التحديث الاخير بتاريخ|السبت, أكتوبر 5, 2024

الأردن: بين سخطٍ شعبيٍ دفين يتغلغل فيه متشددون ونظامٍ فاسدٍ يُطيل عمره الإعلام 

عندما اندلع ما سُمي بالربيع العربي، تساءل العديد من المراقبين عن سبب عدم وصول شرارة التغيير للأردن. حينها ظهرت العديد من التحليلات والتي لم تعد ذات أهمية اليوم. أما الآن فيتصدر الإعلام تصريحات تتداولها الصحافة، للمعارض الأردني والصحفي تامر خورما، والذي أشار في حديثه لصحيفة الشرق بنسختها الألمانية، عن أسباب عدم إندلاع ثورةٍ تغييرية في الأردن على الرغم من وجود أرضيةٍ لذلك، منذ سنين طويلة. واضعاً الأسباب في سياقها الإقتصادي والإجتماعي تحديداً. مُشيراً الى أن الأمور اليوم أصبحت خطيرة، مما قد يؤدي بحسب رأيه الى إنقلابٍ أو إنتفاضة مُسلحة، لا يوقفها الا إجراء إصلاحاتٍ أو حل المشكلات الإقتصادية في البلاد. فماذا في تصريحات خورما للصحيفة؟ وكيف يمكن تحليل ذلك؟

 

تقريرٌ حول تصريحات المعارض الأردني لصحيفة الشرق:

إنقلاب عسكري، انتفاضة مسلحة، تدارك اﻷخطاء وحل مشكلات البلاد الإقتصادية، ثلاثة سيناريوهات محتملة تواجه اﻷردن، أعلنها الصحافي الأردني المعارض تامر خورما في سياق حواره مع صحيفة “الشرق” بنسختها الألمانية. وقد ركز الصحافي في حديثه على مستقبل عمان وأسباب فشل ما سُمي بإحتجاجات ٢٠١١، مُشيراً الى أن السبب الأساسي يعود الى عدم وجود استراتيجيةٍ دقيقة للمظاهرات تحدد الأهداف وأسباب التظاهر، مما يجعلها قصيرة المدى عملياً. ثم عاد المعارض الأردني بالذاكرة إلى عام ٢٠٠٦، عندما قام أعضاءٌ من وزارة الزراعة الأردنية بتأسيس حركةٍ إحتجاجية شملت الطبقة العاملة في قطاع الموانئ تحديداً، وظلت هذه الحركة تحشد حتى العام ٢٠٠٩، حيث قامت الحركة بمظاهرات ضخمة في ميناء العقبة، ضد سياسات النظام الفاسدة والساعية لخصخصة القطاع الزراعي. ثم تابع المعارض معلقاً على ذلك بأن قوات الأمن ردت بعنفٍ لا يتناسب مع المطالب السلمية للمظاهرات، والذي أسس لحالةٍ من السخط الشعبي. ثم أكمل المعارض ليذكر أنه في عام ٢٠١٠، اتجهت الطبقة الوسطى وتحديداً قطاع التعليم للإحتجاجات، ولكن دون تقديم النظام أو الحكومة أية حلول للمشاكل.

وفيما يتعلق بإنطلاق ما سُمي بثورات الربيع العربي في المنطقة وتحديداً في تونس ومصر، أشار الصحافي الى أن نشطاء أردنيين نجحوا في تعبئة الجماهير. وجرت أول مظاهرة في ٧ كانون الثاني من العام ٢٠١١ في قرية ذيبان جنوب عمان، لتصبح بعدها الدعوات إلى الإحتجاجات في العاصمة أكثر علنيةً، في حين كانت أحزاب المعارضة مترددة وخائفة من المشاركة، إلا أنها سمحت لشبابها بالمشاركة في المظاهرات دون تأكيد ذلك بشكل رسمي. وظلت المظاهرات تتكرر يوم الجمعة من كل أسبوع في عمان مطالبةً بالإصلاح الإجتماعي ومحاربة الخصخصة والفساد، دون المطالبة العلنية برحيل أو إسقاط النظام. ثم أشار الصحافي الى أنه وبعد تلك الفترة التي لم يكن لها ذلك الأثر الكبير، ظهر الإخوان المسلمون على الساحة، داعين إلى إصلاحات سياسية، مطالبين بتغيير نظام الحكم، مؤكدين على حقهم في المشاركة بالسلطة في وقتٍ كانت أهدافهم تلتقي مع أهداف الأحزاب اليسارية. لكن تغير الأوضاع في سوريا والإنقسام الذي حصل بين ما سُمي بالمعارضة السورية والنظام، أدى الى وقوف الأحزاب الإشتراكية في الأردن وراء النظام السوري فيما دعمت حركة الإخوان المعارضة السورية.

وبعيداً عن التطورات الإقليمية السياسية حينها، أشار المعارض الأردني أن غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار الذي حصل بعدها أدى الى حصول موجة هائلة من الإحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام. وعلى الرغم من وجود شعورٍ عامٍ حينها بإمكانية إندلاع ثورةٍ تغييريةٍ داخلية في الأردن، إلا أن الإحتجاجات لم تستمر لأكثر من أسبوع واحد فقط، لأسبابٍ اختصرها المعارض بذكاء النظام في التعاطي مع المظاهرات، حيث لم يُطلق الرصاص أو يتعاطى بعنف. الى جانب أن وسائل الإعلام الأردنية لعبت دوراً حينها في نقل الصور اليومية للضحايا السوريين بحسب تعبيره، مما جعل الأردنيين يخشون أن يستغل ما يمكن تسميتهم بـ “إسلاميين متعصبين” الفرصة لأنفسهم. لكن وعلى الرغم من ذلك، يُشير الصحافي، بأن عدم تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية في الأردن اليوم، يجعل الفرصة متاحة لتنظيمٍ كداعش لإستغلال الوضع. إلا في حال سارع الملك بإجراء إصلاحات ضرورية.

 

ماذا في التحليل؟

من خلال ما عرضه الصحافي من قراءة تاريخية موجزة لحركة الإحتجاجات في الأردن يمكن تحليل وإستنتاج التالي:

– يوجد في الأردن سخطٌ إجتماعي وإقتصادي واضح المعالم، على الرغم من أنه غير مُعلن. فالحركات التي أشار إليها والتي بدأت منذ العام ٢٠٠٦، شملت قطاعي الزراعة والتعليم، وهي القطاعات المعروفة بأنها تشمل الطبقة الوسطى والفقيرة من الناحية الإجتماعية والإقتصادية. وحين نقول الطبقة الوسطى، فإنه من المعروف إقتصادياً أن الطبقة الوسطى تمثل عادةً الشريحة الأكبر ديموغرافياً في أي دولة. وهو ما يعني أن السخط الشعبي على النظام الأردني يتجاوز نسبة ٥٠%.

– وبعيداً عن الأسباب السياسية، فإن تطور حركة الإحتجاجات على مرِّ السنين ولو بقيت شبه علنية، فإن ذلك يعني أن واقعاً موجوداً وأرضيةً جاهزة، يمكن أن تكون سبباً في تغييرٍ جذري. فمن المعروف في علم الإجتماع السياسي، أن وجود سخطٍ شعبي، وإن كان سرياً، سيتطور مع الزمن ليتحول واقعاً لا يمكن مقاومته أو إرضاؤه إلا بالتغيير السياسي. وهو ما يمكن أن يكون الأردن نموذجاً له اليوم.

– ولأن الإعلام الأردني كغيره من وسائل الإعلام العربية، يقوم بتسليط الضوء وفق سياسات النظام في سياق الإعلام الموجه، فإن الأثر الإعلامي كبير في المجتمع الأردني، لجعله فكرة وجود النظام أو الدولة، أفضل من عدمها. إذ يُروَّج لأن يكون البديل عن النظام دولةً يحكمها المتشددون. وهنا وبغض النظر عن رأينا في هذا الأمر، فإن الحال التي وصل لها المجتمع الأردني، تُشير الى أن تغلغل المجموعات التكفيرية أمرٌ قائم لأسباب إجتماعية، كيف إذا كان الأردن شريكاً في تصدير الإرهاب سياسياً وأمنياً؟

لا شك أن النظام الأردني نجح حتى اليوم في منع أي إنقلابٍ داخلي. لكن الأرضية التي تشمل مجتمعاً ساخطاً على النظام، الى جانب وجود مجموعاتٍ تكفيرية مسلحة، يمكن أن يكون السبب الأساسي في حصول أي تغيير. على الرغم من أن الأصعب من الحال الموجودة، هو القدرة على ضمان حُسن تنفيذ السياسات التغييرية، في ظل تداخُلٍ جيوسياسي محليٍ وإقليمي يتميَّز به الأردن. في حين لا يمكننا إلا انتظار الأيام المقبلة لمعرفة ما ستؤول اليه الأمور.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق