التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

كيف يؤثر الاقتصاد على خيارات الناخبين الأتراك؟ 

يعتبر الاقتصاد عاملاً أساسياً في حسم العملية الانتخابية في مختلف الدول؛ إذ يلجأ الناخب في العادة إلى تقييم أداء حكومته ومدى نجاحها في توفير الظروف المعيشية والرفاهية الجيدة من خلال السياسة التي تعتمدها الحكومة في هذا المجال. 

 

ويشغل الوضع الاقتصادي حيزاً كبيراً في النقاشات الجارية الآن بين الأحزاب السياسية والشرائح الاجتماعية في تركيا التي تشهد منذ أكثر من عامين حالة من الارتباك جراء المشاحنات السياسية التي قادت إلى تراجع في قيمة العملة (الليرة) وارتفاع اسعار المحروقات وزيادة البطالة في المجتمع، حيث تشير التقديرات إلى وجود حوالي ٢٩ مليون شخص قادر على العمل منهم ١١% عاطل عن العمل بينما يعمل ٧٠% بأجور منخفضة نسبياً. كما تراجع النمو المحلي ليسجل ١.٧% على أساس سنوي في الربع الثالث من ٢٠١٤، بدلا من توقعات لنموه بنسبة ٣ % . 

 

وبدلاً من زيادة الفائدة اتجه البنك المركزي التركي لزيادة ضخ الدولار في السوق لمنع تدهور سعر صرف الليرة، ويعتقد الخبراء الاقتصاديون بأن الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) يسعى منذ فترة الى تأجيل البت في رفع قيمة الفائدة إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية القادمة لأنه يعلم أن رفع هذه القيمة سيؤثر سلباً على العديد من القطاعات الاقتصادية .

 

ومنذ أواخر ٢٠١٤ تشهد تركيا ما يمكن وصفه بـ”لعنة” اقتصادية سببها ممارسات حزب (العدالة والتنمية) الذي يتزعمه (رجب طيب اردوغان) والتي خلطت بين الطموح السياسي والمحظور الاقتصادي. فبسبب ارتفاع معدلات الفساد، ظهر الوجه الحقيقي للانحدار الاقتصادي عام ٢٠١٤ ليكشف عن تأثير هذه الممارسات طيلة سنوات مضت . ومثّلت فضيحة بنك “خلق” وتورط مسؤولين حكوميين ومقربين من أردوغان في رشى، أكثر الأوجه وضوحاً لعمليات فساد كبيرة . وبحسب مؤشر الفساد الدولي الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، تراجعت تركيا إلى المركز ٦٤ عالمياً، ضمن ١٧٥ دولة، بينما كانت في المركز ٥٣ عام ٢٠١٣ .

 

وشهدت الساحة التركية خلال الاعوام الماضية العديد من الأحداث السياسية التي أثرت على الوضع الاقتصادي، منها حالة الاستقطاب الناتج عن التراشقات الإعلامية بين الأحزاب السياسية والاحداث الأمنية التي أثرت بشكل مباشر على ثقة المستثمرين الأجانب .

 

وألقت إخفاقات حزب العدالة والتنمية بظلالها على الاقتصاد التركي لسنوات عديدة. وكان لانعدام اليقين السياسي بين الفرقاء خلال العقد الماضي تأثير سلبي كبير في هذا المجال، حيث ترك ارتفاع التضخم، وتراكم الدين الخارجي، وزيادة عجز الحساب الجاري الاقتصادَ عرضة لصدمات محلية ودولية.  

 

وفي ٢٠١٥، تراجع النمو إلى ٢.٩ بحسب بيانات عالمية، ووصل معدل البطالة إلى ١١.٢ بالمائة في المتوسط خلال الفترة من يناير إلى مارس، مقارنة مع ١٠.٢ بالمائة في نفس الفترة من ٢٠١٤ . وبحسب إحصائيات دولية يعمل نحو ٤٠ بالمئة من العمال الأتراك ٥٠ ساعة أسبوعياً أو أكثر وهو المعدل الأعلى بين اكثر من ٣٠ بلداً عضواً في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية .

 

وخلال العشر سنوات الماضية قفزت قروض المستهلكين في تركيا ١١ ضعفاً. ويساوي الدين المقوم بالدولار ما يقرب من ٣٠ بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي مما يعني انهياراً متكرراً في قيمة العملة ومن ثم ارتفاعاً في تكاليف الإقراض .

 

وبعدما كانت تركيا نموذجاً للاكتفاء الذاتي في سنوات مضت أصبحت تستورد اللحوم والقمح، وبدأت ثقة الناس في سياسة حزب العدالة والتنمية الاقتصادية تتراجع مع تشاؤم حيال المستقبل. 

 

أما على مستوى الإنتاج الصناعي، فقد تراجع النشاط عموماً، وأصابته الاحتجاجات العمالية المطالبة بزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل، في نتيجة مباشرة لسياسة الخصخصة التي انطلقت فيها تركيا من أجل حصد نمو سريع وصفه بعض الاقتصاديين بالفقاعة .

 

وبالفعل، توقف إنتاج كبرى مصانع السيارات في مايو وهي توفاس وفورد أوتوسان، علاوة على أوياك رينو بسبب النزاع العمالي الذي وقع قبل الانتخابات البرلمانية التي جرت في السابع من يونيو الماضي.  

 

كما أدت السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية إلى الضغط بشدة على الاقتصاد وحرمانه من روافد مهمة، وهو ما دفع الحزب ثمنه في الانتخابات السابقة التي فشل في تأمين أغلبية مطلقة فيها .

 

ويتوقع خبراء اقتصاديون أن يتعرض الاقتصاد التركي، إلى هزة عنيفة شبيهة بتلك التي أطاحت بالنمور الآسيوية في تسعينيات القرن الماضي، والاقتصادات الغربية قبل ٦ سنوات. ويؤكد هؤلاء الخبراء أن الاستثمارات الغربية وحركة الخصخصة التي انتهجتها حكومة أردوغان، ساهمت في تعميق المشاكل الاقتصادية لدى المواطن التركي، وعلى رأسها غلاء الأسعار. فبدلاً من توسيع قاعدة القطاع العام، والعمل على تنمية الاقتصاد التركي كاقتصاد منتج، اتجهت حكومة أردوغان إلى إعطاء الأولوية لنمو القطاع الخاص وجلب الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد، وبيع مؤسسات الدولة .   

 

كما يرجح المراقبون تفاقم مستويات البطالة بشكل متزايد في السنوات القادمة، مؤكدين على أن تباهي الحكومة التركية بنجاح سياساتها الاقتصادية خلال الأعوام العشرة الماضية، خاصة فيما يتعلق بتخفيض مستويات البطالة في البلاد عبارة عن أوهام، إذ تشير الدراسات إلى أن انخفاض مستويات البطالة في تركيا خلال عهد أردوغان كان مقتصراً على موسم الصيف، ويرتبط بشكل رئيس بقطاعات السياحة والإنشاءات والزراعة فقط، دون النظر إلى المواسم الأخرى، مما يسهم أيضاً في كون الحسابات والأرقام المنشورة لمعدلات التضخم والنمو في هذا البلد غير حقيقية أيضاً .                 

 

ويعتقد الخبراء ان الاقتصاد التركي سيواجه أزمة غير مسبوقة بسبب عدم الاستقرار السياسي آخذين بنظر الاعتبار حجم المفاجآت التي ستحملها الانتخابات القادمة والتي ستكون مختلفة إلى درجة كبيرة مع أي انتخابات سابقة وقد تقود لحكومة ضعيفة أو تحالف حكومي سيؤدي حتماً إلى تغيير في السياسات الاقتصادية التي تقع في مهب نتائج هذه الانتخابات.          

 

ويبدو أن حزب العدالة والتنمية سيذهب إلى الانتخابات وقد أضيفت لسجله معدلات نمو منخفضة وبطالة مرتفعة وتدني في مستوى المعيشة .فورقة الاقتصاد أصبحت عبئاً ثقيلاً مع كثرة الإخفاقات . وتعطي أكثر استطلاعات الرأي تفاؤلاً الحزبَ الحاكم ما بين ٤٠ و٤٢ بالمئة من اصوات الناخبين، وهي نسبة غير كافية لتمرير طموحات أردوغان بتغيير الدستور وزيادة صلاحياته.                            

 

وبعد اتضاح الصورة، نستطيع الجزم بأن التدهور الاقتصادي، الذي سببته سياسات أردوغان سواء في فترة الانتعاش -وفق مزاعم أنصاره- أو في فترة الأزمة كانت لها تكلفة اجتماعية كبيرة . فقد أيقن الشعب التركي بأن هذه السياسات جاءت لتمكين الطبقة الحاكمة فقط، ولم تكترث للشعب، والدليل على ذلك زيادة الهوة بين الأغنياء الذين ازدادوا ثراءً والفقراء الذين ازدادوا فقراً في وقت أكدت فيه تقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على أن تركيا هي ثالثة أكثر دول العالم من حيث انعدام العدالة في توزيع الدخل ومن حيث الظلم الاجتماعي.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق