حركة “طالبان” تغير استراتيجيتها العسكرية في افغانستان .. الخلفيات والأهداف
بعد سنوات طويلة من التدخل العسكري الأجنبي في شؤون أفغانستان المتمثل بوجود قوات حلف الناتو التي تقودها أمريكا وما سببه هذا التدخل من كوارث ومآسٍ للشعب الافغاني، دخل هذا البلد مرحلة جديدة من الصراع بين الجماعات المسلحة وفي مقدمتها حركة “طالبان” وحكومة الوحدة الوطنية رغم مساعي الاخيرة للتوصل الى اتفاق لإعادة الأمن والاستقرار الى البلاد.
فبعد توقيع الحكومة الافغانية الاتفاقية الأمنية مع واشنطن والتي نصت على خروج القوات الامريكية من هذا البلد في نهاية العام الجاري، بدأت أمريكا وحلفاؤها الغربيون وفي مقدمتها بريطانيا وبالتعاون مع بعض الدول الاقليمية ومن بينها السعودية وباكستان بإثارة التوتر من جديد بين الفرقاء الافغانيين لتحقيق أهداف سياسية تضمن لهذه الدول الحفاظ على مصالحها في هذا البلد.
ومن الافرازات التي تمخضت عن التدخل الغربي والاقليمي في شؤون أفغانستان على الصعيدين الأمني والسياسي، زيادة العمليات الارهابية التي تستهدف المواطنين والقوات الأمنية والمؤسسات الحكومية في هذا البلد والتي تحول دون مواصلة مفاوضات السلام بين الحكومة الافغانية والجماعات المسلحة وخصوصاً حركة طالبان.
ومنذ بضعة أشهر برزت أزمة جديدة في أفغانستان تمثلت هذه المرة بمحاولة تنظيم “داعش” الارهابي الانتقال الى هذا البلد في إطار مشروعه التوسعي المسمى “دولة الخلافة” وذلك من خلال تنفيذ عمليات ارهابية على غرار ما يقوم به هذا التنظيم في دول أخرى في المنطقة لاسيما في العراق وسوريا.
وبعد موت زعيم حركة طالبان “الملا عمر” واختيار “الملا أختر منصور” زعيماً جديداً للحركة حصلت انشقاقات بين عناصرها وتوجه الكثير منهم للالتحاق بتنظيم “داعش”، الأمر الذي جعل طالبان أمام تحدٍ آخر قد يهدد بقاءها واستمرارها في المستقبل، ما دفعها الى التحرك لزيادة عملياتها العسكرية في أفغانستان من أجل إثبات وجودها ولفت الانظار اليها بشكل خاص من جهة، والضغط على الحكومة الافغانية للحصول على مكاسب سياسية خلال مفاوضاتها معها “لإقرار السلام” من جهة أخرى.
ويعتقد الكثير من المراقبين بأن ظهور “داعش” في أفغانستان تقف وراءه جهات أجنبية في مقدمتها أمريكا لتنفيذ مخطط جديد يهدف الى إبقاء البلاد في دوامة الصراعات الدموية التي تخدم المشروع الغربي الذي تقوده واشنطن في عموم المنطقة.
وأثار هذا المخطط حفيظة طالبان كونه يهدد مستقبلها ويضعف دورها على الصعيدين العسكري والسياسي في أفغانستان، ولهذا عمدت الى زيادة عملياتها ضد القوات والمؤسسات الحكومية لإرسال رسالة مفادها بأنها الأقوى من بين الجماعات المسلحة، وبالتالي لابد من التفاوض معها دون غيرها من تلك الجماعات إذا ما ارادت حكومة الوحدة الوطنية إقرار السلام في البلاد.
وقبل فترة أرسل “الملا أختر منصور” رسالة الى زعيم تنظيم “داعش” الارهابي (أبو بكر البغدادي) يطالبه فيها بالكف عن ارسال قواته الى أفغانستان، لكن يبدو من خلال الدلائل والمعطيات المتوفرة أن الأخير رفض هذا الطلب، متذرعاً بأن طالبان قد فشلت في تحقيق هدفها في هذا البلد طيلة السنوات الثلاثة عشر الماضية ويجب عليها أن تترك الساحة لعناصر “داعش” لإقامة ما يسمى “دولة الخلافة”.
ومن خلال هذا الرد فهمت قيادة “طالبان” انها قد تخسر موقعها العسكري والسياسي في أفغانستان إذا تمكنت عناصر “داعش” من التوسع على حسابها في هذا البلد، ولهذا باشرت بإتخاذ خطوات عملية لترميم هيكليتها واستعادة قوتها، وقامت خلال الشهرين الماضيين بتوسيع دائرة عملياتها الانتحارية ضد المؤسسات الحكومية والتي كان آخرها الهجوم الذي استهدف مبنى البرلمان الأفغاني في العاصمة كابول وأدى الى إصابة نحو 20 شخصاً على الأقل بجروح.
من خلال هذه المعطيات يتبين بوضوح أن حركة طالبان لجأت الى تغيير استراتيجيتها العسكرية لمواجهة التطورات الميدانية التي تشهدها أفغانستان بعد بروز تنظيم “داعش” الإرهابي في هذا البلد، ومواجهة التغيرات السياسية التي نجمت عن ذلك لاسيما ما يتعلق بمفاوضات السلام مع حكومة الوحدة الوطنية التي يترأسها (أشرف غني أحمدزي).
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق