قدرات إيران والصين الصاروخية: حقٌ مُبررٌ ضمن استراتيجيات الردع، وبأهداف دفاعية
نشرت مجلة القوات الجوية الأمريكية منذ أيام، مقالاً لجاكوبهايم (Jacob L. Heim)، المحلل في شركة راند، والذي يتحدث عن خطر المنظومات الصاروخية البالستية الصينية والإيرانية على القواعد العسكرية الأمريكية الموجودة في كلٍ من شرق وغرب آسيا، والتي تدخل في الإستراتيجيات العسكرية الرئيسية للبلدين إيران والصين. وهو الأمر الذي يقول المحللون إن واشنطن تسعى للترويج له، من أجل تبرير نشاطاتها العسكرية. في حين لم يعد خفياً على أحد أن استراتيجيات الردع التي تسعى الدول لإمتلاكها أصبحت ضرورة لها. فكيف يمكن تأكيد أن ادعاءات واشنطن تأتي في خانة تبرير الإستعمار؟ وما هي إستراتيجية الردع التي تسعى الدول لإمتلاكها لحماية سيادتها؟
خارطة الإستعمار الأمريكي في العالم:
إن مراجعة الإنتشار العسكري الأمريكي على مساحة خارطة العالم، تجعل طرح واشنطن لمسألة القدرات الصاروخية الصينية والإيرانية مفهوماً أكثر. ويمكن القول إنه وبقراءةٍ سريعة للجغرافيا العسكرية في العالم، فإن واشنطن تتعاطى عملياً كحاكمٍ يُقسِّم هذه الجغرافيا الى خمسة قطاعات عسكرية، يُديرها ضباط أمريكيون مكلفون بقيادتها. وهنا فإن التقسيم هو كالتالي:
– القيادة العسكرية الشمالية، وتضم أمريكا وكندا والمكسيك وكوبا، فيما تضم القيادة الجنوبية أمريكا الوسطى والجنوبية.
– قيادة المحيط الهادئ، تضم الصين والهند وأستراليا ودول جنوب شرق آسيا. فيما تدخل روسيا من أقصى شرقها وأوروبا إلى أقصى غربها نزولاً إلى المغرب العربي ثم جنوب أفريقيا فالمحيط المتجمد الجنوبي وأنتارتيكا، داخل القيادة الأوروبية والتي يدخل فيها أيضاً، الكيان الإسرائيلي وتركيا. وتُعد هذه المنطقة الأكبر مساحة.
– أما القطاع الخامس فهو منطقة القيادة الوسطى والتي تعتبر الأصغر حجماً والأكثر تأجيجاً للصراعات. ويمتد من القرن الأفريقي ووادي النيل حتى كازاكستان في آسيا الوسطى، الى جانب أفغانستان وإيران والعراق والأردن والجزيرة العربية والصومال وأثيوبيا وكينيا والسودان ومصر. وقد تم ضم سوريا ولبنان لهذا القطاع في العام 2003، بعد أن كانت في ظل القيادة الأوروبية.
كيف يمكن اعتبار هذا الإنتشار بحد ذاته مُبرِّراً للدول لحماية سيادتها؟
إن الإنتشار العسكري بالطريقة التي تقوم بها واشنطن، يعتبر من مهددات الأمن والإستقرار العالميين. وهو الأمر الذي يجعل سعي الدول لوضع ما يُسمى بإستراتيجيات الردع، أمراً مبرراً. فعلى الرغم من أنه لا يمكن نكران إمتلاك إيران أو الصين لهذه الإستراتيجيات، إلا أن قيام واشنطن بمحاولة إستغلال ذلك لتبرير توسعها الإستعماري، هو من الأمور التي لا يمكن قبولها. وهنا نقول إن المجتمع الدولي يفتقد لعلاقاتٍ سياسية وعسكرية وإقتصادية، قائمة على التعاون وتعزيز الشراكة وتطوير العلاقات الإستراتيجية بين الدول، منذ أن سيطرت أمريكا وجعلت من نفسها القطب الأوحد لحكم العالم. مما ساهم في منع إحلال الأمن والسلم في الساحة الدولية، وتأجيج مظاهر الصراعات والنزاعات المسلحة إقليمياً ودولياً.
لذلك فإن تطور وسائل التكنولوجيا العسكرية وأنظمة الإتصالات الحربية المختلفة جعلت دولاً كبرى كروسيا والصين وإيران، – وهنا نتحدث عن الدول التي تتفق في العداء لواشنطن -، تمتلك تقنيات عسكرية إستراتيجية متطورة تتجاوز التقنيات العسكرية الإستراتيجية التقليدية. لنقول إن الحالة التي أرستها منظومة القطب الواحد الأمريكية، ساهمت في دفع الدول هذه للحصول على أسلحة إستراتيجية متطورة، ليكون لها تأثيرٌ في حماية سيادتها من جهة، وفرض خياراتٍ لا يمكن تحصيلها إلا بلغة القوة من جهة أخرى.
ولأن واشنطن تقوم من وقتٍ لآخر بطرح الموضوع خدمةً لمصالحها، في محاولةٍ إما لتشويه سمعة بعض الدول كالصين وإيران حالياً، أو لتبرير خطواتها المستقبلية والتي تسعى من خلالها لفرض نفوذها، نذكِّر الرأي العام العالمي، بأن سياسة امتلاك إستراتيجية الردع والذي أصبح ضرورة للدول التي تسعى لحماية سيادتها وتعزيز حضورها الفعلي في الساحة الإقليمية والدولية، هي السياسة التي كان أول من عبر عنها مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق في حكومة الرئيس نكسون الدكتور هنري كيسنجر في كتابه العقيدة الإستراتيجية الأمريكية ودبلوماسية الولايات المتحدة بقوله: “إن القوة الرادعة هي قدرة الدولة على منع أو تحييد تهديدات أو أخطار معينة ودفعها بعيداً عن حيز العمل المباشر ومجال التنفيذ الفعلي عن طريق مواجهتها بتهديدات أو أخطار مقابلة أو مضادة تساويها أو تفوقها في الحجم والتأثير”.
لذلك فإن تحقيق التوازن العسكري الإستراتيجي أو ما يطلق عليه الباحثون في الدراسات الإستراتيجية مفهوم “توازن الرعب”، هو من الضروريات في زمنٍ مُتغيِّر السياسات. وما يمكن قوله في هذا السياق إن إستراتيجية الردع التي تسعى الدول كإيران والصين لامتلاكها، ليست لأغراض انتهاك القانون الدولي أو الاعتداء على أعضاء المجتمع الدولي. لكن الغرض منها هو تعزيز القدرات الدفاعية الإستراتيجية للدولة، والتي تدخل في خطة الأمن القومي الوقائي، في مواجهة التغيرات الجيوستراتيجية خارج حدودها. الى جانب أنها تهدف لتطوير مصالحها القومية في عالم تتغير فيه المصالح وحاجيات الدول وتطلعاتها.
النتيجة:
بناءاً لما تقدم، نخلص لنقول إن أمريكا هي آخر من يستطيع الحديث عن تسلح الدول، فيما تُعتبر الشركات الأمريكية أكبر مورِّد للأسلحة في العالم لا سيما لدول الشرق الأوسط. في حين تُغرق واشنطن العالم في مشاكل وإنقساماتٍ تأجج الحروب، وتزيد الحاجة للسلاح. لنصل الى نتيجةٍ مفادها، أن ما تقوم به الدول كإيران والصين بالإضافة الى روسيا، هو في خانة الحفاظ على سيادتها، مما يعني انه يدخل في خانةٍ دفاعية. أما ما تسعى له أمريكا غالباً، فهو يخدم مصالحها الإستعمارية، وغالباً ما يدخل في خانةٍ هجومية.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق