نتائج زيارة الملك السعودي لواشنطن بين الحقيقة والأوهام
أغرقت الصحف ووسائل الاعلام السعودية في التفاؤل في تقييم نتائج زيارة الملك سلمان إلى أمريكا ولقائه الرئيس الأمريكي باراك أوباما، حيث وصفت المصادر السعودية الزيارة بالتاريخية وحاولت إعطائها الصفة التأسيسية لمرحلة جديدة.
وقد رافق الملك السعودي في زيارته إلى أمريكا أكثر من ٦٠٠ شخص من حاشيته، ضمن أجواء متعمدة من البذخ المفرط والتي أشرفت عليها السفارة السعودية في واشنطن، الأمر الذي لاقى انتقادات واسعة من الصحف الغربية، ووصفه مراقبون بأنه محاولة سعودية لاحاطة الزيارة بشيء من العظمة.
من جانبها، شبّهت جريدة الرياض السعودية، لقاء سلمان- أوباما، بلقاء “كوينسي” الشهير الذي جرى في عام ١٩٤٥ بين الملك عبدالعزيز والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت في خليج السويس في مصر، وهو اللقاء الذي وضع أسس العلاقة الاقتصادية والأمنية والعسكرية بين النظامين الأمريكي والسعودي، حيث وقع الجانبان اتفاقية تقضي بالسماح لأمريكا بنشر قواعدها العسكرية على طول الأراضي السعودية، والحصول على امتيازات اقتصادية ونفطية هامة في السعودية، في مقابل تعهدها بحماية نظام آل سعود من أي تهديد داخلي أو خارجي.
إلا أن المقاربة التي قدمتها جريدة الرياض السعودية، لا تبدو قريبة من الواقع، حيث أن الظروف التي تمر بها المنطقة اليوم لم تعد كما في السابق، والمصالح المشتركة بين النظامين الأمريكي والسعودي انخفضت كثيراً قياساً لما كانت عليه قبل سبعين عاماً، فإنتاج أمريكا اليوم من النفط فاق نظيره السعودي، وبالتالي فإن حاجتها للنفط السعودي باتت أقل، ومن ناحية أخرى فإن علاقة أمريكا مع السعودية، بدأت تشكل عبئاً ثقيلاً على النظام الأمريكي الذي يرفع شعارات الديموقراطية، في حين تربطه علاقة وثيقة مع نظام حكم ملكي على شاكلة العصور الوسطى، وقد انتقد الرئيس أوباما وضع الحريات في السعودية عدة مرات، حيث صرح بأن الخطر الاكبر على السعودية ليس ايران، وانما يأتي من الداخل، اي من الشباب الساخط العاطل عن العمل، في ظل غياب حريات التعبير والقضاء النزيه والتوزيع العادل للثروة.
ومن ناحية أخرى بدأت أمريکا تتبرم من انفلات عقال الجماعات المتشددة من يد السعودية، وعدم قدرة السعودية السيطرة على الجماعات الجهادية المتطرفة التي حظيت بدعم سعودي وأمريكي في أفغانستان إبان الغزو السوفيتي، الأمر الذي بدأ يشكل تهديداً للدول الغربية وقد أسفر عن عمليات ارهابية في العديد منها. ومؤخراً بدأت بعض الصحف الأمريكية المعروفة بقربها من مراكز القرار في البيت الأبيض، تصف السعودية بأنها مصدر الارهاب في العالم.
ما يريده النظام السعودي من أمريكا هو أن تعمل الأخيرة ككلب حراسة لدى العائلة السعودية، لكنها ربما لم تدرك بأن قدرتها على اعطاء الثمن الذي تطمح إليه أمريكا قد انحسرت بشكل كبير، وذلك في ظل صعود قوى اقليمية جديدة ومؤثرة في المنطقة، وتوقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى في العالم، وتراجع دور السعودية في زعامة “العالم الاسلامي السني” لصالح قطر وتركيا، وانفلات عقال الارهاب وارتداده على الداخل السعودي، والتورط في حرب اليمن دون القدرة على حسمها، إضافة إلى الخلافات داخل العائلة الحاكمة السعودية على خلفية أزمة انتقال الحكم.
باختصار يمكن القول بأن كل ما حققته زيارة الملك سلمان إلى أمريكا، هو تسعير سباق التسلح في المنطقة، وتكريس “الولد المدلل” محمد بن سلمان، ملكاً قادماً للسعودية.
حيث وقع البنتاغون الأمريكي اتفاقاً لبيع أسلحة للنظام السعودي بقيمة مليار دولار، كما أجرى الجانب السعودي نقاشات مع الحكومة الأمريكية لشراء فرقاطتين، في صفقة قد تتجاوز قيمتها مليار دولار، حيث تضاف هذه الصفقات إلى صفقات سابقة ولاحقة بمليارات الدولارات، جاءت كرد فعل على الاتفاق النووي الإيراني، ولتمويل الحروب المباشرة وغير المباشرة التي تشنها السعودية على كل من اليمن وسوريا.
من جهة أخرى كان لافتاً مساعي تعويم ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي رافق والده الملك في زيارته إلى واشنطن، حيث ظهر ذلك من خلال إعلان وزير الخارجية عادل الجبير أن الرؤية السعودية للعلاقة الاستراتيجية بين السعودية وأمريكا، قدّمها ولي ولي العهد السعودي نيابة عن والده الملك للرئيس أوباما.
أما التصريحات الأمريكية حول ضرورة رحيل الرئيس السوري بشار الأسد والتطمينات حول الاتفاق النووي الإيراني، فلا يبدو أنها كانت كافية لرفع هواجس السعوديين تجاه أحداث المنطقة، فالتصريحات شيء والواقع شيء آخر.
حيث وبعد عودة الملك السعودي من واشنطن، بدت خيبة الأمل السعودية تظهر من خلال العديد من الأحداث والمواقف السعودية، حيث يرى مراقبون أن الاندفاعة السعودية تجاه الكيان الاسرائيلي والتصريحات التطبيعية التي أدلى بها الجنرال السعودي السابق والمقرب من دوائر القرار السعودي أنور عشقي، والتي أشاد فيها برئيس وزراء الکيان الاسرائيلي بنيامين نتنياهو واصفاً إياه بـ “القوي والمنطقي”، إنما جاءت نتيجة خيبة الأمل بالحليف الأمريكي.
من ناحية أخرى تم إلغاء الزيارة التي كان من المقرر أن يقوم بها الملك سلمان إلى مصر بعد عودته من واشنطن، حيث اصطدم الملك السعودي بواقع جديد يتمثل بتصعيد الروس من دعمهم للنظام السوري، ومساعي مصرية للاستقلال عن المواقف السعودية والخليجية بشكل عام، عبر التقارب مع النظام السوري وروسيا على حساب التقارب مع السعودية، وهو ما تجلى في الزيارة غير المعلنة لرئيس مجلس الأمن القومي السوري علي مملوك إلى مصر.
يبدو أن أمام السعودية المزيد من خيبات الأمل، في ظل سياساتها المتخبطة وغير المتوازنة تجاه التغييرات الحاصلة في المنطقة، فالسياسات السعودية بدأت تعطي نتائج عكسية، وتفرض اعباءا كبيرة، مادية وبشرية وأمنية على كاهل شعبها وبقية شعوب المنطقة.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق