرة في تحفيز مجموعات مختلفة من الناس، أن جميع أساليب وفنون التأمل ـ والتي يُعتبر التحفيز الذاتي مجرد أحدهاـ لا تمنح جسمك الحرية الكاملة لتستجيب لحكمة تلك الأساليب الذاتية.

تقول “بومّر”: “تنعكس جميع المشاعر على البدن. إذا استخدمت أساليب التأمل العديدة لتوجيهها كلها فلن تحس بمشاعرك الحقيقية. المشاعر وجدت لنحس بها. يعرف بدنك تماماً أفضل وسيلة للتخلص من التوتر. ليست هناك حاجة لتوجيهه، كما تفعل عبر تمارين التحفيز الذاتي.”

على سبيل المثال، إذا كنت في اجتماع ولاحظت أنك تضع إحدى ساقيك على الأخرى أو تقف على رؤوس أصابع قدميك أو تلعب بقلمك، فذلك بدنك يقوم تلقائيا بأداء حركات تنمّ عن الموقف الذي يمر به.

 

 

 
رغم ذلك، برهنت الأبحاث الأكاديمية أن تمارين التحفيز الذاتي يمكنها تحسين الأداء بشكل عام. تقول “هيلين غيبونز”، عالمة نفسية ومؤسسة “معهد تمارين التحفيز الذاتي” في أستراليا إن تمارين التحفيز الذاتي قد دعمتها دراسات سريرية عديدة، وإنها وسيلة مقبولة لمحاربة التوتر والاجهاد.

وتشير “غيبونز” إلى دراسة محددة أجرتها وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” والتي بينت أن تمارين التحفيز الذاتي قد تحسِّن أداء الطيارين في أوقات الطواريء.

يمكن قياس بعض تلك الفوائد بدقة، على سبيل المثال، عن طريق تقنية التصوير العصبي وقياس ضغط الدم، ذلك ما كتبته “غيبونز” في مقالة نُشرت العام الماضي تحت عنوان “حلٌّ في ستة ساعات لتوتر ضغط العمل”.

وأخيراً، تعتقد “غيبونز” وآخرون إن تعلم ضبط النفس للتحكم في ردود فعلنا النفسيةـالبدنية يمكنه إحداث تغييرات عميقة في الذهن والبدن بما يُحسن الصحة والأداء.

لذا، في المرة القادمة التي تصادف فيها سماع شخص وهو يكلم ذراعيه أو ساقيه في المكتب، لا تُسرع بإصدار أحكامك عليه، فربما سيصبح ذلك الشخص مديرك التنفيذي المقبل.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق