التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

الجدار العازل: سياسة أردوغان الديمغرافية 

 في الوقت الذي تشن فيه حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حرباً على حزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق، وبعد إعلانها في وقت سابق عن الدخول رسمياً في التحالف الدولي لمواجهة تنظيم داعش الإرهابي، قررت الحكومة التركية بناء جدار عازل على طول الحدود مع سوريا بارتفاع ثلاثة أمتار ونصف المتر لـ”منع عبور مقاتلي تنظيم “داعش” الإرهابي إلى سوريا عبر أراضي تركيا”.

المشروع الجديد المشترك بين محافظات المدن الأربع الواقعة على الحدود “هطاي” و”غازي عنتب” و”كيليس” و”شانلي أورفا”، يهدف لإنشاء “منطقة أمنية” على الحدود السورية، ووفق صحيفة “زمان” فإنه سيتم بناء جدار خرساني يبلغ متوسط ارتفاعه ثلاثة أمتار ونصف المتر يتكون من قطع متداخلة مع بعضها البعض على الحدود الموجودة بين تركيا وسوريا البالغ طولها ٩١١ كيلو مترا، بالإضافة الى إنشاء طريق في الجزء الواقع في تركيا وسياجات شائكة عالية خلف الطريق إلى جانب وضع مصابيح وكاميرات مراقبة من أجل التدابير الأمنية.

 

وتوضح تركيا أن هناك العديد من الأسباب التي تقف وراء بناء الجدار العازل، أسباب تبدأ بالخشية من إقتحام تنظيم داعش الإرهابي للأراضي التركية والقيام باعمال تستهدف الإستقرار الداخلي، وتمرّ عبر الحؤول دون دخول اللاجئين السوريين بطريقة غير قانونية اضافة الى المهربين، وتصل إلى الأكراد عموماً وحزب العمال على وجه الخصوص. قد تكون تركيا محقّة في بعض الأخطار التي تتحدث عنها، ولكن من الذي سمح لأغلب أعضاء التنظيم الإرهابي بالدخول إلى سوريا عبر الحدود التركية؟ وألا تقف المخابرات التركية وراء نقل أعضاء التنظيم الإرهابي إلى سوريا؟

 

لا شك في أن الرئيس التركي يدرك جيداً أن السبيل الوحيد لدرء فتنة داعش عن بلاده يكمن في نقطتين رئيسيتين. النقطة الأولى تتمثل بمراقبة الحدود التركية، ليست تلك المشتركة مع سوريا فحسب، بل المطارات والمرافئ أيضاً، لأن أبسط القواعد في حفظ الأمن تؤكد أن محاربة العدو عندما يصبح في الداخل أمر في غاية الصعوبة، لذلك لا بد من مواجهته عند بوابة البلاد، أو حتى خارجها. فعلى سبيل المثال، عندما ينجح أي تنظيم في إختراق حدود البلاد وإيصال مواد متفجّرة، يصبح نقلها الداخلي أمراً في غاية البساطة، فيبقى عليه أن يحدد ساعة الصفر لا أكثر. وأما النقطة الثانية، فهي التعاون مع الدولة السورية لمحاربة هذه الجماعات المسلحة، لأن نارها عاجلاً أم آجلا ستصل إلى الداخل التركي. 

من الكيان الإسرائيلي إلى تركيا

بالعودة إلى الجدار العازل، تتقاطع هذه الخطوة التركية مع نظيرتها الإسرائيلية التي أنجزت قسماً كبيراً من الجدار العازل في الضفّة الغربية، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:

أولاً: يستخدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذريعة الإسرائيلية نفسها، أي منع الهجمات الإرهابية، لبناء الجدار العازل، فقد بدأت حكومة “أرييل شارون” بتاريخ ٢٣/٦/٢٠٠٢، ببناء جدار الفصل العنصري الممتد على طول الخط الأخضر مع الضفة الغربية، بدعوى منع تسلل منفذي العمليات الفدائية إلى الكيان الإسرائيلي.

ثانياً: إن المشروع الجديد لحكومة أردوغان هو النسخة التركية لجدار الفصل العنصري الإسرائيلي، ففي حين يفصل الجدار الإسرائيلي بين الفلسطينيين أنفسهم على أراضي الضفّة الغربية، يفصل هذا الجدار بين الفئة الكردية التي تشكّل الأغلبية السكانية في المنطقة الحدودية، وكذلك بين العلويين الذين يقبعون على جانبي الحدود عند القسم الغربي.

ثالثاً: كما أن الجدار الإسرائيلي يفصل بين أبناء العائلة الواحدة في بعض مناطق الضفة الغربية، يقطّع جدار الفصل التركي أوصال العديد من الأسر الكردية التي تسكن على جانبي الحدود.

رابعا: في حين يهدف الجدار الإسرائيلي، بجزء كبير منه، لقطع الطريق على أي إنتفاضة أو تشكيل حكومة فلسطينية في كامل الضفة الغربية، تريد الحكومة التركية قطع الطريق على أي مشروع لإقامة حكم ذاتي للأكراد على الحدود المشتركة بين البلدين.

خامساً: أردوغان الذي إدعى في بداية الأزمة السورية، وقوفه إلى جانب شعبها، في حين يرفض حالياً إستقبال اللاجئين، فضلاً عن سعيه لترحيلهم من الأراضي التركية اذاما نجح في بناء منطقة عازلة على الأراضي السورية، سيستخدم هذا الجدار لمحاصرة هؤلاء اللاجئين، تماماً كما يفعل الكيان الإسرائيلي في الضفة الغربية. 

سادساً: كما يسبب الجدار الإسرائيلي بنتائج كارثية على الشعب الفلسطيني من النواحي الإقتصادية والإجتماعية والبيئية، يبدو أن الأكراد بإنتظار نتائج كارثية مماثلة جرّاء هذا الفصل العنصري.

وفي الخلاصة، يتضح أن أهداف أردوغان تتعدى خطر داعش الإرهابي وتدخل في سياق مشروعه الإقليمي تحت عنوان “العثمانيين الجدد”، ولكن رغم أن الجيش التركي باشر في بناء الجدار العازل منذ يوليو/تموز الماضي حيث تم حفر الخندق في بعض الاماكن للمباشرة في بناء الجدار، إلا أن نتائج الإنتخابات المقبلة قد تقطع الطريق على الرئيس التركي في تمريره عبر البرلمان، لاسيّما اذاما نجح الأكراد في حصد مقاعد أكثر ونجحوا في بناء تحالفات داخلية قوية.

المصدر – الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق