السيادة أوّلا؛ عقبات وثغرات الاتفاقية الأمنية بين كابل وواشنطن
شهد أواخر العام الفائت ٢٠١٤ توقيع اتفاقية أمنية بين أفغانستان وأمريكا تسمح ببقاء جزء من القوات الأمريكية في أفغانستان، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ بداية العام الجاري على أن تستمر حتى نهاية عام ٢٠٢٤، ووفقًا لهذه الاتفاقية تقوم القوات الأمريكية بدعم القوات الأفغانية وتدريبها، ورغم حداثة عهد هذا الاتفاق إلا أن الأصوات المنددة بدأت تعلو في الأفق، إذ طالب البرلمان الأفغاني في إبريل/نيسان الماضي الحكومة بمراجعة الاتفاقية الأمنية والتعديل عليها، واعتبر البرلمان أنه لم يكن للاتفاقية الأمنية آثار إيجابية في تحسين الأوضاع بل على العكس الوضع توتر أكثر من من ذي قبل.
عدم تأثير الاتفاقية إيجابيًا على الأوضاع ليس أمرًا غامضًا، فأفغانستان كانت ولا زالت تتعرض لقصفٍ مدفعي من داخل حدود الجارة باكستان، كما حاولت القوات الباكستانية التوغل داخل الأراضي الأفغانية، ورغم هذا لم يظهر للاتفاقية أي تأثير إيجابي في حماية أفغانستان من الأخطار الخارجية، ناهيك عن الوضع الأمني الداخلي الذي لم يتحسن بعد الاتفاقية، بل ويمكن القول أنه ازداد سوءًا بسبب اعتراض بعض التنظيمات المسلحة للاتفاقية مع واشنطن، واعتمادًا على هذا يمكن القول أن الاتفاقية تحتاج إلى المزيد من التفاصيل والتوضيحات، فدون تعريف محدد وواضح للاعتداء الأجنبي على أحد طرفي الاتفاق ولدور القوات الأمريكية المتواجدة على الأراضي الأفغانية، يبقي الأمور في حالة غموض، وبهذا الشكل لن تجني أفغانستان أي فائدة من الاتفاق الذي يسمح لأمريكا بالتدخل وقتما تشاء لحفظ مصالحها دون الأخذ بعين الإعتبار المصالح الأفغانية.
ومن العقبات التي بدأت تعيق الاستمرار في الاتفاق، عدم التزام واشنطن بحفظ السيادة الأفغانية، فالقوات الأمريكية المتواجدة في أفغانستان باتت تملك سجونًا خاصة بها، تعتقل من تشاء وفق رغبتها ودون علم السلطات الأفغانية، كما أقدم الأمريكيون على الدخول في مفاوضات مباشرة مع بعض التنظيمات المسلحة دون أخذ إذن السلطات الأفغانية، وهذا يعزز حقيقة استغلال واشنطن للاتفاق لحفظ مصالحها وتنفيذ سياساتها.
ومما يقلق الجانب الأفغاني قيام القوات الأمريكية بعمليات عسكرية دون علم وموافقة الحكومة، كما جرى سابقًا أثناء تواجد القوات الأمريكية، بالإضافة إلى وقوع أحداث عديدة قُتل فيها مواطنون أفغان على يد القوات الأمريكية، ولهذا فإن أفغانستان تصر على الحصول على ضمانات بعدم تكرر هكذا أحداث في المستقبل، ناهيك عن أن الضمانات الأمريكية غير موثوقة وغير قابلة للاعتماد، وهذا ما يزيد الأمور تعقيدًا.
ومن الأمور التي تهدد الاتفاقية بين واشنطن وكابل، الحصانة التي يتمتع بها الجنود الأمريكيون، وإن كانت هذه الحصانة لا تعني عدم محاكمة الجنود، إلا أنها لا تسمح إلا للقضاء الأمريكي بمحاكمتهم، ووفق هذه الحصانة لا تجري المحاكمة إلا في القواعد الأمريكية التي تخضع لقوانين واشنطن، وهذا بمثابة إعطاء امتيازات للقوات الأمريكية والسماح لها بخرق القانون الأفغاني، الأمر الذي ترفضه كابل بشدة.
إضافةً إلى كل نقاط الضعف السابقة التي تعاني منها الاتفاقية الأمنية بين كابل وواشنطن، يبقى قرار المواطنين في غاية الأهمية، فالشعب الأفغاني الذي شهد سلوك القوات الأمريكية في بلاده خلال سنوات طويلة، بات غير متحمس لتواجدها فترة أطول، وخاصة أن تواجد قوات أمريكية في البلاد يجعل من أفغانستان ساحة حرب لتصفية الحسابات بين الجماعات المسلحة وواشنطن، بالإضافة إلى التوتر الذي سينشأ بين أفغانستان والدول المجاورة، فوجود قواعد أمريكية في البلاد إلى جانب الاتفاقيات الأمنية الموقعة بين الطرفين يعني دخول كابل في حلف أمريكا، وهذا سيؤثر على علاقاتها مع دول الجوار.
مع كل السلبيات التي تحملها الاتفاقية الأمنية الموقعة بين كابل وواشنطن وخاصةً انتهاك السيادة الأفغانية، ورغم رغبة البرلمان بتعديل الاتفاقية وإعادة دراستها، إلا أن الحكومة الأفغانية قد لا تتمكن من إنهاء هذه الاتفاقية أو تغيير محتواها وخاصةً إذا كانت الرغبات الأفغانية تخالف المصالح الأمريكية، وتعزز قدرة الدولة الأفغانية التي تسعى واشنطن إلى إبقائها ضعيفة وبحاجة إلى المساعدة الأمريكية.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق