رسالة موسكو العسكرية: سعيٌ لحلٍ سياسيٍ في سوريا يقابله سخطٌ أمريكي
يبدو أن الساحة السورية ساحةً مثالية لتبادل الرسائل التحذيرية بين قطبي الصراع العالمي، الروسي والأمريكي. ففي حين تسعى موسكو لإفهام الجميع أن الملف السوري خطٌ أحمر، يشترط أوباما مشاركة الروس في محاربة الإرهاب دون أن يكون ذلك في صالح النظام السوري. جاء ذلك بعد إعلان موسكو عن مناورات عسكرية قبالة الساحل السوري، جعلت العالم ينظر بترقُّب لما سيجري نتيجة إعادة موسكو خلط الأوراق ظرفياً. فماذا في الرسائل المتبادلة بين الطرفين الأمريكي والروسي؟ وما هي القراءة التحليلية لذلك؟
تقريرٌ حول الرسائل الروسية الأمريكية المتبادلة:
بعد أن قامت موسكو بعرضها على الأمريكيين التنسيق في سوريا، كان الرد الأميركي عنيفاً وإن كان خفياً، يحمل الكثير من التهديدات ولو بطريقةٍ دبلوماسية، وصل بعضها إلى الغمز من جهة الصدام العسكري. فقد وجّه الرئيس الأميركي باراك أوباما انتقاداً إلى الدعم الذي تقدمه موسكو لسوريا، مؤكداً ان نتيجته ستكون الفشل، مشترطاً للتوصل الى تسوية سياسية في روسيا، مشاركة موسكو في العمليات التي تشنها واشنطن ضد تنظيم داعش الإرهابي. وقال أوباما في خطابه في ذكرى ١١ أيلول أن “الخبر السيئ هو مضي روسيا بالإعتقاد ان الأسد شخص يستحق الدعم”، مضيفاً أنه “لا يمكنكم المضي في اعتماد استراتيجية آيلة الى الفشل” بحسب تعبيره للروس.
في المقابل، دعا وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى “التنسيق بين الجيش الروسي ووزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) لتجنب أحداث غير متعمدة” في سوريا. ووضع لافروف دعم موسكو لدمشق في إطار “تجنب وقوع حوادث عارضة غير مرغوبة”، كتلك التي حصلت في أوكرانيا العام الماضي. وأعلن لافروف في مؤتمر صحافي في موسكو الجمعة، عن “مناورة بحرية”، خُطط لها مسبقاً بين موسكو ودمشق. في حين نقلت وكالة “رويترز” عن مصدر قريب من البحرية الروسية أن مجموعةً من خمس سفن، مزودة بصواريخ موجهة، أبحرت للقيام بمناورات في المياه السورية، كما أن الجنود سيتدربون على صد هجمات من الجو، والدفاع عن الساحل”، أي تدريب القوات السورية على أنظمة دفاع جوي قصيرة المدى. وتابعت المصادر أن موسكو ستقدم لدمشق صواريخ حديثة مضادة للطائرات من طراز “أس أيه ٢٢”، وهو مطابق للمنظومة التي أرسلها الروس لسوريا عام ٢٠١٣، لكنها أكثر تطوراً.
في السياق نفسه يبدو أن الموقف الفرنسي يختلف في قراءته مع الموقف الأمريكي. فقد عارض وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، التوجه الأميركي، معتبراً انه من المُبكر الحكم على نوايا روسيا تجاه سوريا”، لكنه أشار الى أن “إضافة حرب إلى حرب لن تساعد في حل الصراع”. ومن المتوقع ان يلتقي فابيوس نظراءه الروسي والألماني والأوكراني، في العاصمة الألمانية، لمناقشة الأوضاع في أوكرانيا ونشر قوات روسية في سوريا.
ماذا في التحليل:
يمكن القول أن الأمور ذاهبةٌ الى التوتر في ظل تعنُّتٍ أمريكي واضح، غير مُبرر، يقابله حزم روسي يتعلق بالتعاطي مع الأزمة السورية وهنا نقول التالي:
– تصاعدت حدة الرسائل الدبلوماسية بين موسكو وواشنطن، على خلفية إعلان موسكو الدعم الذي تقدّمه للجيش السوري، في إطار تعزيز قدراته على مكافحة الإرهاب. وهو ما يعني أن واشنطن فهمت الرسالة الروسية بأن موسكو ستقوم بكل ما تستطيع فعله للحفاظ على النظام السوري وتحقيق إرادة الشعب السوري، وصولاً الى التدخل العسكري. وهنا لا يمكن القول أن واشنطن مُخطئة في فهمها للرسالة الروسية، فقيام دولةٍ عظمى كروسيا بمناورةٍ عسكرية ضخمة وعلنية قبالة الساحل السوري، تعني ذلك. لكن المُستغرب هو التصعيد الأمريكي غير المُبرر، بدل محاولة التنسيق مع موسكو، خصوصاً بعد أن دعت رسمياً لذلك عبر وزير خارجيتها.
– وهو ما يعني عملياً أن الخطوة الروسية جاءت لتضُر بمصالح أمريكا، لا سيما أنها من الناحية العسكرية تعني إعادةً في خلط موازين القوى على الأرض السورية، وهو ما يبدو أن واشنطن لا تريده وإن كان هذا التوجه الروسي يصب في مصلحة مكافحة تنظيم داعش الإرهابي والذي تدعي أمريكا قتاله. وهو ما تؤكده في نفس السياق تصريحات مبعوث أوباما لقيادة التحالف الدولي ضد داعش، الجنرال المتقاعد جون آلن، والذي رفع من مستوى التحذيرات حين قال لشبكة CNN إن “وجود قوات روسية على الأراضي السورية يخلق مشكلة جديدة، وقد يدفع بالقوات الروسية لمواجهة قوات من التحالف”. وهو ما دعا الفرنسيين لطلب قيام الأطراف بضبط النفس لا سيما الطرف الأمريكي الذي ذهب الى التصعيد.
لا شك أن روسيا تسعى لضمانة ورقة قوةٍ في يدها بالتنسيق مع حليفها الدولي إيران، الى جانب حزب الله والنظام السوري، في كل ما يتعلق بنقاط القوة التي تحكم الميدان السوري. وهو ما جعل روسيا تقوم بخطوة بمستواها كدولةٍ ذات نفوذ عالمي، للضغط من أجل الحل السياسي في سوريا. في حين يبدو أن الطرف الأمريكي وحلفاءه، يريدون إبقاء الساحة السورية ساحةً للصراع. وهو ما يخالف تطلعات الشعب السوري ومصلحته.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق