التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

مواجهة الفكر التكفيري، ضرورة لعودة الأمن والإستقرار الی المنطقة 

 لم يعان العالم الإسلامي في اي وقت مضی من ظاهرة التكفير كما يعانيه الیوم من هذه الظاهرة، حيث أصبحت فئة من علماء بعض المذاهب الإسلامية، تصدر العديد من الفتاوى، لتكفير المسلمين، دون أن تنطبق علیهم مواصفات الكفر والإلحاد، كما حددها الله سبحانه وتعالی في كتابه الحكيم، وكما جاءت في النصوص الدينية التي نقلت عن مصادر الإسلام الصحيحة. حيث زهقت أرواح المئات من الآلاف إن لم نقل الملايين من أرواح المسلمين، خلال العقود الأخيرة، إثر إباحة قتل المسلمين، وخاصة المسلمين الشيعة، بعد الفتاوى التي أصدرتها فئة من علماء الوهابية والسلفية، حيث لم تعد هذه الفتاوى تستهدف المسلمين الشيعة لوحدهم، بل أصبحت تستهدف جميع فئات المسلمين الذين لا يؤمنون بالفكر التكفيري. اذن ماذا يجب أن تفعله الأمة الإسلامية، شیعة وسنة لمواجهة التطرف والفكر التكفيري؟ 

 

في هذا السياق كشفت مصادر دبلوماسية مطلعة، حضرت جلسات مغلقة لاجتماع المندوبين الدائمين للدول العربية في جامعة الدول العربية، الذي عقد الأربعاء الماضي، أن بعض الدول العربية مثل قطر والسعودية  افشلت طلباً عراقياً تضمن دعوة لوزراء العدل العرب، من أجل تبني اتفاقية عربية لـ «تجريم الفكر التكفيري». وقالت المصادر بأن قطر والسعودية، عارضت هذا الطلب العراقي الذي سعت بغداد إلى ان يكون بندا من بنود قرار حماية الامن القومي العربي، بالاضافة الی حث الدول الاخری على تشريع قوانين وطنية في نفس السياق لتجريم الفكر التكفيري، الذي الحق دماراً هائلاً في العديد من دول المنطقة والعالم. 

 

وفي هذه الاثناء اعلن مكتب السيد إبراهيم الجعفري وزير الخارجية العراقي الیوم السبت، قبل توجهه الی العاصمة المصرية القاهرة للمشاركة في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية، أن «اجتماعات الجامعة العربية ستناقش هيكليّة الجامعة، والسياسات العامّة، علاوة على مناقشة المبادَرة التي طرحها العراق بتجريم الفكر التكفيري». واضاف هذا البيان ان «هذا الفكر قدَّم نماذج أساءت للإسلام، وأساءت للعرب، ودول المنطقة، فمن غير المعقول أن نقف مكتوفي الأيدي وهذا الفكر يُحرّض، ويُكوّن هكذا ظواهر شاذة تفترس الإنسان، وتهتك الحُرُمات». 

 

يجب ان لا ننسی أن الجماعات التكفيرية باتت الیوم توجّه رأس حربتها باتجاه فصائل المقاومة التي تتصدى للكيان الإسرائيلي، وبناء علی هذا فانه سوف يصبح من يساند الجماعات التكفيرية ويقف بوجه اي محاولة لمواجهة هذه الجماعات، سوف يعتبر داعما رئيسيا للكيان الإسرائيلي، سواء علم بذلك أم لم يعلم. ومن الواضح جداً أن الكيان الإسرائيلي يحاول اليوم عبر المجموعات التكفيرية، وضع القضية الفلسطينية علی هامش أولويات العالم الإسلامي، إذن فان اي موقف متعاطف من قبل دول المنطقة مع الفكر التكفيري یعتبر خدمة جلية للكيان الإسرائيلي علی حساب القضية الفلسطينية. بالاضافة الی ذلك فانه علی الدول التي أعلنت معارضتها، لمحاربة الفكر التكفيري أن تعلم أن الشعوب الإسلامية ستصنفها بانها دول راعية للفكر التكفيري والإرهاب والتطرف في المنطقة. 

 

حيث أصبح من حق المجتمعات الإسلامية، أن تسأل عن فحوی معارضة بعض دول المنطقة لتجريم الفكر التكفيري، وحيث يجب أن نسأل لماذا هذه المعارضة، بعد كل المجازر الدموية التي ارتكبتها التنظيمات التكفيرية وفي مقدمتها جبهة النصرة وتنظيم داعش والقاعدة واخواتها، في سوریا والعراق ومصر، والتي تسير جميعها علی الفكر السلفي التكفيري؟ لماذا لا توافق هذه الدول علی مواجهة الفكر التكفيري الذي يبيح اراقة دماء المسلمين والمسيحيين واتباع الاقليات الدينية الاخری مثل الايزيديين؟ وإذاما نظرنا في القانون الدولي، فاننا سنجد أن هذه التصرفات من قبل بعض دول المنطقة التي تتعاطف مع الفكر التكفيري تعتبر دعما لا لبس فيه للارهاب الدولي. 

 

وبالرغم من الجهود المحمودة التي تصدر عن الكثير من علماء الازهر الشريف، والتي تعارض الفكر التكفيري المتشدد، فان هذه المعارضة الأزهرية عادة ما تصطدم بالموقف السعودي المتشدد والداعم للفكر التكفيري، ولهذا لم نر لحد الآن نجاحاً باهراً لجهود الأزهر في عملية التصدي للفكر التكفيري. حيث أكد «مؤتمر المجلس الأعلى المصري للشؤون الإسلامية» خلال إحدى جلساته العام الماضي في القاهرة علی ضرورة الابتعاد، كل البعد، عن فكرة تكفير الاخرین. وأكد المشاركون في هذا المؤتمر أنه لا يجوز اطلاق مصطلح التكفير علی أي انسان خاصة إذا كان مسلماً، إلا بعد ثبوت ذلك عبر أهل العلم والإختصاص الذين ينتمون الی المجامع العلمية والفقهية المختصة. لكن رغم هذا فانه لم يمض يوم إلا ونری العديد من المشايخ السعوديين، يكفرون فئة كبيرة من المسلمين وبشكل علني وعبر القنوات الفضائية. 

 

ومن خلال متابعة خطب عدنان العرعور ومحمد العريفي، والعشرات من علماء هذه الزمرة التكفيرية، الذين يحظون جميعهم بدعم واسع من قبل المؤسسة الدينية والسياسية في السعودية، نعرف ان عشرات الفتاوى صدرت من قبل هذه الفئة من “رجال الدين”، في تكفير مئات الملايين من المسلمين الشيعة، دون أن يتم ملاحقتهم من قبل النظام السعودي. وأصبح العريفي كانه لا شغل له سوی مهاجمة الشيعة والتحريض علی معتقداتهم الإسلامية، بدءً من السب والشتم ضدهم، وصولا الی تكفيرهم والدعوة الی قتلهم في شتی دول المنطقة. 

 

وفي وقت سابق، أثارت تصريحات وفتوی أحد المشايخ السلفية في المغرب، المدعو «عبد الحميد أبو النعيم» الذي أفتی بتكفير رئيس حزب الاتحاد الاشتراكي المغربي، أثارت موجة عارمة من الغضب داخل المجتمع المغربي، حيث طالبت جمعية «بيت الحكمة» المغربية بتجريم التكفير ومواجهة العلماء الذين باتوا من خلال فتاويهم يهددون الأمن والسلم في البلاد. وأشارت الجمعية في بيان صدر من قبلها أن «دعوات التكفير (..)، تعتبر تحصينا مباشرا لدعوات القتل، وحماية معنوية للفكر الإرهابي، ومسوغا عمليا لاستنبات وزرع الحقد والعنف والتطرف» في البلاد. علماء المغرب ليسوا وحدهم من أصبح ينادي بضرورة مواجهة ظاهرة التكفير، بل أن معظم علماء العالم الإسلامي، ما عدا القليل منهم، أصبحوا ينادون بضرورة مواجهة الفكر التكفيري، بما يشكله من كوارث جسيمة علی المجتمعات الإسلامية. 

 

وفي النهاية يجب أن نذكر أن الدول الإسلامية وبسبب غفلتها عن فتاوى علماء التكفير ضد المجتمعات الشيعية، باتت الیوم ودون إستثناء، تدفع ثمناً باهضاً عبر مؤامرة التكفير التي باتت تستهدف معظم دول المنطقة، بدءً من سوريا والعراق، وصولا الی مصر وتونس والمغرب وباكستان وأفغانستان ودول اخری. ولهذا يجب علی العالم الإسلامي أن يواجه وبكل حزم، علماء الفكر التكفيري الذين ينتمي معظمهم إن لم نقل جميعهم، الی مذهب الوهابية والسلفية التكفيرية، قبل أن يصبح العالم الإسلامي باكمله مرتعاً خصباً لتنظيم داعش الإرهابي والجماعات التكفيرية الاخری. 

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق