التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

حان الوقت لإعادة العلاقات بين مصر وإيران 

من غير المعقول أن نتهم مصر بقيادة «عبدالفتاح السيسي» بانها لا تبحث عن علاقات سياسية ودية وقوية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، خاصة بعد انهيار نظام «حسني مبارك» وفشل مشروع الرئيس المصري «محمد مرسي» الذي تبنی سياسة مبارك في التعامل مع إيران. حيث أن جميع المؤشرات تشير الی أن النظام الجديد في مصر برئاسة «عبدالفتاح السيسي»، يحاول الاقتراب من طهران لاعادة العلاقات السياسية معها، بعد أن قطعت اثر توقيع معاهدة السلام مع الكيان الإسرائيلي من قبل الرئيس المصري الاسبق، «محمد أنور السادات». لكن علی ما يبدو فان الجهود التي يبذلها السيسي لاعادة علاقات بلاده مع إيران، عادة ما تصطدم بمعوقات وعراقيل عديدة، حيث تاتي المعارضة السعودية بالنسبة لإعادة هذه العلاقات في مقدمة جميع هذه العراقيل. لكن رغم جميع هذه القضايا فان الشعب المصري بات غير مستعد لان تكون حكومته راضخة للسياسات السعودية، فيما يخص التعامل مع إيران. إذن متی تعود العلاقة بين القاهرة وطهران؟ وما أثر هذه العلاقة علی الاقتصاد والسياسة والثقافة في مصر وإيران؟

في هذه الاثناء تدعو الكثير من النخب المصرية إلى إعادة العلاقات بين مصر وإيران، حيث دعی قبل فترة «طارق فهمي» استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة وهو من بین الآلاف من النخب المصرية الذين یدعون إلى إعادة العلاقات المصرية الإيرانية، دعی الرئيس السيسي لاعادة النظر في علاقات مصر مع إيران. الی ذلك أكد مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية «حسين أمير عبداللهيان» خلال لقاء جمعه مع مسؤولي موسسة الأهرام خلال زيارة لهم لطهران جرت قبل عدة أشهر، أن لمصر وإيران مواقف متقاربة فيما يخص حل الأزمة السورية والعمل علی محاربة الإرهاب. وبناء علی هذا الموقف الإيراني يمكن القول إن بامكان مصر وإيران العمل علی تطوير العلاقات بينهما في الكثير من المجالات خاصة في مجال محاربة الإرهاب الذي تعاني منه مصر في منطقة «سيناء».

ولا شك أن الشعبين الإيراني والمصري ومنذ فترة طويلة تمنّوا إعادة العلاقات بين مصر وإيران، وفي هذا السياق بادرت إيران بكثير من الجهود للتوصل الی حل ينهي المشاكل السياسية بين البلدين، لكن جميع هذه الجهود وللاسف منيت بالفشل بسبب المواقف الباردة التي صدرت عن الحكومات المصرية تجاه الإلحاح الإيراني لاعادة العلاقات السياسية. وبعد الاطاحة بنظام «حسني مبارك» اثر الثورة الشعبية المصرية في عام ٢٠١١، ارتفعت نسبة أمل إيران بان يكون النظام الجديد في مصر توّاقاً لإعادة العلاقات السياسية مع طهران، لكن علی عكس هذه التوقعات، فقد خضع «محمد مرسي» للضغوطات السعودية وبعض الدول العربية الاخری، ورسم عن نفسه شخصية ضعيفة لا تمتلك القدرة علی إتخاذ القرار المناسب، حيث قال في حوار له مع قناة «الجزيرة مباشر مصر» القطرية، إن بلاده لا تعزز علاقاتها مع إيران علی حساب الدول العربية الخليجية. وکان هذا الخطاب يشير بوضوح الی أن مرسي كان يرغب في تطوير العلاقات مع إيران لكنه كان في نفس الوقت يخشی حساسية الدول العربية تجاه هذه القضية.

مصر تحتاج الی مئات المليارات من الدولارات لتنمية إقتصادها ومواجهة الفقر والبطالة والأزمة الإقتصادية في البلاد، ولا يمكن للمساعدات التي تحصل علیها من الدول العربية ومن بينها السعودية أن تحقق نهضة شاملة في الإقتصاد المصري الذي يعاني من شتی الامراض المزمنة، ولهذا فان مصر تحتاج الی العمل الاقتصادي مع إيران التي تمتلك احتیاطيات هائلة في مجال الطاقة خاصة في مجال النفط والغاز. وفي هذا السياق قال وزير التخطيط المصري «أشرف العربي» قبل فترة إن بلاده تتطلع الی استقطاب استثمارات أجنبية تصل الی ٦٠ مليار دولار خلال الاعوام الاربعة المقبلة.

وفي سياق متصل أعلنت الحكومة الإيرانية في يوليو/تموز الماضي أنها ألغت تأشيرات الدخول الی أراضيها لمواطني سبعة دول من بينها مصر، حيث صار بامكان المواطنين المصريين دخول الأراضي الإيرانية للسياحة والتجارة دون الحاجة لتاشيرات دخول، وجری هذا التطور في وقت لازالت مصر تعارض فيه دخول الإيرانيين للسياحة في هذا البلد. حيث يری العديد من المحللين انه بامكان مصر استقطاب المليارات من الدولارات في حال سمحت للسياح الإيرانيين بدخول أراضيها، فضلا عن أن ذلك سيمكن الكثير من رجال الأعمال الإيرانيين من الاستثمار في المشاريع المصرية خاصة في مشاريع قناة السويس، في وقت تعاني فيه مصر من بطالة تقترب من الـ ١٥% حسب الإحصائيات الرسمية.

لا شك أن إعادة العلاقات السياسية بين مصر وإيران سيكون لها أثر ايجابي بالغ علی العالم الإسلامي، فضلا عن أثره المباشر علی شعبي كلا البلدين، وبناءً علی هذا وبما أن جميع الدول العربية دون إستثناء (ماعدا مصر) لديها علاقات واسعة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية فان موقف مصر الرافض للعمل علی إعادة العلاقة مع طهران، يعتبر موقفاً غير صائب وفي نفس الوقت مضر بمصالح الشعب المصري العلیا. لذا ينبغي العمل علی تطوير العلاقات الثنائية بين مصر وإيران باسرع وقت ممكن، خاصة بعد الأجواء الإيجابية التي توفرت لتنمية العلاقات بين إيران وجميع دول العالم بعد توقيع الإتفاق النووي من قبل طهران ومجموعة دول “٥+١” في الآونة الاخيرة.

كما أصبح من غير اللائق بالشعب المصري وحكومته أن تكون لهما علاقات وطيدة مع الكيان الإسرائيلي في شتی المجالات، دون أن تكون لمصر وشعبها علاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ ما يقارب الـ ٣٥ عاما. ولايفوتنا هنا أن نذكر بان جامعة طهران، بادرت الی تدريس فرع الدراسات المصرية في كلية دراسات العالم التابعة لهذه الجامعة منذ ثلاثة أعوام، حيث تخرج العديد من الخبراء الإيرانيين بعد أن أكملوا دراساتهم في هذا المجال وحصلوا علی شهادة الماجستير في مجال الدراسات المصرية، وذلك لهدف دراسة التاريخ المصري القديم بدءً من التاريخ الفرعوني حتی يومنا هذا، بالاضافة الی البحث عن سبل بناء التعاون المشترك بين إيران ومصر وتواصل شعبي البلدين.

وفي النهاية لم يبق إلا أن نذكر بان إيران خطت الكثير من الخطوات الإيجابية ولازالت مستعدة لتخطو العديد من الخطوات الأخری لتطوير علاقاتها مع مصر، لكن من المؤسف جداً أننا لا نری الحماس المتبادل من قبل الحكومة المصرية في هذا السياق، ولازلنا ننتظر تحركاً جاداً من قبل الحكومة المصرية للاقتراب مع إيران، دون الحذر من خشية السعودية والكيان الإسرائيلي وأمريكا. بانتظار ذلك الیوم الذي نشهد فيه افتتاح سفارتين لمصر وإيران في كلا البلدين، كما لا يفوتنا القول إن الكيان الإسرائيلي أحد أهم المستفيدين من استمرار القطيعة بين مصر وإيران، وذلك علی حساب شعوب مصر وفلسطين وإيران.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق