السعودية وحقوق الإنسان.. من الإنتهاك إلى الرئاسة
رغم أنها من الدول الثماني التي لم توقّع على الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان عندما اعتمد سنة ١٩٤٨، وواحدة من الدول الأكثر تعرضاً للحريات الشخصية، إضافة إلى سجلها المروع في حقوق الإنسان، فضلاً عن إحتلالها للمرتبة ١٦٤ من أصل ١٨٠ في مؤشر حرية الصحافة الذي تصدره منظمة “مراسلون بلا حدود”، ترأست السعودية لجنة أممية في مجلس حقوق الإنسان حيث انتخب مندوب السعودية الدائم لدى الأمم المتحدة في جنيف، السفير فيصل طراد، رئيسا للجنة الخبراء المستقلين في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة.
يعد المنصب الجديد هدية ثمينة للرياض في ظل الإنتقادات الأخيرة، سواء بسبب العدوان على الشعب اليمني وإرتكابها جرائم حرب، أو في قضية المدون رائف بدوي، أو بسبب الإعدامات التي حقّقت رقماً قياسياً منذ مطلع العام الحالي. وتتضح أهمية المنصب الجديد، رئاسة مجلس الخبراء المستقلين، بسبب الدور المؤثر لهذه الهيئة في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، والتي تتولى تعزيز حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، وصاحبة الكلمة الفصل في اختيار المتقدمين لوظيفة خبير في حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، لدى الدول التي تملك فيها المنظمة تفويضا في مجال حقوق الإنسان .
وحاولت السعودية، إبتداءً، السيطرة على رئاسة الهرم في حقوق الإنسان، لكنها إنسحبت من الترشح لرئاسة المجلس، الذي يضم ٤٧ دولة، بعد موجة من الانتقادات الدولية، بسبب سجل السعودية المروع، إلا أن إعلان الأمم المتحدة يوم السبت الماضي رسميا اختيار فيصل طراد لرئاسة مجلس حقوق الإنسان في دورته الثلاثين الذي افتتح أمس الاثنين ٢١ سبتمبر، ويقول البعض إن هذا الاختيار تم في شهر يونيو الماضي إلا أنه بقي سرا حتى الآن لأسباب غير معروفة، يدفعنا لمراجعة غيض من فيض الإجراءات السعودية المخالفة لحقوق الإنسان.
الإنتهاكات السعودية
تشن السعودية منذ حوالي الـ٦ أشهر عدواناً عسكرياً على الشعب اليمني، حيث بات في سجلّها عشرات المجازر التي تعيد إلى الإذهان جرائم الكيان الإسرائيلي، ولازالت أطفال قانا اليمن (المخا) تقض مضاجع السعودية في الأروقة الدولية، كما أن حبر إدانات المنظمات الدولية المختصة بشؤون الإنسان لم ينشف بعد. والسعودية وبحسب أرقام نشرتها وكالة فرانس برس، أعدمت ١٢٣ شخصا منذ مطلع هذا العام، كما أن منظمة العفو الدولية نددت في وقت سابق بـ “العيوب” التي تشوب النظام القضائي السعودي .
الترقي السعودي في منظمة حقوق الإنسان يأتي في ظل إعدامها لمائة وشخصين على الأقل في النصف الأول من ٢٠١٥ مقابل ٩٠ شخصا أعدمتهم في الفترة نفسها من ٢٠١٤، أي ما معدله إعدام محكوم واحد كل يومين وغالبيتهم بقطع الرأس. وبالتزامن مع إصرار الرياض على إعتقال المدون السعودي رائف بدوي رغم كافة المطالبات الحقوقية بإطلاق صراحه.
موجة إنتقادات
لم تستطع العديد من الدول والمنظمات إخفاء إمتعاضها وقلقها جراء القرار الأممي الجديد، فقد إعتبرت وزيرة خارجية السويد مارغوت والستروم السعودية واحدة من أكثر دول العالم وحشية قائلة: “إن شغل السعودية منصب رئاسة المجموعة يجعل من منظمة حقوق الإنسان أضحوكة ” . كذلك أوضح المحامي الدولي السويسري هيليل نوير، المدير التنفيذي لمنظمة “يو إن ووتش” المعنية بمراقبة الأمم المتحدة على موقع التدوين المصغر “تويتر”: “إنه أمر شائن أن الأمم المتحدة قد اختارت البلد الذي أعدم عددا أكبر من الناس من داعش هذا العام لرئاسة مجلس حقوق الإنسان”، مضيفا: “النفط والدولارات والسياسة تضر بحقوق الإنسان”.
في السياق نفسه، قالت المتحدّثة باسم منظّمة العفو الدّوليّة نادية بوهلين، متنهّدة، أنّ هذا “لا يعقل!”. وأضافت أنّ “المثير للسّخرية تماما أن بلدا يدوس دون مبالاة على حقوق الإنسان من خلال ممارسة عمليّات إعدام قاسية… يتحمل مسؤوليّة تعزيز وحماية حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم .”
من المؤسف والمعيب، أن تتحول شائعات رئاسة الرياض لأحد المجالس الرئيسية في المنظمة “الإنسانية” إلى واقع بعد نجاح حسن طراد في حملته داخل المجموعة الآسيويّة، فالسعودية، وفق منظمة العفو الدولية، أعدمت ٢٢٠٨ شخصاً على الأقل في ثلاثة عقود غالبيتهم تقريبا أجانب، وبينهم أحداث ومصابون باضطرابات عقلية .
هنا لابد من الإشارة إلى أن الخطوة السعودية بترأس لجنة الخبراء، تأتي في سياق السياسة الجديدة للطاقم الجديد، برئاسة الملك سلمان وإبنه محمد، فالسعودية بعد فشلها في المحاربة من الخارج تحارب اليوم من الداخل، ففي اليمن تدخّلت بشكل مباشر بعد سنوات من الدعم للجماعات التي تخوض حروبا بالوكالة، وكذلك هو الحال اليوم في المنظمة الأممية، وفي أي مواجهة مقبلة ترقبوا حضور السعودية المباشر. ويبدو أن حماس الشباب عديم الخبرة دفع بالرياض حالياً للحضور المباشر والإستغناء عن خدمات الوكيل.
لا ندري أهداف الأمم المتحدة من التعيين الذي وجدت فيه زوجة المدون السعودي رائف بدوي، انصاف حيدر، ضوءاً اخضر لبدء جلد زوجها مرة أخرى، فهل تريد الأمم المتحدة أن تعزز عمليات قطع الرؤوس في جميع أنحاء العالم؟
المصدر / الوقت