التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

الشرق الأوسط بين الحاضر والمستقبل: لا أمن إلا بالرهان على الشعوب 

تمضي السنين والعالم العربي والإسلامي يعاني ويلات مخططات الغرب لا سيما أمريكا. في حين يجب القول إن الأنظمة العربية التي حكمت شعوب المنطقة لسنواتٍ طوال، تتحمل المسؤولية الأساسية في رهن دولها للخارج. ولأن التحديات تحتاج لأصحاب الأرض من أجل إزالتها، يجب الوقوف عند حقيقةٍ مفادها أن الغرب وأمريكا لم يتعاط مع منطقة الشرق الأوسط كهدفٍ يجب الحفاظ عليه، بل تعاطى معه كمنطقةٍ يجب إستغلالها لتحقيق المصالح. فكيف يمكن قراءة المشهد الذي يعيشه الشرق الأوسط اليوم من زاوية التهديدات والمخاطر؟ ولماذا يُعتبر استنهاض الشعوب بمنحاه السياسي الحل الوحيد لإعادة الأمن والإستقرار للمنطقة؟

 

عودةٌ للماضي لفهم الحاضر:

قد يعود البعض بالذاكرة للوراء كثيراً، منذ أن كان الصراع العالمي يُدار بين أمريكا والإتحاد السوفيتي. لكن العودة بالتاريخ دون ربطه بالحاضر، لا يكون ذات أهمية. ولأن الأحداث التاريخية تُعيد نفسها، ومن باب التذكير بالحقائق والوقوف عند ما قد يهم الأمة والشعوب، لا بد من قراءة الواقع السياسي الحالي من خلال ربطه بالتاريخ المُتصل به مباشرةً، لتحديد مسار الأمور ومحاولة إصلاح ما خلفته سياسيات الدول الكبرى لا سيما أمريكا والغرب. وهنا نشير لما يلي.

بالعودة الى الوراء قليلاً وبعد سنوات من الصراع في الشرق الأوسط، وتحديداً بعد غزو القوات الأمريكية للعراق، أجرت أدمغة التخطيط الإستراتيجي في واشنطن ما يمكن تسميته إعادة نظرٍ في سياسات أمريكا تجاه المنطقة. فحينها أجمع الخبراء على أن القطب الذي حكم العالم وحيداً لسنوات، يمر بما يمكن تسميته بالإرتباك الإستراتيجي الواضح، مما دفع المخططين حينها للعمل على اكتشاف الأخطاء في محاولةٍ لاستعادة موقع أمريكا القيادي كقوة عالمية. وقتها، تم وضع سؤال أساسي من قبل القيادة الأمريكية للإستراتيجيين، ليجيبوا عليه وهو: هل يتوجب على واشنطن أن تشعر بالقلق بسبب الأخطاء التي تهدد أمن الخليج الفارسي والشرق الأوسط؟ أجاب المخططون بضرورة إعادة النظر في الآليات التنفيذية، مع الإبقاء على الأهداف الإستراتيجية، وتعزيز وضع الكيان الإسرائيلي وبناء علاقاتٍ أمتن مع الداخل السياسي للدول، بالتحديد الخليجية والعربية المُقربة من واشنطن!

وهنا نقول إننا عدنا بالذاكرة الى الوراء لأن السؤال الذي طرحته القيادة الأمريكية حينها، هو ذاته ما يتم التفكير به حالياً في أروقة صناعة القرار في واشنطن. ولعل الواقع السياسي والأمني تغيَّر اليوم، لكن أمريكا التي قد تكون قررت التوجه الى شرق آسيا، لم تستغن مطلقاً عن الشرق الأوسط، في حين أنها تركت لدوله وشعوبه واقعاً مريراً يحتاج للقراءة المتأنية والتحليل العميق.

 

الحاضر اليوم في تنبؤ المستقبل:

يمكن القول إن المنطقة تمر اليوم بالعديد من التحديات التي يجب الوقوف عندها، قبل الدخول في وضع استراتيجياتٍ للحلول. وهنا نُشير للتالي من توصيفٍ للواقع مع تحليله بناحيته السياسية والإقتصادية:

– من الناحية الإقتصادية تعيش المنطقة حالةً من اللاإستقرار في أسعار الموارد لا سيما النفط، الى جانب تعطل إمدادات الطاقة، وهو ما يعود لدخول الإقتصاد السياسي في اللعب الإقليمية مما يجعل شعوب المنطقة تدفع الثمن. فيما تُغذي الدول الكبرى هذه الصراعات لمصالحها الخاصة. وهو الأمر الذي يدفع الدول المنتجة للنفط في الإقليم للقلق على أمنها، الأمر الذي تقوم به الدول الخليجية بالتحديد والتي تعيش على الحماية الأمريكية ضمن معادلة الأمن مقابل النفط. مما أجبرها مؤخراً على الدخول في شراكات جديدة بعد تراجع الدور الأمريكي مع الصين وروسيا تحديداً. 

– من الناحية السياسية الى جانب وجود الكيان الإسرائيلي الذي زرعه الغرب منذ القدم ليكون واقعاً مرسخاً يُهدد الشعوب والدول، ينتشر الإرهاب الدولي الذي كان وليد الفكر الوهابي. وهنا فقد كان الشرق الأوسط ساحته منذ أن بدأ في أفغانستان وصولاً الى العراق فسوريا فالدول الأخرى. لكن التهديد يطال اليوم الدول الكبرى أيضاً. فالإرهاب الذي صنعته واشنطن بالأيدي الخليجية والعربية، لم تستطع إدارته بطريقةٍ مُحكمة، بعد أن أعطته الإمكانات الكافية التي جعلته يصل لمرحلة الإكتفاء الذاتي والقدرة على إدارة الذات، لتدفع شعوب المنطقة الثمن. يُضاف الى ذلك مسألة انتشار أسلحة الدمار الشامل ومنها النووية. وهو الأمر الذي يمكن القول إنه التهديد الأكبر الذي يلوح بالأفق في حال أضفناه على الإرهاب الدولي. في ظل سعي بعض الدول الخليجية كالسعودية مثلاً لإدخال هذا التهديد ضمن معادلات أمنها القومي، دون الأخذ بعين الإعتبار حقيقة المخاطر. فكما تتنبأ نظرية الواقعية السياسية فإن عدم الإستقرار الإقليمي من شأنه تحفيز الدول على اللجوء لشراء المعدات العسكرية والأسلحة النوعية. وعليه فليس من المستغرب أن تكون منطقة الشرق الأوسط أكبر سوق للأسلحة على امتداد العقود الماضية. 

 

ماذا في النتيجة:

من جهةٍ يمكن القول إن كل ما تعاني منه المنطقة هو وليدة السياسات الخارجية. في حين لم تستطع دول المنطقة الإتفاق على آليةٍ للنهوض في استراتيجيات تحقق مصالح شعوب الأمة. فالإرتهان للخارج كان السياسة التي اعتمدتها هذه الدول، لتكون البلاد العربية بأوضاعها كافة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والأمنية رهينة السياسات الغربية. 

ومن جهةٍ أخرى يجب ملاحظة نقاط القوة التي يمكن إستغلالها. فالشعوب اليوم تعي هذه المخاطر، وتؤمن بأن سياسة الإرتهان للخارج لن تأتي إلا بالخراب. وهنا نُشير الى أن تراجع نفوذ واشنطن وارتفاع نفوذ طهران، سيكون لصالح شعوب المنطقة كافة، إذا قررت هذه الأنظمة العربية الجلوس للتحاور وإيجاد آلية لتحقيق وبناء التعاون المشترك. في ظل حلفٍ تقوده إيران وحركات المقاومة في المنطقة، كان السبب الأساسي في ردع التهديد الإسرائيلي وضرب مخططات الغرب وأمريكا.

لنخلص لنتيجةٍ مفادها أن الواقع اليوم يميل لصالح الشعوب التي يجب أن تتحرك في وجه أنظمتها الحاكمة. لتجعل مستقبلها رهين خياراتها البعيدة عن الإعتراف بالكيان الإسرائيلي، والمصممة على المقاومة وتحقيق العزة. ليتبيَّن أن مشروع استنهاض الأمة هو الحل الوحيد، في ظل دولٍ تحكمها أنظمةٌ مُرتهنة، وعدوٍ أمريكي وغربيٍ لا يعرف إلا مصالحه. فمعادلة الأمن الإقليمي التي أصبحت ترتبط بالأمن الدولي اليوم، واضحة الخطوات، وهي تتمثل بحشد الطاقات للعمل على إزالة الكيان الإسرائيلي، ومقاومة الإستكبار الغربي والأمريكي، وإصلاح الأنظمة الداخلية، الى جانب إيجاد صِيَغٍ للتحاور.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق