التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, ديسمبر 22, 2024

كيف تُشكل الخطوة العسكرية الروسية في سوريا إختباراً لجميع الأطراف إقليمياً ودولياً؟ 

ضجت دوائر صنع القرار في العالم لا سيما واشنطن، بالنقاش حول الخطوة الروسية تجاه سوريا، والتي تعني تغييراً ميدانياً عسكرياً مؤثراً على الصعيدين المحلي السوري والإقليمي كما الدولي، لما له من آثار في تغيير معادلات الميدان. ولأن الطرف الروسي يمتلك الحنكة الكافية التي تخوله التجرؤ في أخذ هكذا قرارات، إقتنص الثعلب الروسي فرصة الفشل الذريع للتحالف الدولي في قتال تنظيم داعش الإرهابي، ليعلن تصديه لذلك مؤكداً إمكانية تشكيل تحالفٍ جديد يضم الجميع في الإقليم والعالم. إلا أن الإختبار الروسي، يبدو أنه أعاد خلط الأوراق لدى الجميع، ليتبيَّن وبوضوح، من يدعي محاربة الإرهاب، ومن يسعى لذلك حقاً. فماذا في الخطوة الروسية وتغيير قواعد الميدان العسكري؟ وما هي مواقف الأطراف إقليمياً ودولياً؟ وماذا في الدلالات الإستراتيجية؟

 

روسيا وتغيير موازين القوى العسكرية في سوريا:

لا شك أن الحضور الروسي على الساحة السورية هو حضورٌ علنيٌ وواضح. لكن الخطوة الروسية الجديدة تعني شيئاً آخر. بحيث سيعتبر الطرف الروسي نفسه مسؤولاً عن الدفاع عن النظام اليوم، بطريقة أكبر مما كانت. بناءاً لمعاهدات الدفاع المشترك بين الطرفين، الى جانب أن دمشق قدمت لموسكو القواعد العسكرية. إلا أنه سيكون للخطوة الروسية العديد من النتائج الميدانية والتي يمكن تلخيصها بالتالي:

  • إن هذا التوسع والتصعيد للدور العسكرى الروسى بهذه الطريقة سيكون له نتائج جيوعسكرية ميدانية، تتمثل أساساً بتغيير قواعد اللعبة العسكرية فى سوريا. وهذا ما سيُحدثه توسيع وتحديث قاعدة الأسطول الروسى على الساحل السوري في ميناء طرطوس، الى جانب تحويل موقع الجبلة المحاذي لميناء اللاذقية إلى قاعدة جوية وبحرية متكاملة شرقي المتوسط بالقرب من مضيق البوسفور.
  • كما أن إدخال طائرات “الكوندور” العملاقة للنقل، سيؤمِّن ما يُسمى بخطوط الإمداد الجوي، بعد أن قامت بشحن الإمدادات والمعدات من إحدى القواعد العسكرية جنوب منطقة القوقاز، عبوراً للممرات الجوية من إيران والعراق إلى ميناء وقاعدة اللاذقية، وهي قاعدة عمليات متقدمة للضربات الجوية، والتي ستنطلق منها الطائرات لتوجيه الضربات الجوية ضد التنظيمات الإرهابية.

كيف رد العالم على الخطوة الروسية؟

لأن اللاعب الروسي يُريد إظهار حُسن النية وتطمين الجميع في الإقليم والعالم، بأن خطواته هذه ليست إلا في خانة دعم النظام السوري في قتاله ضد الإرهاب، حاولت موسكو وضع خطتها فى إطار أشمل وأوسع باقتراحها تشكيل تحالف جديد وأوسع للتصدى لتنظيم داعش الإرهابي. إلا أن واشنطن ردت بأن كل من يريد الحرب على داعش عليه أن ينطوي تحت المظلة الأمريكية في هذا المجال، مما أدى الى استهجان الطرف الروسي الذي تساءل حول الموقف الأمريكي، والذي تمثل بقيام وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بإجراء إتصال عاجل بنظيره الروسى سيرغى لافروف، منذ أيام محذراً من عواقب توسيع الدور العسكرى الروسي في سوريا. إلا أن موسكو عقبت على هذا الإتصال مستغربةً ومشيرةً إلى أنه طالما وقفت موسكو الى جانب الحكومة السورية مقدمةً لها الدعم في قتالها ضد المتطرفين، فهي تعرب عن اندهاشها لتحذيرات وزير الخارجية الأمريكي.

وهنا قد يختلف الغرب الأوروبي في قراءته مع واشنطن، وهو ما ستظهره الأيام المقبلة. فهذا التحول الواضح في الإستراتيجية الروسية للدفاع بشكل أكبر عن النظام السوري، سيُلقي بظلاله إيجاباً على أزمة الهجرة واللاجئين التي تعاني منها الدول الأوروبية. فتغير الموازين العسكرية سيكون له الأثر المباشر على ضرب الإرهاب وتقليل انتشاره على الساحة السورية.

فيما يبدو إقليمياً أن الدول الخليجية لا سيما السعودية، ترفض القيام بالمشاركة بذلك تحت حجة عدم قبولها القتال الى جانب النظام السوري. وهو الأمر الذي يعتبره المراقبون مبرراً للتنصل من مكافحة الإرهاب، والمضي قدماً في اعتماد الخيار العسكري في سوريا، عبر التركيز على دعم التنظيمات التكفيرية لإسقاط النظام.

 

أين تكمن مصلحة موسكو:

غضت روسيا الطرف لفترة طويلة عن عمليات التحالف التي قادتها واشنطن في حربها على الإرهاب وتنظيم داعش. لكن فشلت السياسة الأمريكية في هذا الخصوص، بحيث أنها تعاطت مع الواقع الجيوعسكري بطريقة إنتقائية، وقامت بتقديم العديد من المساعدات للتنظيم في أماكن عديدة الى جانب إعتمادها سياسة القصف الجوي المركز لتغيير الجغرافيا العسكرية ضمن خطتها التقسيمية. لذلك فإن روسيا تعتبر أن مكافحة الإرهاب المتمثل بتنظيم داعش، هو من أولوياتها التي تدخل ضمن خطة الأمن القومي الروسي. في حين لا يخفى على أحد الخشية الروسية من انتشار التنظيم في الأقاليم الإسلامية جنوب روسيا أي شمال القوقاز وفي مناطق نهر الفولجا.

ومن ناحيةٍ أخرى فإن التحالف الروسي السوري، هو أساساً قائمٌ على وحدةٍ في المصالح تفرض التعاون في العديد من الملفات. فالأزمة السورية والتي شكلت منعطفاً في سياسة الشرق الأوسط، أصبح سقوط النظام السوري فيه خطاً أحمر لجميع اللاعبين الإقليميين المؤثرين على الساحة الدولية كروسيا وإيران تحديداً. في حين يمكن القول إن الدور العسكري الميداني لحزب الله اللبناني وكذلك النظام السوري، ساهما في بناء أرضيةٍ داخل الجغرافيا العسكرية السورية، يمكن الرهان عليها لمنع سقوط النظام. لكن الخطر الداهم من خلف الحدود، يحتاج الى واقعٍ عسكريٍ ذات تأثير دولي من حيث الموازين، يدعم هذا الجهد الداخلي الذي أخذ سنوات.  

 

الدلالات والنتائج:

إستطاع الطرف الروسي إستغلال الغطاء السياسي الدولي في مكافحة الإرهاب المتمثل بداعش، ليقوم بخطوةٍ عسكرية ستُعيد خلط الأوراق السياسية. كما أنه وبناءاً لمعاهدات الدفاع المشترك بينه وبين الطرف السوري، قام بخطوته تحت غطاءٍ شرعيٍ قانوني في ظل ترحيبٍ وإهتمام من الكنائس المسيحية في الشرق الأوسط والتي طالما رحبت بالدور الروسي وكذلك الكنيسة الأرثوذوكسية القديمة في أنطاكية والكنيسة الأرثوذكسية في القدس. الى جانب أن روسيا تحظى بدعم وتنسيق إيران، والتي يمكن القول إن الخطوة الروسية، جاءت كنتيجةٍ لتغير الواقع السياسي إقليمياً بعد توقيع الغرب للإتفاق النووي مع طهران. لتكون النتيجة، إجادة موسكو لتنفيذ خطواتها، متقنة الأسلوب والتكتيك. لتنجح على الصعيدين السياسي والعسكري، في القيام بخطوةٍ جعلت الجميع أمام إختبار النوايا. فالأطراف التي تدعي الحرب على داعش حقيقةً قادرة اليوم على الإلتحاق بروسيا لإظهار جديتها. في حين يبدو أن واشنطن وأنقرة والرياض الى جانب العديد من دول هذا التحالف، لديها أهدافها الخاصة. بين السعي التركي للقضاء على الأكراد تحت حجة مكافحة الإرهاب، في حين يجمع الأطراف الأخرى هدف إسقاط النظام السوري. كل ذلك يوصل الى نتيجةٍ مفادها أن موسكو قررت إيقاف التصريحات والتوجه للميدان، لتثبيت أولوية أن النظام السوري خطٌ أحمر، فيما يجب القضاء على الإرهاب. وهنا سننتظر المواقف المستقبلية للدول، والتي تدخل في خانة ردود الفعل، ليتبيَّن من يسعى حقاً للقضاء على الإرهاب.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق