مقاربة موضوعية في القدرات النووية: بين مشروعية برنامج طهران وخطر مشروع تل أبيب
في ظل الحديث المتكرر عن إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، يعود الى الواجهة النقاش الدائر إقليمياً ودولياً عن خطر إمتلاك السلاح النووي. وفيما كانت تُروِج تل أبيب لفكرة أن إيران تُشكل خطراً نووياً، لم يعد يمكن اليوم، المضي بهذا النقاش بعد توقيع الغرب إتفاقاً مع طهران، أعطاها حقها في القدرة النووية، واعترف بسلمية وأحقية مشروعها. في حين ينظر العالم لتل أبيب بأنها تُشكل خطراً على الأمن القومي الإقليمي والدولي، لتفردها بسياسة التسلح النووي البعيدة عن الأنظمة والقوانين الدولية. وهو الأمر الطبيعي الذي يتميز به الكيان الإسرائيلي. فكيف يمكن مراجعة هذا الموضوع تاريخياً عبر ربط مسألة التسلح النووي الإسرائيلي بطبيعة الصراع في المنطقة؟ وكيف نجحت طهران بينما فشلت تل أبيب؟
قراءة سريعة تربط الماضي بالحاضر:
إن محاولة تحليل وقراءة المسار السياسي للدول، يحتاج لفهم تاريخها الى جانب معرفة حقيقة المبادئ التي تقوم عليها سياسة هذه الدول. وهنا لا بد من التفريق بين الدول التي تضع سياسياتٍ إستراتيجية طويلة المدى ذات أهداف واضحة، وبين الدول أو الأنظمة التي تقوم سياساتها التنفيذية على أساس الإرتهان لدولٍ كبرى. والمعروف في منطقتنا تحديداً أن أغلب الدول وبالتحديد العربية، تقوم أنظمتها على أساس الحكم المُتداول ضمن العائلة الحاكمة وهو ما أسسه المشروع الأمريكي في المنطقة منذ زمنٍ بعيد. بحيث أن أغلب الدول العربية تضع إستراتيجياتها على كافة الأصعدة، انطلاقاً من مصالح المُخطط الأمريكي وليس الشعب أو الأمة. في حين تميزت إيران، كدولةٍ متعددة الجذور القومية والحضارية تحديداً، بمبادئ تحكمها منذ زمنٍ بعيد، إذ لم يستطع مُستعمرٌ ترويضها أو إخضاعها. وهو ما يُخالف الحال التي اتصفت بها الأنظمة العربية تحديداً، عندما حكمها الغرب لسنين طويلة، ورسَّخ فيها واقعاً سياسياً وإجتماعياً خطيراً ما يزال حتى يومنا هذا. وهنا كان لا بد من هذه المقدمة البسيطة لنصل لما سنسرده تالياً.
بنظرةٍ بسيطة وسريعة للحال التي يتصف بها عالمنا العربي والإسلامي، نجد أن صراعاً خفياً يحصل بين الدولة الأقوى اليوم في منطقتنا وهي إيران، والكيان الذي لا يمكن إعتباره في مصاف الدول من الناحية القانونية والشرعية لأنه قائمٌ على إغتصاب الحقوق، عنيت به الكيان الإسرائيلي. لكن العارف بالسياسات الإستراتيجية وكيفية وضعها، يُدرك أنه لا يمكن نكران حقيقة وجود أدمغةٍ ذكية قامت بوضع سياساتٍ طويلة المدى، أسست لواقع يهدف لتأمين إستمرارية الكيان الإسرائيلي. لكن الذكاء الإسرائيلي لم يكن أكبر من ذكاء رجلٍ قامت على أعتاب نهضته وثورته، دولةٌ وصلت اليوم لمصاف الدول الكبرى، عنيت به الإمام الخميني(قدس سره). وهو الذي استطاع تأسيس واقعٍ يقوم على مبادئ الإسلام، يُعرف بمنظومة ولاية الفقيه، والذي أفضى بنتائجه الإستراتيجية سياسياً وعسكرياً، لترسيخ واقعٍ يحتضن حقوق الشعوب وإنجازاتها، مما أوصل الأمة الإسلامية والعربية، لحالتها اليوم، لتكون قادرةً على فرض شروطها ضمن منظومةٍ تُسمى محور المقاومة.
ولأن المُخطط الصهيوني الذي لم يكن بعيداً في قراءته الإستراتيجية عن المُخطط الرئيسي الأمريكي، لم يسعَ فقط لتقوية نفوذه ككيانٍ غاصب عبر إقامة الحروب وإثارة المشاكل الداخلية للدول، بل سعى لإيجاد واقعٍ له يقوم على هيبة الجيش الإسرائيلي، ويهدف لتأمين السياسات التنفيذية التي تحمي إستمرارية المشروع الصهيوني. لذلك تعاطت قيادات الكيان الإسرائيلي منذ تأسيسه وبالتحديد بن غوريون، ضمن سياسةٍ إستراتيجية تقوم على ما يُعرف بإيجاد “الردع الإستباقي”. ومن خلال مراجعة التاريخ السياسي لتل أبيب نجد أنها سعت دوماً لإمتلاك التميُّز في نقاط القوة، وهو ما يشمل القدرة النووية أيضاً، بهدف التخفيف عن نقطة الضعف التي تعاني منها والتي تتعلق بالخلل الديمغرافي والجغرافي. فتل أبيب تُدرك أن وجودها قائمٌ على الهيبة وترويج القوة. وإنطلاقاً من هذه السياسة، سعت قيادات الكيان الى إمتلاك السلاح النووي لردع الشعوب وتأمين ما يُسمى بإستمرارية (الدولة العبرية). لكنها وبعد أن وجدت رضوخاً من الأنظمة العربية، لقيت في المقابل مقاومةً شرسةً من طهران وما يرتبط بها ضمن ما يُسمى اليوم بمحور المقاومة. وهو الأمر الذي جعل المخطط الصهيوني، يسعى لتشويه صورة إيران على طول التاريخ السياسي الجديد أي بعد الثورة الإسلامية، عبر سَوق العديد من الإتهامات التي لم تُحقق أياً من النتائج المُرتجاة، لحنكة المُخطط الإيراني. فكيف استطاعت إيران فرض نفسها كقوة، وفرض حقوقها النووية؟ وكيف فشلت تل أبيب في مشروعها والذي هدف لضرب إيران، رغم جموحها نحو الحروب واستخدام القوة؟
القدرة النووية: حقٌ لطهران ومشكلةٌ لتل أبيب:
إن القوة بحسب تعريفها عسكرياً وسياسياً هي عبارةٌ عن حُسن إدارة نقاط القوة وليس كما يظن الكثيرون أنها عبارةٌ عن إستخدام نقاط القوة. وهو الفرق البسيط بين السياسة العملية لطهران، وتل أبيب. فعلى الرغم من محاولة الكيان الإسرائيلي كيل الإتهامات بحق مشروع إيران النووي، نجحت إيران بإنتزاع حقها وبالطريقة الدبلوماسية وبعد سنين من المفاوضات. بينما لم تستطع تل أبيب إيجاد مشروعيةٍ لتسلحها النووي. وهي التي تقف منفردة مع دول كوريا الشمالية والهند وباكستان خارج إتفاقية حظر الإنتشار النووي بينما نجد إيران عضواً في الإتفاقيات العالمية التي تُعنى بشرعية الحقوق النووية، بل أيضاً شريكاً في البروتوكول الإختياري الذي يُتيح للمفتشين الدوليين إمكانية التحقق من سلمية البرنامج النووي الخاص بها.
ولا نحتاج للكثير من الأدلة لتبيان حجم الإنتهاك الإسرائيلي في هذا المجال، بل إن مراجعة ما كشفه التقني الإسرائيلي موردخاي فعنونو في تشرين الأول ١٩٨٦ لصحيفة “صنداي تايمز” البريطانية عن إمتلاك كيانه لحوالي ٢٠٠ قنبلة نووية حينها، يكفي. وهو ما أدى به لدخوله السجن لمدة ١٨ عاماً بذريعة إفشاء أسرار تمس أمن (الدولة العبرية). في حين أفاد الصحافي ورئيس مجموعة الشرق الأوسط للبحوث، غرانت سميث من خلال تقريرٍ نشرته وزارة الدفاع الأمريكية، في شباط المنصرم، ويعود تاريخ إعداده لعام ١٩٨٧، بأن الكيان الإسرائيلي هو الوحيد الذي يمتلك أسلحة نووية في الشرق الأوسط.
النتيجة:
إذن سعت تل أبيب للعمل على تسليط الضوء فقط على قدرات إيران النووية والتي تدخل في خانة الشرعية. بينما تمتلك هي رؤوساً نووية، في ظل حمايةٍ وصمت من المجتمع الدولي. وهو ما يعني أن سعي الدول اليوم لإيجاد منطقةٍ خالية من أسلحة الدمار الشامل، يحتاج لمعالجة المشكلة الإسرائيلية الوحيدة، وهو الأمر الذي سيمنعه ضغط تل أبيب دولياً. ليكون الكيان الإسرائيلي، التهديد الأكبر على الأمن القومي الإقليمي والدولي.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق