التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

باراك أوباما، أمير حرب أم رجل سلام؟ 

خلافاً لسياسة سلفه “جورج بوش الابن” الذي أفرط في استعمال الآلة العسكرية في الشرق الأوسط، وخاض حربين ضاريتين في كل من أفغانستان والعراق، وظل يلوّح بتوجيه ضربات عسكرية إلى دول أخرى في المنطقة والعالم، لم يعتمد الرئيس الأمريكي باراك أوباما الخيار العسكري بشكل مباشر لحفظ المصالح الأمريكية في العالم، إذ أعلن معارضته للحرب على العراق، ووقع اتفاقية انسحاب القوات الأمريكية منه في العام 2011، وفضل خيار التفاوض مع الجمهورية الاسلامية الإيرانية لحل قضيتها النووية، وافتتح السفارة الأمريكية في كوبا بعد قطيعة دامت عدة عقود، وقد عمدت الآلة الاعلامية للبيت الأبيض على الدوام إلى تصوير أوباما الحائز على جائزة نوبل للسلام في عام 2009، كرئيس مسالم ومناهض للحروب.

 

إلا أن عدم اعتماد الرئيس الأمريكي للخيار العسكري المباشر، لا يعني بالضرورة كونه رجل سلام، فالسياسات التي انتهجها أوباما في التعامل مع العديد من قضايا المنطقة والعالم، لم تخفق في تحقيق الأمن والسلام للمنطقة فحسب، بل زادت من سعير الحروب فيها، وخلقت بيئة حاضنة للارهاب، سلبت الأمن، ونشرت الدمار والتشرد والمعاناة، في العديد من دول المنطقة، لاسيما في ليبيا وسوريا والعراق واليمن، وبلغت معاناة الشعوب مبلغاً لم تصل إليه حتى في زمن سلفه بوش.

 

نسعى في هذا المقال أن نستعرض أبرز الوقائع الدالة على “صقورية” أوباما، خلال سبع سنوات من حكمه، وكيف أنه لعب دور أميرٍ للحرب ولكن في لباس حمل وديع، وفي هذا الإطار نشير للنقاط التالية:

 

أولاً: التدخل العسكري المباشر

في أفغانستان، زج أوباما بثلاثين ألف من جنوده في الحرب الدائرة هناك، وبالرغم من أن الخطة الأمريكية كانت تقضي بالانسحاب التدريجي من أفغانستان ابتداء من سنة 2011، إلا أن أوباما عمل على زيادة عدد قواته البرية حتى وصل إلى 65 ألفاً في عام 2013، كما وصل عدد أفراد البحرية الأمريكية إلى 27 ألفاً. 

وخلال سنوات إدارته للبيت الأبيض، قامت الطائرات الأمريكية سواء تلك التي تسير من دون طيار، أو بطيار بضرب سبع دول، هي العراق وليبيا وأفغانستان وباكستان والصومال واليمن وسوريا. حيث نشر “مكتب الصحافة الاستقصائية” البريطاني تقريراً يشير إلى أن الإدارة الأمريكية خلال عهد باراك أوباما، شنّت خلال خمس سنوات أكثر من 390 هجمة بطائرات من دون طيار، في باكستان واليمن والصومال، موضحاً أن عدد هذه الضربات يصل إلى ثماني مرات أكثر من الهجمات التي شنّت خلال رئاسة جورج بوش.

 

ثانياً: دعم التنظيمات الارهابية

لعبت إدارة أوباما دوراً هاماً في دعم الارهاب في منطقة الشرق الأوسط لاستخدامه لحفظ مصالحها، وقد تحدثت تقارير عن دعم مبرمج قامت به واشنطن للجماعات الارهابية في سوريا، بما فيها تنظيم داعش الارهابي، حيث كشف “تشارلز شويبردج” ضابط الإستخبارات البريطانية في جهاز مكافحة الإرهاب عن أن وكالة المخابرات الأمريكية “سي اي آيه” والاستخبارات البريطانية دفعتا دولاً خليجية لتمويل وتسليح تنظيمات مسلحة في مقدمتها داعش. 

كما اعترف الجنرال الامريكي المتقاعد “ويسلي كلارك” بأن امريكا وحلفاءها، هم الذين انشأوا تنظيم “داعش” الإرهابي، لمواجهة حزب الله في لبنان، وقال كلارك الذي شغل منصب القائد الأعلى لحلف شمال الأطلسي في الفترة بين 1997-2000 في مقابلة مع إذاعة “سي ان ان”، بأن تمويل داعش جرى بواسطة أصدقائهم وحلفائهم.

من جهة أخرى لم تتخذ أمريكا أي خطوات جدية لضرب مصادر تمويل داعش، فالمصافي التي يستخدمها التنظيم الارهابي لتكرير النفط وبيعه عبر مهربين، ماتزال تعمل بصورة منتظمة دون أن تتعرض للقصف من طائرات التحالف الذي تقوده واشنطن، ويتساءل البعض كيف يمكن للأقمار الصناعية الأمريكية المتطورة، أن تعجز عن رصد عبور 100 شاحنة نفط يومياً من حقول حمرين النفطية؟! ولماذا لا تضغط أمريكا على تركيا لمنعها من شراء النفط من داعش؟!

وقد تم رصد قيام طائرات أمريكية بإلقاء ذخائر ومعدات عسكرية لعصابات داعش في عدة مواقع، الأمر الذي قالت أمريكا إنه وقع بطريق الخطأ!

أما الصواريخ الأمريكية، من نوع “تاو” المضادة للمدرعات، و”ستينغر” المضادة للطائرات، والتي تستخدمها الجماعات الارهابية وجبهة النصرة بغزارة في سوريا، فلم تصل بالصدفة، بل وصلت عبر حلفاء واشنطن، وهو ما أشار إليه موقع (ديموكراسي وان) الأمريكي بأن “السلاح الأمريكي بات يملأ دولاً مليئة بالفوضى مثل اليمن والعراق وسوريا، ويتم استخدامه من قبل المتطرفين”.

ومؤخراً أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بأن موسكو تملك معلومات حول معرفة أمريکا بمواقع داعش، لكنها لا تعطي الأوامر بقصفها. وأضاف لافروف: “إن بعض زملائنا في الائتلاف يؤكدون أنهم يملكون أحياناً معلومات حول مواقع داعش الدقيقة، بينما ترفض الولايات المتحدة التي تقود التحالف الموافقة على قصف تلك المواقع”.

 

ثالثاً: مساندة الكيان الإسرائيلي في عدوانه على غزة

من المعلوم أن أمريكا هي مفتاح أي عدوان أو هجوم اسرائيلي، حيث أن التعاون متعدد المستويات مع الكيان الاسرائيلي على الصعد العسكرية والمالية والاستخباراتية، هو جزءٌ من السياسة الأمريكية، ولا يمكن الاشارة إلى الاعتداءات التي نفذها الكيان الإسرائيلي على قطاع غزة، دون الإشارة إلى البصمات الأمريكية.

وقد خلفت الحروب التي شنها جيش الكيان الإسرائيلي على غزة، في 2008، 2012، و2014، أكثر من 4500 شهيد، إضافة إلى عشرات الآلاف من الجرحى، وكل هذا حصل في زمن إدارة الرئيس “المسالم” أوباما للبيت الأبيض.

وقد أشارت صحيفة “لوس أنجليس تايمز” الأمريكية إلى أن وكالات المراقبة الأمريكية والبريطانية اعتمدت خلال العدوان على غزة على الأنظمة العربية الحليفة لأمريکا، لتقديم خدمات التجسس الحيوية بشأن أهداف فلسطينية.

 

رابعاً: دعم التحالف السعودي في الحرب على اليمن

وفرت أمريکا الغطاء الأممي للعدوان السعودي على اليمن، وقد أقر الرئيس الأمريكي باراك أوباما تقديم بلاده دعماً لوجستياً واستخباراتياً لما تسمى عملية “عاصفة الحزم”، كما أكد وزير الدفاع الأمريكي “أشتون كارتر”، أن بلاده تقدم المساعدات في الضربات التي يشنها التحالف السعودي على اليمن.

ووفقاً لمصادر رسمية أمريكية، فإن القوات الأمريكية لا تقوم بعمل عسكري مباشر في اليمن، لكنها تقوم بإنشاء غرفة عمليات مشتركة مع السعودية، وذلك لتنسيق العمليات العسكرية والاستخبارية.

وبعد دخول العدوان على اليمن شهره السادس، كانت حصيلة هذا الدعم الأمريكي للعدوان، سقوط الآلاف من الضحايا الأبرياء، في مجازر الحرب التي ترتكبها طائرات التحالف السعودي، والتي تتعمد استهداف المواطنين في المنازل والبيوت والمساجد والمدارس والشوارع والقرى والمدن والطرقات، وكذلك تدمير البنية التحتية لليمن، في محاولة للضغط على القاعدة الشعبية للثورة اليمنية لدفعها نحو ترك الخيار الثوري.

 

خامساً: نشر المزيد من القواعد العسكرية في أفريقيا وأوروبا

بدت إدارة الرئيس باراك أوباما مهتمة بتحقيق مزيد من التغلغل العسكري والاستخباراتي في القارة السمراء، وبدا أوباما يهيئ أفريقيا لحروب أمريكا القادمة، ففي إطار مشروع أفريكوم (القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا)، تم إحداث 35 قاعدة عسكرية جديدة في 13 دولة أفريقية.

وقد صاحب هذا الوجود العسكري الامريكي في افريقيا تزايداً في النشاط الاستخباراتي بشكل يفوق ما كان عليه في ظل سنوات حكم الرئيس بوش. وقد تم اقامة معسكر للطائرات الأمريكية بدون طيار في النيجر وتثبيت الوجود الامريكي العسكري في منطقة خليج غينيا الغنية بالنفط بحجة محاربة جماعة بوكو حرام.

وعززت أمريكا من قدرتها على التجسس على الأوضاع في القارة الأفريقية من خلال عدد كبير من طائراتها دون طيار، ويأتي ذلك استكمالا لبرامج استطلاع واستخبار سرّية يعود بعضها إلى سنوات 2008-2009. وحسب عدد من الوثائق المسربة والتي نشرتها صحيفة “واشنطن بوست” فإن “أفريكوم” تشرف على ما لا يقل عن 4 برامج تجسسية يعمل على تطبيقها خبراء وعسكريون متعاقدون وشركات أمنية خاصة.

أما في أوروبا فقد عملت أمريكا على تعزيز وجودها العسكري في أوروبا الشرقية ومساندة أوكرانيا وجورجيا ومولدافيا في تعزيز قدراتها. كما قامت أمريكا بنشر مقاتلة “إف-35” لأول مرة في أوروبا في قاعدة “لاكنهيت” البريطانية. ورفعت حجم وجودها العسكري في قاعدة “مورون دي لافرونتيرا” في اسبانيا، لتصبح قاعدة دائمة لقواتها البالغ 2200 عسكري و500 مدني أمريكي.

 

سادساً: زيادة حجم مبيعات الأسلحة الأمريكية

وصلت أرقام صفقات السلاح في عهد أوباما إلى حدود قياسية لم تحدث من قبل. فوفقا لموقع “ديمقراسي وان” الأمريكي فإن عهد أوباما شهد زيادة كبيرة في مبيعات الأسلحة منذ توليه المنصب، علما بأن غالبية صادرات الأسلحة في عهد أوباما كانت لصالح الشرق الأوسط والدول الخليجية، حيث تصدرت السعودية قائمة مستوردي السلاح الأمريكي بقيمة 46 مليار دولار بما في ذلك الاتفاقيات الجديدة.

ويتجاوز حجم الصفقات الكبرى التي تم إبرامها في عهد أوباما في السنوات الخمس الأولى من حكمه حجم الصفقات في فترة حكم الرئيس بوش الابن والتي استمرت 8 سنوات بما يقرب من 30 مليار دولار، وهذا يعني أن إدارة أوباما وافقت على المزيد من مبيعات الأسلحة أكثر من أي إدارة أمريكية أخرى منذ الحرب العالمية الثانية.

واشتملت المعدات المُقدّمة للدول الخليجية: الطائرات المقاتلة، والمروحيات الهجومية، وطائرات مزودة برادار، وطائرات التزود بالوقود، وصواريخ جو-جو، ومركبات مدرعة ومدفعية، وذخيرة، وقنابل عنقودية، إلى جانب أنظمة الدفاع الصاروخي.

وقد تم استخدام الأسلحة والمعدات المستوردة من أمريكا في قمع الثورة الشعبية في البحرين والعدوان السعودي على اليمن، كما وصلت بعض هذه الأسلحة إلى الجماعات الارهابية في العراق وسوريا، لتنشر الفوضى والدمار والقتل.

 

سابعاً: تخصيص تريليون دولار لتحديث الترسانة النووية الأمريكية

أطلقت إدارة أوباما برنامجاً جديداً للأسلحة النووية سيكلف -حسب دراسة حديثة أجراها معهد مونتيري- قرابة 1000 مليار دولار، وهو أعلى انفاق في الفترة ما بين 2024 و2029، ما يعني ان دولاراً من كل أربعة دولارات من الميزانية الفيدرالية سيُنفق على غرض عسكري.

حيث قدمت إدارة أوباما 57 مشروعا لتحديث مواقع عسكرية نووية، وافق مكتب المحاسبة الحكومي على 21 منها، في حين يبقى 36 في انتظار الموافقة. والتكلفة المقدرة حاليا هي 355 مليار دولار على مدى 10 سنوات. كما يتضمن المخطط الذي طرحته إدارة أوباما للبنتاغون اجراء تجارب نووية جديدة، وبناء 12 غواصة هجومية نووية جديدة (بإمكان كل منها أن تقذف ما يصل إلى 200 رأس نووي على أهداف عدة، فضلا عن 24 صاروخا باليستيا)، و 100 طائرة أخرى من قاذفات القنابل الاستراتيجية (كل منها مسلحة بحوالي 20 صاروخا أو قنابل نووية) و400 صاروخ باليستي عابر للقارات مع قاعدة ارضية (لدى كل منها رأس نووي ذو قوة عظمى).

 

خاتمة:

باراك أوباما لا يمكن أن يكون رجل سلام، كما لا يمكن لأي من رؤساء أمريكا أن يكون كذلك، فسياسة أمريكا هي واحدة، ولو اختلفت الشخصيات، فهي قائمة على الغطرسة وإذلال الشعوب، وتسعى للهيمنة على مقدرات العالم، عبر نشر الدمار والحروب، وقد يكون الرئيس أوباما قد نجح أكثر من غيره في تسعير نار الحرب في العالم، لأنه ببساطة الذئب الذي لبس ثوب الحمل.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق