الأزمة السورية واحتمال نشوب نزاع عسكري بين روسيا وأمريكا
بعد تزايد الأنباء التي تتحدث عن تعزيز روسيا لقواتها العسكرية في سوريا وردود الفعل الغاضبة التي أبدتها أمريكا ازاء هذا الأمر، لاحت في الأفق بوادر أزمة جديدة بشأن إمكانية اندلاع حرب بين الجانبين (الروسي والأمريكي).
فما هي الأسباب التي دعت روسيا الى تعزيز تواجدها العسكري في سوريا في هذا الوقت رغم انها تبذل جهوداً دبلوماسية لحل الأزمة في هذا البلد. وما هي الأسباب التي تدعونا في نفس الوقت الى عدم ترجيح نشوب حرب بين روسيا وأمريكا على خلفية هذه الأزمة؟
قبل الدخول في تفاصيل هذا الموضوع لابد من الاشارة الى أن روسيا التي لم تكن طرفاً مؤثراً في أزمات الشرق الأوسط منذ نهاية الحرب الباردة*، وجدت نفسها مضطرة خلال السنوات الأخيرة لزيادة نشاطها الدبلوماسي والأمني والعسكري في هذه المنطقة، خصوصاً بعد اندلاع الأزمة السورية قبل أكثر من أربع سنوات وتفاقم خطر الإرهاب على المستويين الاقليمي والدولي.
وللاجابة عن التساؤلات التي طرحناها قبل هذه الاشارة لابد من التذكير بما يلي:
1. تسعى روسيا لإعادة توازن القوى في الشرق الأوسط بعد إتخاذ أمريكا وحلفائها الغربيين إجراءات عملية كثيرة للهيمنة عسكرياً على المنطقة والتفرد بفرض خياراتها الاستراتيجية في كافة المجالات على هذه المنطقة المهمة والحساسة من العالم.
2. تنفّر العديد من دول الشرق الأوسط من سياسات أمريكا التي تستهدف تقطيع أوصال المنطقة والعبث بمقدراتها ومصيرها في إطار مشروعها المسمى “الشرق الأوسط الكبير أو الجديد”. وهذا الأمر شجّع موسكو على الدخول على خط المنافسة الدبلوماسية والسياسية والأمنية والعسكرية مع الغرب الذي تتزعمه واشنطن في هذه المنطقة خلال السنوات الأخيرة.
3. الثورات الشعبية التي شهدتها العديد من الدول العربية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي عرفت باسم “الربيع العربي” وخذلان أمريكا للأنظمة الحليفة لها في المنطقة وفي مقدمتها نظام الرئيس المصري الأسبق “المخلوع” حسني مبارك، ونظام الرئيس التونسي السابق والمخلوع أيضاً زين العابدين بن علي. وهذا الأمر ساعد كذلك في تغيير بوصلة الكثير من الدول العربية وفي مقدمتها مصر نحو روسيا التي تسعى من جانبها أيضاً لملئ هذا الفراغ.
في مقابل ذلك ترى أمريكا والدول الغربية الحليفة لها في تعزيز الوجود العسكري الروسي في الشرق الأوسط بأنه من شأنه أن يخل بميزان القوى الذي يسعى الغرب لابقائه على وضعه الحالي لأنه يخدم مصالحه على المديين القريب والبعيد. كما تعتقد الدول الغربية ان تقوية الوجود العسكري الروسي في سوريا يصب في صالح حكومة الرئيس بشار الأسد التي يسعى الغرب لاسقاطها من خلال دعم الجماعات الإرهابية المسلحة ومواصلة فرض العقوبات الاقتصادية. ولهذا ترفض الدول الغربية بشدة قيام روسيا بتعزيز قوتها العسكرية في هذا البلد.
وتعتقد الدول الغربية أيضاً وعلى رأسها أمريكا ان التحركات الدبلوماسية الروسية في الشرق الأوسط تهدف الى ايجاد تحالف جديد لمحاربة الإرهاب بالتعاون مع الدول الاقليمية وفي طليعتها ايران وسوريا، وهذا الأمر -حسب اعتقاد الغرب – من شأنه أن يضعف “التحالف الدولي” الذي تقوده واشنطن والذي فشل حتى الآن بالقضاء على الجماعات الإرهابية أو إضعافها وفي مقدمتها تنظيم “داعش”. وفي حال تمكنت روسيا من الإسهام بشكل مؤثر في دحر الإرهاب في المنطقة فسيشكل لها ذلك حتماً نصراً استراتيجياً من شأنه بالتالي أن يضعف من دور أمريكا وحلفائها الغربيين في المنطقة.
من هنا تبدو المواجهة العسكرية بين روسيا وأمريكا على خلفية الأزمة السورية غير مرجحة للأسباب التالية:
1. كلا الطرافين لا يرغب في خوض مثل هذه المواجهة بشكل مباشر لتحقيق أهدافه في المنطقة، بل يسعى الى تنفيذ ذلك من خلال حروب تشن عنه بالوكالة من قبل أطراف ودول تقع ضمن دائرة نفوذه.
2. منذ بداية الأزمة السورية اعتمدت موسكو الطرق الدبلوماسية لحل هذه الأزمة في اطار الحوار السوري – السوري، ودعت مراراً المعارضة غير المسلحة للتفاوض مع حكومة بشار الأسد لتشكيل حكومة ائتلافية دون تنحية الأسد لاعتقادها بأنه الرئيس القانوني المنتخب من قبل الشعب. ولهذا لا ترى روسيا ما يستدعي الدخول في حرب مباشرة مع أمريكا أو أي طرف آخر يسعى لازاحة الأسد ولابد من حل الأزمة سلمياً.
3. تدرك موسكو جيداً المخاوف الدولية والاقليمية الكبيرة والكثيرة التي تخشى أمريكا من التورط فيها في حال اندلاع حرب جديدة في المنطقة، خصوصاً إذا كان الطرف الآخر في هذه الحرب روسيا نفسها، ولهذا تسعى الأخيرة لجر الادارة الأمريكية الى الحلول السلمية باعتبارها الخيار المنطقي والواقعي لتسوية الأزمة السورية وتجنب الخيار العسكري.
أخيراً ومن خلال الحقائق التي أشرنا اليها يمكن الاستنتاج ان احتمال وقوع نزاع مسلح بين روسيا وأمريكا غير وارد على الاطلاق لأن كلا الطرفين يدرك العواقب الوخيمة لهذه الحرب التي لايمكن أن تنتهي بسهولة في حال اندلاعها، كما لايمكن تقدير خسائرها على الطرفين وعلى العالم برمته لما يمتلكه الجانبان من إمكانات عسكرية هائلة قادرة على تدمير كل ما بنته البشرية طيلة عقود من الزمن خلال أيام قليلة، وهذا أمر لايقدم عليه إلاّ مجنون أو لا أمل له بالحياة كالغريق الذي يستنجد بالقشة لإنقاذ نفسه من الغرق، مع الفارق ان الاستنجاد هذه المرة لن يحصل بالقشة؛ بل بالأسلحة المدمرة والفتاكة التي لاتبقي ولا تذر.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق