التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

التقارب الروسي – المصري.. الخلفيات والتداعيات 

تحظى مصر بمكانة جيوبولوتيكية متميزة في المنطقة جعلتها على الدوام محط اهتمام الدول الكبرى في العالم ومن بينها روسيا. فمصر تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي في الشرق الأوسط كونها تربط بين غرب آسيا وشمال أفريقيا، وهي تعد كذلك حلقة وصل بحرية مهمة بين جنوب العالم وشماله، وشرقه وغربه، لامتلاكها قناة السويس التي تربط بين البحرين الاحمر والأبيض المتوسط.  

 

وتعاني مصر من أزمات اقتصادية حادة أدت الى بروز مشاكل سياسية واجتماعية متعددة خصوصاً بعد انهيار حكومة الاخوان المسلمين التي كان يرأسها محمد مرسي وتسلم المؤسسة العسكرية مقاليد السلطة في هذا البلد بقيادة اللواء عبد الفتاح السيسي.

 

وقد أثرت هذه الأزمات سلباً على مكانة مصر ودورها الاقليمي والدولي، ما دفعها الى توسيع علاقاتها مع بعض الدول العربية النفطية وفي مقدمتها السعودية لحل مشاكلها الاقتصادية مقابل دعمها لسياسات هذه الدول كوقوفها الى جانب الرياض في عدوانها على اليمن رغم رفض الشعب المصري لهذه المواقف.  

 

وبسبب عمقها التاريخي وموقعها السياسي الخاص في العالم العربي لازالت مصر تحظى باهتمام الدول الكبرى ومن بينها روسيا التي تسعى منذ مدة طويلة لتعزيز علاقاتها مع هذا البلد خصوصاً في الجانبين الاقتصادي والأمني والتفاهم معه بشأن مختلف القضايا الرئيسية التي تهم المنطقة لاسيما ما يتعلق بالأزمة السورية وسبل مواجهة الإرهاب.  

 

ويعتقد المراقبون ان هذه المساعي تتعدى أهدافها حدود المرحلة الراهنة، وترمي في الحقيقة الى إعادة العلاقات بين الجانبين الى سابق عهدها الذهبي الذي كانت عليه في ستينات وسبعينات القرن الماضي.  

 

فمصر كانت في زمن حكم الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر من أهم الشركاء الاستراتيجيين للاتحاد السوفيتي السابق، وقد ترجمت هذه الشراكة على أرض الواقع بإبرام صفقات تسليحية كبيرة بين الجانبين وتنفيذ مشاريع اقتصادية وصناعية كبرى في مصر.  

 

ورغم التغيير الذي طرأ على سياسة مصر الخارجية في زمن حكم الرئيس الأسبق أنور السادات الذي عزز علاقاته العسكرية والاقتصادية مع أمريكا والدول العربية الحليفة لها في المنطقة، إلاّ ان الشعب المصري لم يغيّر نظرته الايجابية تجاه روسيا وبقي يفضلها على الدول الغربية الاستعمارية، وهذا الأمر مهد الأرضية لاستئناف العلاقات بين القاهرة وموسكو وتطويرها في جميع المجالات.  

 

وثمّة عوامل عديدة ساهمت في تعزيز هذه العلاقات يمكن الاشارة إليها على النحو التالي: 

  1. ارتياح روسيا لنظام حكم الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي الذي تمكن من انهاء حكم الاخوان المسلمين الذي كانت تعده موسكو أحد أسباب تنامي ظاهرة التطرف في المنطقة بسبب علاقاته السياسية والفكرية بالانفصاليين الشيشانيين والحركات المتطرفة في عموم منطقة القوقاز. ولهذا السبب أيدت موسكو عملية اسقاط حكم الاخوان المسلمين في مصر برئاسة محمد مرسي على يد المؤسسة العسكرية بقيادة السيسي في تموز/يوليو عام 2013.

وبعد التظاهرات التي عمّت مصر للمطالبة بعزل مرسي واسقاط حكومته بسبب عدم تلبيتها لمطالب الشعب والانتقادات الشديدة التي واجهتها هذه الحكومة من قبل المجتمع الدولي لاسيما من الدول الغربية وجدت روسيا في ذلك فرصة مناسبة لدعم المؤسسة العسكرية لانهاء حكم الاخوان المسلمين. وبعد تسلم السيسي لمقاليد الامور في هذا البلد دعت موسكو المسؤولين المصريين الى بذل الجهود لاعادة مكانة مصر الاقليمية وتعزيز علاقاتها مع روسيا في جميع المجالات. 

  1. بعد إندلاع الثورات الشعبية في العالم العربي وبسبب بعض الأخطاء الاستراتيجية التي حالت دون تحقق جميع أهدافها، تمكن الغرب وعلى رأسه أمريكا من الالتفاف على هذه الثورات في وقت كانت فيه سوريا الحليف الاستراتيجي الآخر لروسيا تواجه أزمة سياسية تحولت فيما بعد الى أزمة سياسية – عسكرية، ما دفع موسكو الى الوقوف بكل ثقلها الى جانب حكومة الرئيس بشار الاسد لحفظ توازن القوى في المنطقة الذي أخذ يميل الى جانب أمريكا بعد غزوها لأفغانستان والعراق في عامي 2001 و2003.

ولمواجهة هذه التطورات عمدت روسيا الى دعم الحكومة المصرية التي تشكلت بقيادة السيسي بعد الاطاحة بحكم الاخوان لتقوية نفوذها في عموم المنطقة وخاصة في شمال أفريقيا. 

  1. من العوامل الرئيسية الأخرى التي ساهمت في تعزيز العلاقات بين موسكو والقاهرة، هي ضرورة التعاون والتنسيق الكامل بين الجانبين لمواجهة خطر الإرهاب الذي أخذ يستفحل في المنطقة بأسرها بعد ظهور الكثير من الجماعات الإرهابية والتكفيرية كـ “داعش” و”القاعدة” و”جبهة النصرة” وغيرها.
  2. بسبب ميل مصر الى حل الأزمة السورية بالطرق الدبلوماسية تحولت القاهرة الى مركز هام للحوار والتفاوض بين الأطراف المعنية بتسوية هذه الأزمة ومن بينها روسيا، وهو ما دعا موسكو أيضاً الى دعم جهود مصر في هذا المجال، وأدى ذلك بالنتيجة الى تعزيز العلاقات بين الجانبين.
  3. بعد إندلاع الأزمة الاوكرانية قبل نحو عامين وبسبب الحظر الاقتصادي الذي فرضته الدول الغربية على روسيا على خلفية هذه الأزمة، قررت موسكو تعزيز علاقاتها مع الدول الاقليمية المؤثرة في المجتمع الدولي ومن بينها الصين والهند وايران ومصر لمواجهة تحديات هذه المرحلة، وهذا الأمر كان أيضاً من الأسباب المهمة التي دعت الى تقوية العلاقات بين موسكو والقاهرة.

وتجدر الاشارة هنا الى أن روسيا قررت كذلك الانفتاح على الجانب المصري في مجالات الطاقة والصناعة والتقنية النووية السلمية، ووقّع البلدان عدّة اتفاقيات في هذه المجالات والتي يعتقد المراقبون أنها ستعود بالنفع الكثير على الطرفين على المديين القريب والبعيد. 

  1. من المصادر الرئيسية التي تعتمد عليها روسيا في تأمين إقتصادها هو بيع الأسلحة الى الدول الأخرى. وفي هذا السياق أعربت موسكو عن استعدادها لعقد صفقات ضخمة مع مصر في هذا المجال مقابل تعهد السعودية والإمارات بمساعدة القاهرة في دفع تكاليف هذه الصفقات التي تعهدت بدورها بالوقوف الى جانب الرياض وأبو ظبي في دعم مواقفهما السياسية والأمنية وفي مقدمتها العدوان على اليمن والتصدي لتحركات الاخوان المسلمين في عموم المنطقة. وتجدر الاشارة الى أن 40% من الأسلحة والمعدات العسكرية المصرية في الوقت الحاضر هي من انتاج روسي رغم توجه القاهرة الى شراء الأسلحة من الغرب في عهد الرئيس الأسبق أنور السادات.
  2. من الأسباب الأخرى التي دعت الى تقوية العلاقات بين مصر وروسيا هي رغبة الكثير من المواطنين الروس بزيارة مصر لغرض السياحة التي تضررت كثيراً في هذا البلد نتيجة الهجمات الإرهابية التي استهدفت السيّاح الغربيين خلال السنوات الماضية. ولهذا أكد الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والمصري عبد الفتاح السيسي خلال زيارة الأخير الى موسكو نهاية الشهر الماضي على ضرورة تفعيل الاستثمار في هذا الجانب.

 

واخيراً يمكن القول إنّ حاجة الرئيس المصري الماسّة الى الدعم الخارجي من أجل تعزيز مشروعية حكمه في الداخل وتقوية مكانة بلاده الاقليمية والدولية هي التي دعته أيضاً الى الانفتاح على الجانب الروسي والذي تجلى بوضوح في زيارته الأخيرة الى موسكو كما أشرنا قبل قليل. 

 المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق