التحديث الاخير بتاريخ|السبت, أكتوبر 5, 2024

الحرب الباردة وتغيُّر المعادلات: كيف يمكن وصف الواقع العالمي الجديد في ظل تعدد الأقطاب؟ 

 قد يختلف المراقبون حول توصيف الحرب بين موسكو وواشنطن لناحية مستقبلها، أو الى ما ستؤول اليه. لكن جميع المراقبين متفقون أن ما يجري حالياً بين الندين الأمريكي والروسي، هو حربٌ باردة. فأمريكا التي خرجت من الشرق الأوسط بعد فشلها في العراق مؤخراً، ثم خسرت رهاناتها في سوريا، تقوم بتوجيه إهتماماتها لشرق آسيا. في حين أن الدب الروسي خرج من نتائج الأزمة السورية قوياً حتى الآن، الى جانب أنه لم يدخل رهاناتٍ خاسرة. إضافةً الى ذلك، فإن الأزمة الأوكرانية كانت نقطة التحول في عودة الحرب الباردة بين الطرفين. فكيف يمكن تقييم الوضع القائم حالياً بين موسكو وواشنطن؟ وماذا في دلالات ذلك الإستراتيجية؟ 

 

الأزمة الأوكرانية: نقطة التحول نحو التوتر

يمكن القول إن الأزمة الأوكرانية كانت السبب الرئيسي في عودة الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن، بعد أن كانت في حالة جمود لفترة. فيما جاءت تحذيرات الرئيس أوباما من أن موسكو ستبقى معزولة إذا بقيت على موقفها من الأزمة الأوكرانية، لتُشكِّل دفعاً في سياق التوتر، لا سيما بعد قمة العشرين التي عُقدت في استراليا مؤخراً، وظهرت فيها بوادر العداء الغربي لموسكو لا سيما الأوروبي. 

ومن خلال النظر الى الأزمة الأوكرانية بطريقة موضوعية تأخذ بعين الإعتبار الجغرافيا السياسية، يمكن القول إن هذه الأزمة شكلت بداية إحتدام الصراع بين روسيا والغرب، وليس السبب في الصراع. فالصراع المُحتدم بين الفريقين طويل العهد، لكن هذه الأزمة جاءت لتكون إضافةً على الخلافات الموجودة حول الشرق الأوسط، الى جانب الأزمة السورية. ولعل ردة الفعل الأمريكية المتعلقة بنشر الدرع الصاروخية، الى جانب الجموح الأوروبي في المضي قدماً بسياسة العقوبات الإقتصادية على موسكو، جعل الأخيرة تُعيد النظر في حساباتها تجاه العلاقة بينها وبين الغرب لا سيما أوروبا. ولا شك أن الروابط القانونية والأسس التاريخية والجغرافية التي تربط روسيا بأوكرانيا والقرم والتي تعطي الطرف الروسي الحق في وجهة نظره تجاه الأزمة، تختلف عن تلك التي تجعل واشنطن تدخل الأزمة من منطلق مصالحها وبالتحديد محاولة إيجاد حالة واقعية عسكرية يمكن استغلالها للضغط على روسيا. 

 

بناءاً لما تقدم كيف يمكن تحليل الدلالات، خصوصاً نقاط القوة والضعف للطرفين؟ 

من خلال مراقبة الأحداث، يمكن القول إن واشنطن وإن كانت تتحدث بنبرةٍ يدخل فيها التحدي، فإنها في الحقيقة نبرة ضعف. فظهور قوى جديدة على الساحة الدولية أخرج واشنطن من سياسة القطب الواحد التي جعلتها تتربع على عرش العالم كقوةٍ عظمى لفترة من الزمن. لكنها وبعد إخفاقها منذ سنوات في تحقيق أي إنجاز، بدأت تتعاطى ضمن سياسة إشراك الخصوم من خلال تقاسم النتائج. لكن الأطراف الأخرى كانت أقوى نفوذاً، إذ أن العداء التاريخي بين واشنطن وموسكو الى جانب بكين، طغى على تلك المصالح التي قد تكون مُشتركة ظرفياً. كما أن تغيُّر الواقع الجيوسياسي مع ظهور تلك القوى على الساحة الدولية، لما تتمتع به من تصورٍ خاص في كيفية بناء العلاقات الدولية، الى جانب إمتلاكها قدرات إقتصادية هائلة، جعل واشنطن ترضخ لواقع أن السياسة الدولية اليوم هي نتيجة صراعٍ بين عددٍ من الأقطاب، وليست نتيجة أحادية الرأي التي اعتمدتها أمريكا مطولاً. وهو ما ينطبق على دولٍ كروسيا والصين، الى جانب إيران التي كانت تحتل موقعاً مهماً في السياسة الإقليمية، لتصبح اليوم عرَّابة السياسات في المنطقة بعد توقيع الإتفاق النووي معها. ولعل عدداً من الأسباب تجعل ميزان القوة يتغير لصالح الدول هذه أي روسيا والصين وإيران، والتي تشترك بالعداوة مع واشنطن، الى جانب وجود كثيرٍ من القواسم المشتركة بينها لناحية السياسة تجاه الشرق الأوسط تحديداً، على الرغم من وجود تباينٍ طبيعيٍ في الآليات التنفيذية. فكيف يمكن تحديد نقاط الضعف التي اتصفت بها واشنطن؟

– عسكرياً لم تنتصر واشنطن في أي مواجهةٍ خاضتها ابتداءاً من أفغانستان. ومن الناحية السياسية لم تستطع فرض رؤيتها فيما يتعلق بسوريا وأوكرانيا كما أنها رضخت للنفوذ الإيراني المتعاظم وأُجبرت على توقيع إتفاقٍ يُرضي طهران. الى جانب أنها لم تستطع منع تصاعد نفوذ قوة الصين أو روسيا. 

– لم تستطع واشنطن إرضاء حلفائها نتيجة غرقها في براغماتيتها المعهودة، لا سيما الدول الخليجية، والتي لا نقول هنا إن واشنطن تهتم لرضا خاطرها، لكن أمريكا فشلت في الحفاظ على علاقاتها الدولية، الى جانب أنها لم تبن علاقاتها إلا على أُسسٍ من المصلحة فقط بعيدة عن الإحترام أو حفظ حق الشراكة. وهو عكس ما تحلت به الدول الكبرى الأخرى. وهذا ما أثبتته واشنطن من خلال علاقتها بالدول الأوروبية وإغراقها في أزمةٍ إقتصادية نتيجة فرضها سياسة العقوبات على موسكو في حين كانت تحتاج دول اليورو للعلاقات التجارية الجيدة مع روسيا.

– وهنا يمكن الإشارة بإيجاز الى التصريحات التي أدلى بها مستشار الأمن القومي السابق هنري كسينجر لصحيفة دير شبيغل الألمانية في تشرين الثاني من العام الماضي وقبلها بشهرين لصحيفة صنداي تايمز الأمريكية، والتي أشار فيه الى سخطه من سياسة أوباما الأخيرة موجهاً انتقادات مباشرة إلى الغرب بخصوص المسألة الأوكرانية، مطالباً بإجراء قراءة جديدة لموقع روسيا، لأنها تريد أن تكون جزءاً من أوروبا، كما خطّأ موقف واشنطن بشأن الأزمة السورية، مُشيراً الى أنه كان يُفترض بواشنطن “التفاهم” مع الروس، في محاولةٍ لإعادة التوازن الذي كان سائداً في فترة الحرب الباردة السابقة.  

 

على الرغم من أنه لا يمكن القول إن روسيا هي القطب البديل والمؤهل لقيادة العالم وحدها أو لإستعادة إرث ونفوذ الإتحاد السوفياتي لفقدها لأيديولوجية يمكن أن تكون أرضيةً جامعة، لكنها مؤهلة لأن تشكل ثقلاً قوياً، تلتقي مصالحه مع مصالح دول أخرى ترفض الخضوع للهيمنة الأمريكية. وهو ما يمكن القول إنه يجمع روسيا بالصين وإيران اليوم. لنقول إن الحرب الباردة التي تجري، ليست فقط بين روسيا وأمريكا بل إن الواقع الجيوسياسي الجديد، أدخل الى جانب روسيا، دولاً أخرى كالصين وإيران، في معادلة الصراع. وهو الأمر الذي يحتاج في قراءته للعديد من التحليلات، فيما يتعلق بالأسباب. فيما يمكن القول إن النفوذ الأمريكي أصبح من الماضي، وإن العالم اليوم، ستديره أطرافٌ أخرى. في حين أن الحرب الباردة مهما طالت معروفة النتائج مسبقاً. لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: هل ستبقى الحرب باردة؟ 

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق