في ظل معادلات إستراتيجية جديدة يرسمها الدب الروسي في المنطقة: نتنياهو يتباكى على أعتاب الكرملين
مسرعاً تحرّك رئيس وزراء الکيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإتجاه موسكو كي يطمئنّ ويطلع عن قرب على أفق التحرك الروسي النوعي والمفاجئ في المنطقة. لكنه لم يحظ باستقبالٍ في الكرملين وعاد بخفي حنين بعد أن بات يدرك يوماً بعد آخر أن الأوضاع في المنطقة تغيّرت ولم يعد للكيان الإسرائيلي وسيده الأمريكي اليد الطولى في إدارة شؤون المنطقة.
وتقرّ تل أبيب من خلال قرار الزيارة وتركيبة الوفد الإسرائيلي بأنها باتت أمام تحول وواقع جديد في سوريا، سيلقي بظلاله على مجمل المقاربة الاسرائيلية للساحة السورية والمنطقة. فقد أوضح مستشار الامن القومي لرئيس وزراء الکيان الإسرائيلي، يوسي كوهين، أن السبب الذي دفع نتنياهو للسفر الى موسكو هو الخشية من أن “تنتج روسيا في المنطقة واقعاً جديداً لم يكن قائماً في المنطقة منذ عشرات السنين”. ووصف كوهين قرار نتنياهو باصطحاب رئيس اركان الجيش ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية بالخطوة غير المألوفة. ولفتت مصادر سياسية الى أن هدف اصطحاب قادة عسكريين هو أن يستمع الروس الى مخاوف الکيان الإسرائيلي من الجهة المهنية الاكثر ارتباطاً بالموضوع. وكشفت ايضاً عن أن الکيان الإسرائيلي يشعر بالقلق من أنه في حال حصول احتكاك بين الجانبين الاسرائيلي والروسي سيؤدي ذلك الى نشوب أزمة يحرص الکيان على تجنبها. فكيف ينظر الإسرائيليون إلى زيارة نتنياهو لموسكو؟ وما هي مفاعيل الزيارة الخاطفة والمستعجلة؟ وأين أمريكا من هذا التحرك الإسرائيلي الخارج عن سيطرتها؟
فبعد أن مهّد الإعلام الإسرائيلي لزيارة نتنياهو لموسكو على أنها رسالة تحذير وإنذار، كان الردّ الروسي على لسان سيد الكرملين واضحاً أن روسيا ماضية في سياستها المسؤولة في الشرق الأوسط التي ترتكز على الحفاظ على سوريا وأمنها وأن سوريا لا تسعى لفتح جبهة جديدة في الجولان. ولم يقدم بوتين أي تطمينات لنتنياهو حول توريد أسلحة متطورة إلى سوريا خشية وصولها إلى حزب الله، بل أكّد دبلوماسيون روس عقب اللقاء أن مخاوف “اسرائيل لا اساس لها لأن طرفي الاتفاقية العسكرية ملزمان بتنفيذ شروط الصفقة، اي عدم تسليم السلاح لطرف ثالث.”
ومن جانبه قال نتنياهو إنه “في هذه الظروف اعتقد انه من المهم بالنسبة لي أن آتي الى هنا من أجل توضيح موقفنا، وفعل كل شيء بحيث لا يحصل سوء فهم بين قواتنا والقوات الروسية، زيارتي تهدف لمنع حدوث مواجهات بين القوات الروسية والإسرائيلية في الشرق الأوسط”. فقد حاول نتنياهو دون إقناع بوتين أن يدوّر الزوايا وأن يشرح هواجسه التي لم تقنع الكرملين على حد ما قاله دبلوماسيون روس.
وقال محلّلون إنّ كلام نتنياهو ينطوي على إستباق لأي مواجهة عسكرية مقبلة قد يحمّل فيها الإسرائيليون الروس المسؤولية بسبب تدخلهم العسكري في الأزمة السورية. وهذا الذي أبطل مفاعيله بوتين عندما أكّد أنّ “كل الاجراءات الروسية في الشرق الأوسط كانت وستبقى مسؤولة جداً، أما بالنسبة للقصف فنحن ندين هذه الأعمال وقصف الأراضي الإسرائيلية، وبالنسبة الى سوريا فيدرك كلانا أن الجيش السوري وسوريا في وضع معين لا يخولهم فتح الجبهة الثانية.”
وفي هذا السياق نقلت صحيفة “يديعوت احرونوت” الإسرائيلية عن نتنياهو ان الزيارة حددت آلية لمنع سوء الفهم بين الجيش الاسرائيلي والقوات الروسية، أما آلية التنسيق فستحدد وفق القناة الاولى الاسرائيلية في الاسبوع المقبل. وأفادت أن الزيارة مرتبطة بسوريا ومنها لبنان وايران، فوفق المعلومات نفسها ان غالبية السلاح المتطور الذي تحصل عليه سوريا هو سلاح روسي. وكان مكتب نتنياهو قد اعلن قبل الزيارة ان الاخير سيحذر الروس من تأثير وجود وسائل قتالية متطورة في سوريا ستصل الى ايدي حزب الله. وان الکيان الإسرائيلي قلق من ايران ويطلب في هذا الاطار من روسيا المساعدة على كبح ما يعتبرها الهجمات التي تقودها ايران في الحدود الشمالية.
ومن جانب آخر الزيارة الخاطفة التي وصفها محلّلون إسرائيليون باللدغة لواشنطن أو الطعنة في الظهر تثبت مدى الشرخ الحاصل بين أمريكا والكيان الإسرائيلي. فقد عكست هذه الزيارة عدم ثقة نتنياهو بقدرة أمريكا في الحفاظ على مصالح كيانه الأمنية. فنتنياهو شعر بالخيبة من عدم وقوف أمريكا خاصة إدارة أوباما إلى جانب كيانه في الكثير من المحطات التي لم يكن آخرها الإتفاق النووي الإيراني مع الغرب، فكيف بالملف السوري الأكثر حساسية للإسرائيليين والذي لا يمكن بالنسبة إليهم اللعب بناره أو الإستهانة بأي قرار يمكن أي يضر بمصالح وأمن الكيان الإسرائيلي. وكأن تأخر أمريكا في إعطاء موقف واضح من الحراك الروسي دفع نتنياهو لأن يستبق الموقف الأمريكي ويقف على أعتاب الكرملين دون الدخول إليه.
لكن المراوغة والتباكي الإسرائيلي لن يغيّر في موقف موسكو الثابت، بل سيزيد من ثقة بوتين بأنّ الإدارة الأمريكية لم تعد قادرة حتى على لعب دور لتوجيه أدواتها في المنطقة، والتفلت الإسرائيلي والعجز الامريكي عن إعطاء موقف واضح أو التحرك، دليل على ذلك.
فالأيام المقبلة ستشهد على تنامي الدور والنفوذ الروسي وحلفائه في الشرق الأوسط بشکل أكثر وتراجع نفوذ المحور الأمريكي وأدواته، وقد نرى نتيجة تخبط هذا المحور تطورات واحداثاً أمنية سيفتعلها الإسرائيليون عبر أدواتهم لتحميل روسيا ثمن تواجدهم في المنطقة. لكن زمن التحولات الإستراتيجية قد بدأ فكيف ستكون خارطة موازين القوى الجديدة في المنطقة؟ وهل سيدفع جنون الخسارة والتراجع الذي يعيشه الکيان الإسرائيلي وأدواته في المنطقة إلى إغراق أمريكا في مواجهة مع روسيا في الشرق الأوسط؟
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق