أفغانستان على طريق الاستقلال.. الفرص والتحديات
الاستقلال يعني السيادة ويعني الإرادة ويعني القدرة والأمن الشامل الذي يحفظ كرامة البلد ويحقق رغبات مواطنيه ويحترم إنسانيتهم ويمنع الاستهتار بمقدراتهم واذلالهم. كما يعني التحرر من نير الاحتلال بالقوة المسلحة أو بأي وسيلة أخرى. واستعمل هذا الاصطلاح في بادئ الأمر للإشارة إلى حق الدولة في حكم نفسها، وممارستها الصلاحيات الإدارية، دون تدخل سلطة أجنبية.
أفغانستان على طريق الاستقلال
تعرف أفغانستان رسمياً بـ (جمهورية أفغانستان الإسلامية) ويبلغ عدد سكانها نحو ٣٣ مليون نسمة، بينهم حوالي ٣ ملايين لاجئ يقيمون في باكستان وإيران. ويتكون شعبها من عدّة مجموعات عرقية هي البشتون والطاجيك والهزارة والبلوش والتركمان والأوزبك ومجموعات أخرى، ويشكل المسلمون أكثر من ٩٩٪ من سكانها.
وتبلغ مساحة أفغانستان الواقعة في آسيا الوسطى نحو ٦٥,٢٢٣٠ كيلومتراً مربعاً وتحدها طاجكستان وأوزبكستان وتركمانستان من الشمال وإيران من الغرب والصين من الشرق فيما تحدها باكستان من الجنوب. وهي ذات طبيعة جبلية وعرة بشكل عام مع سهول في الشمال والجنوب الغربي، وتضم الكثير من الموارد الطبيعية بينها الفحم والنحاس وخام الحديد والليثيوم واليورانيوم والذهب والزنك والرصاص والرخام والأحجار الكريمة والغاز الطبيعي والبترول.
ومنذ القدم كانت أفغانستان موطناً لكثير من الأمم خلال العصور المتتالية، وهدفاً للعديد من الغزاة منذ عهد المقدونيين تحت حكم إسكندر الأكبر، ومروراً بحكم المغول وحتى الوقت الحاضر.
ومع ظهور قبائل البشتون بدأ التاريخ السياسي الحديث لأفغانستان عندما أسس أحمد شاه الدراني سلالة الهوتاكي في قندهار عام ١٧٠٩. وفي أواخر القرن الـ ١٩ أضحت أفغانستان دولة حاجزة ما بين الإمبراطوريتين الروسية والبريطانية. وبتاريخ ١٩ أغسطس ١٩١٩ وبعيد الحرب الإنجليزية الأفغانية الثالثة استعادت استقلالها السياسي من بريطانيا.
وعاشت أفغانستان تجربة مريرة من الحرب الأهلية في أواخر سبعينيات القرن الماضي أعقبها احتلال أجنبي عام ١٩٧٩ تمثل بالغزو السوفيتي تلاه الغزو الأمريكي عام ٢٠٠١. ومنذ رحيل السوفيت عام ١٩٨٩، دارت رحى العديد من الحروب الداخلية في هذا البلد.
ورغم أنها عضو في رابطة دول جنوب آسيا للتعاون الاقليمي (سارك) ومنظمة التعاون الاقتصادي (إكو) لازالت أفغانستان من الدول المعدمة وواحدة من أفقر بلدان العالم وأقلها نمواً، وقد عانت إقتصادياً بشكل كبير من الغزو السوفيتي وما تلاه من صراعات.
والشعب الأفغاني كما هو معروف شديد التمسك بالقيم والآداب والتقاليد ويعشق الحرية ويكره التدخل الخارجي في شؤونه. ولعل من أبرز ما يميزه هو التماسك الاجتماعي على الرغم من تنوع أجناسه واختلاف طبيعة سكانه. ومع ذلك هناك العديد من الفوارق التي تميز جماعة عن أخرى داخل المجتمع. فالبشتون (٦٠% من السكان) ينبثق منهم أغلب الزعماء ورؤساء القبائل والعشائر وكبار رجالات الدولة، وهم فئة تختلف عن الشرائح الأخرى بمقتضى وضعهم المهني والوظيفي إلا أن الحراك الاجتماعي يبقى مفتوحاً لجميع الفئات مهما كانت طبيعة القبيلة أو العائلة التي ينتمون إليها.
وعلى مر التاريخ كانت أفغانستان عرضة للمساومات الأجنبية شرقاً وغرباً، ولكن شعبها كان بالمرصاد لكافة أنواع التدخل رغم جراحاته الكثيرة. وكما يقال إن الضربات التي لا تقتل توجع، فإن كثرة الانشغال بمقاومة الغزاة تحجب كثيراً من الفرص لنيل الاستقرار. وبقدر ما تتجسد مأساة الأفغانيين في الداخل يعتبر العالم كله مسؤولاً عن هذه المأساة التي راح ضحيتها ملايين الأبرياء أكثرهم من النساء والأطفال والشباب.
وكُتب على أفغانستان أن تعيش حياة طويلة من الصراع أدى الى تدمير بنيتها الأساسية في الاقتصاد والتعليم ما ترك مئات الآلاف من الأطفال خارج إطار مؤسسات التعليم. وانعكست هذه الظروف على استقرار النظام التعليمي في البلد بصورة مباشرة وغير مباشرة. وكان لزاماً أن تنحصر الجهود السياسية للحكام في النواحي العسكرية إما لتثبيت دعائم الحكم أو لتوسيع دائرته، الأمر الذي خلّف حالة من الفوضى والاضطراب المستمر الذي لا يتناسب مع تشكيل أنظمة تعليمية تتوافق مع التغيرات العالمية المعاصرة.
ومع ذلك وجدت نماذج تعليمية ذات توجهات حديثة إلا أنها لم تكن مستوفية لمواصفات النظام القادر على مواجهة الواقع أو الارتقاء به قدما نحو الأمام. علاوة على ذلك خلّفت الحروب والمعارك الطاحنة الداخلية والخارجية كثيراً من الضعف للنظامين الاقتصادي والاجتماعي، ولهذا لم تتمكن هذه الأنظمة من الاستجابة الكافية لمتطلبات النمو الثقافي في البلاد.
وخلال السنوات الاخيرة عاد الكثير من الشباب الافغان اللاجئين من دول مختلفة مستصحبين معهم طاقات جديدة وأموالا لبدء أعمال تجارية في بلادهم، وهذا يعتبر بحد ذاته واحداً من الدعائم الرئيسية لإنعاش الاقتصادي الحالي.
ورغم توقيع الاتفاقية الأمنية بين كابول وواشنطن لسحب القوات الامريكية من افغانستان نهاية العام الجاري لازالت مظاهر التحكم التي يفرضها الامريكيون على مختلف مفاصل ومؤسسات الدولة الافغانية تكشف عن ان هذا الانسحاب لن يتحقق على أرض الواقع بشكل نهائي طالما بقيت حكومة اشرف غني خاضعة لإرادة واشنطن في إدارة شؤون البلاد خصوصاً في المجالين الأمني والسياسي.
من هنا يبدو أن الاستقلال بمفهومه الشائع أصبح من الماضي بالنسبة لأفغانستان بعد أن بات مهدداً بعوامل عدة تتعلق بالاقتصاد والديون والتدخل السياسي المباشر وغير المباشر والاعتداء على السيادة وانتهاك القوانين من قبل طرف أجنبي في ظل اوضاع سياسية دولية لا تخدم سوى مصالح القوى الكبرى وتتعارض مع مصالح الدول الفقيرة وتهددها بالضياع والتبعية. ويمكن اعتبار تدخل أمريكا في دعم الجهات الموالية لها في أفغانستان وتقويتها عسكرياً، عاملًا إضافياً يقوض استقلال هذا البلد ويضعفه.
وهكذا أصبح الحديث عن الاستقلال الحقيقي والتام لأفغانستان شبه متعذر نظراً إلى الإعتبارات السابقة، التي يشكل بعضها خطراً مباشراً ومزعزعاً لأمن واستقرار هذا البلد. ومن المحتمل أن تتفكك أفغانستان بين قادة الحرب والممثلين لمجموعات عرقية مختلفة مع بقاء القوات المحتلة بحجة مكافحة الإرهاب. وهذه الحقائق بمجملها تحتم على الشعب الافغاني صاحب التاريخ الكفاحي العريق وقياداته الدينية والسياسية أخذ زمام المبادرة لطرد ما تبقى من قوات الاحتلال والاعتماد على القدرات والامكانات الذاتية للبلد والاستفادة من تجارب أبنائه لنيل الاستقلال وتحقيق ما يصبو اليه في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق