التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, ديسمبر 22, 2024

بريطانيا وحقيقة النظام الحاكم: جمهوريةٌ تحكمها ملكة 

من خلال مراجعة التاريخ السياسي والإجتماعي لبريطانيا، فقد بقيت العائلة المالكة تمتلك القدرة التنفيذية حتى أواخر القرن السابع عشر، حيث كان لأعضاءها الحق في سَنّ القوانين. ولكن مع بداية القرن الثامن عشر، أصبحوا يعملون وفقاً لدستور بلادهم وبذلك أصبحت الملكة بناءاً على الدستور تشغل منصباً فخريّاً. لكن ومن خلال مراقبة سير الأمور في البلاد، نجد الملكة لا تزال تلعبُ دوراً أساسياً في سياسة هذا البلد. وهذا ما تؤكده صلاحياتها الموجودة، مع الإشارة الى أن بريطانيا تقدم نفسها دوماً كدولةٍ نظامها جمهوري، في حين يمكن للملكة أن تكون الحَكَم في كل الملفات تقريباً، من خلال صلاحياتها المطلقة. فما هي صلاحيات ملكة بريطانيا؟ وكيف يمكن تحليل ذلك؟

 

صلاحيات ملكة بريطانيا:

على الرغم من أنّ الدستور لا يسمح للملكة بترشيح نفسها للإنتخابات أو حتى الإدلاء برأيها، إلّا أنها في الحقيقة لا تحتاج لذلك. فمن جملة الصلاحيات التي تمتلكها الملكة، تقديم الإستشارة والنصح لوزراء الحكومة، الى جانب لعبها دوراً مهماً في كافة مؤسسات الدولة البريطانية كالجيش والكنيسة. كما أن هناك عدداً من القضايا والملفات التي يمكن للملكة أن تتدخل فيها وهي عبارة عن:

– قيادة القوات المسلّحة الى جانب توقيع الإتفاقيات الدولية أو إلغاءها. مما يعني عملياً إدارة الشؤون الخارجية للبلاد، حيث يكون تطبيق القوانين بأمرٍ منها.

– عزل وتعيين الوزراء، الى جانب حل أو إغلاق البرلمان والدعوة لعقده، مما يجعل زمام الأمور التشريعية بيدها.

– تعيين أعضاء مجلس الأعيان المؤلف من الأمراء، طبقة النبلاء والشخصيات الثقافية، العلمية، بالإضافة إلى الشخصيات الدينية.

– عزل وتعيين رئيس الوزراء، حيث تستطيع إقصاءه في المواقع الإضطرارية.

– دعم أو الإمتناع عن دعم وتوقيع المقترحات أو المشاريع المقررة من قبل البرلمان مما يُعطيها الحق ليس فقط في نقض التشريعات، بل إلغاءها. ومن المعروف أن الملكة تتولى إفتتاح كل دورة جديدة للبرلمان، بالإضافة لتوقيع القرارات والإعلانات عن طريق هيئة المستشارين الملكية.

 

ماذا يعني ذلك؟

هناك فرقٌ بين النظام الملكي في الحكم والنظام الجمهوري. وهنا نقول التالي:

– إن النظام الملكي هو النظام القديم الذي ساد في أوروبا، وتغير كلياً ابتداءاً من القرن التاسع عشر حيث كانت الثورة الفرنسية سبباً هاماً في احداث هذا التغيير. وهي الثورة التي تمردت على النظام الملكي المستبد والبعيد عن واقع المجتمع لتتقلص شيئاً فشيئاً، صلاحيات الملوك في أوروبا، الى أن أصبحت سلطاتهم محدودة جداً ومناصبهم شرفية لا غير. 

– وبحسب تعريفات الأنظمة فالنظام الجمهوري أو الجمهورية، تُعرَّف بأنها نقيض الملكية. وهي نظام سياسي مختلف عن النظام الملكي، فالشعب يلعب دوراً هاماً في اختيار أو تغيير الحكومة، عبر اختياره من يمثله في التشريع وبالتالي من يحدد نظام الحكم الذي تُدار به البلاد. وهنا نُشير الى أن من إيجابيات النظام الجمهوري والديمقراطي أن هناك فصلاً بين السلطات الثلاث وهي السلطة القضائية والتشريعية والتنفيذية. في حين أن النظام الملكي هو نظام سياسي يكون بموجبه الحاكم (الملك أو السلطان أو الأمير أو الإمبراطور) على رأس الدولة (كانت مملكة أو إمارة أو سلطنة) مدى الحياة. ولا تنتقل السلطة بعد موته إلا لأخيه أو ابنه أو أحد أقربائه الذي يرثه كما يرث ممتلكاته. ويمكن أن تنتقل السلطة في حياة الملك حين يقرر الملك من تلقاء نفسه التخلي عن الحكم لفائدة شخص آخر. كما أن الملك يمتلك صلاحيات مطلقة في تسيير شؤون الدولة، فهو الذي يعين الحكومة والمستشارين وهو الذي يتخذ القرارات الهامة والمصيرية ويعتبر رمزاً لوحدة البلاد.

– وهنا وبحسب ما تقدم من تعريفات، يمكن القول إن بريطانيا أقرب من الناحية التنظيمية السياسية الى التعريف الثاني. حيث تُفيد إدارة شؤون البلاد فيها بأن للملكة صلاحيات مُطلقة، وهو ما يتناقض مع النظام الجمهوري، القائم على أساس الفصل بين السلطات. لذلك لا يمكن القول إن النظام الحاكم في بريطانيا جمهوري، في وقتٍ تقوم فيه الملكة بالتدخل في كل التشريعات بل حتى يمكنها إلغائها.

– وقد يكون الدستور حامياً لصلاحيات الملكة، مما يعني أن النظام في بريطانيا، شرَّع للملكة صلاحياتها من باب إعطائها الحق. لكن يتنافى ذلك عملياً مع أصل النظام الجمهوري. ليتبين أن النظام الحقيقي الحاكم في بريطانيا هو ملكي، بصورةٍ جمهورية. 

ليس الواقع السائد في الدول الأوروبية أفضل بكثير من الواقع السائد في منطقتنا لجهة أنظمة الحكم. فالأنظمة العربية كانت وليدة سياسات الدول الأوروبية التي استعمرت بلادنا لسنواتٍ طوال. ومن ضمن هذه الدول كانت بريطانيا التي عانت منها شعوب المنطقة كثيراً. لكن الأغرب في المسألة هو أن هذه الدول التي تدعي الديمقراطية، تقوم على أساس أنظمة تتناقض مع ما تدعي أو تُروِّج. فصحيحٌ أنها تُؤَمِّن لشعوبها رفاهيةً إقتصاديةً وإجتماعية. لكن على ما يبدو فإن الفساد السياسي يطالها حتى من الناحية الجذرية. فيما أصبحت هذه الدول تعاني من أزماتٍ داخلية، فمنها ما يطالب بالإنفصال أو الإستقلال، ومنها ما يطالب بتغيير النظام، أو تقليص صلاحيات ما يُعرف بالحكم الواحد.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق