بريطانيا مؤسسة الإرهاب العالمي تتجرع من كأسه المرة: نتيجةً لفشل السياسات الداخلية والخارجية
لا شك أن بريطانيا بدأت تشعر بحجم القلق الذي طالما سعت له من خلال سياساتها التنفيذية في منطقة الشرق الأوسط. وهو الأمر الذي يأخذه المسؤولون البريطانيون على محمل الجد، عبر وضع سياساتٍ داخلية تساهم في منع تجنيد البريطانيين والتحاقهم بتنظيم داعش الإرهابي، في حين تغفل لندن عن سياساتها الخارجية التي تُعتبر السبب الأساسي. في وقتٍ تُشير فيه العديد من التقارير العلمية والأمنية، الى أنه من الصعب حل أزمة إرتداد الإرهاب الى الداخل البريطاني حالياً. فكيف عبَّرت بريطانيا عن صعوبة مواجهة الإرهاب المُرتد عليها؟ وماذا في التحليل والدلالات الى جانب الأسباب؟
تقريرٌ حول إقرار بريطانيا بصعوبة مواجهة الإرهاب المُرتد عليها:
أقر رئيس جهاز الإستخبارات البريطانية الداخلية “MI ٥” اندرو باركر، بالصعوبات التي تواجهها بريطانيا في مواجهة التهديدات الإرهابية مع تزايد أعداد البريطانيين الذين ينضمون إلى التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق واستغلالهم وسائل التكنولوجيا المتقدمة لتجنيد المزيد من العناصر. وتجاهل باركر كما جرت العادة بين المسؤولين البريطانيين حقيقة الدعم الذي قدمته لندن للتنظيمات الإرهابية في سوريا وتغاضيها عن كل التحذيرات التي أطلقت بشأن التعامل بجدية مع أخطار دعم الإرهاب ورفضها كل التنبيهات بشأن ارتداده إلى الداخل البريطاني. وفي مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية “BBC” أوضح باركر أن بريطانيا تواجه أكبر تهديد إرهابي منذ هجمات ١١ أيلول ٢٠٠١ في أمريکا، مشيراً إلى أن أجهزة الأمن البريطانية أحبطت ست محاولات لشن هجمات إرهابية العام الماضي. وقال باركر انه بات من الصعب على الأجهزة الأمنية البريطانية منع هجمات الإرهابيين الذين تمكنوا من استغلال الوسائل التكنولوجية المتقدمة لإخفاء خططهم وتحركاتهم عن السلطات.
من جهةٍ أخرى وفي وقتٍ تصاعدت فيه المخاوف في بريطانيا، بسبب تزايد عدد المواطنين البريطانيين المنضمين إلى ما يعرف بتنظيم داعش الإرهابي، سواء كانوا من أصول عربية أم بريطانية، سعت الحكومة البريطانية مؤخراً لتبني عدة استراتيجيات لتقليص أعداد الملتحقين بداعش من البريطانيين. إلا أن هذه الإجراءات لا يبدو أنها ستُفضي لنتائج إيجابية. وفي خطابٍ ألقاه الشهر الماضي في برمنج هام في بريطانيا، أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، عن استراتيجية لمحاربة التطرف. وقد منحت هذه الخطوات الحق للأسر البريطانية بسحب جوازات سفر أبنائهم، في حال بدت لديهم ميول للتطرف، والرغبة في الإنضمام الى الجماعات المتطرفة. الى جانب ذلك تم منع القنوات من بث الرسائل التي يقوم بإذاعتها المتطرفون، وتهدف لتجنيد الشباب. في حين بدأت بريطانيا بوضع آليات تساعد المسلمين المعتدلين في الإندماج بالمدارس، وإيجاد حلول لمشكلة السجون في بريطانيا، والسعي لحل المشكلات التي تواجه المسلمين من أصول بريطانية، والتي تأتي في مقدمتها أزمة الهوية الموجودة لدى المسلمين المولودين في بريطانيا.
قراءة في الأسباب والنتائج:
إن السياسات الإصلاحية التي تقوم بها الحكومة لتوطيد علاقة المسلمين البريطانيين بالتحديد وتقوية إنتمائهم لوطنهم، هي من الأمور التي لها الكثير من الدلالات. في حين تسعى بريطانيا للعمل داخلياً وخارجياً لمنع وصول الإرهاب إليها. وهنا نُشير للتالي:
– على الصعيد الداخلي، تسعى بريطانيا لمنع تحول بريطانيين لإرهابيين والتحاقهم بداعش وهو ما باء بالفشل، كما سعت لمنع تأسيس تجمعات للإرهابيين في الغرب وسفرهم لمناطق القتال في سوريا أو العراق أو ليبيا، وهو ما فشل أيضاً. كما أن محاولة بريطانيا بناء شراكة مجتمعية مع المسلمين المعتدلين على أراضيها، هو مشروعٌ محكومٌ بالفشل، لأن الثقة بين الدولة ومواطنيها المسلمين لم تولد بعد. خصوصاً أن سياسة الإعتماد على القوة في التعامل مع الجاليات المسلمة، تطغى على الأداء الرسمي في بريطانيا مما أدى إلى انهيار الثقة بين الحكومة والأقليات، وتعزيز الإتجاهات المعادية للتنوع والأحزاب المناهضة للأجانب. مع الإشارة الى أن بريطانيا والتي تسعى اليوم لإيجاد أرضيةٍ تحتضن فيها مُسلمي الداخل، سعت على مر العقود الماضية لتشويه سمعة الإسلام عبر تسليط الضوء إعلامياً على ما يُسمى بالإسلاموفوبيا!
– على الصعيد الخارجي، أخطأت بريطانيا منذ أن أعلنت دعمها للصراع المسلح على الساحة السورية. وهي التي نادت بإسقاط النظام ودعم المعارضة. مما جعل سياساتها الخارجية مبنية على هذا الأساس تحديداً تجاه منطقة الشرق الأوسط. وقد كان للإعلام البريطاني دورٌ مركزي في الترويج للإرهاب في سوريا عبر نقل تصريحات الإرهابيين في محاولةٍ لتبرير مشروعية المعارضة المسلحة. وهو ما سيكون قد أثر حتماً على الداخل البريطاني، وساهم في تجنيد العديد من المتطرفين للعمل لصالح المنظمات الإرهابية في بريطانيا أو دول الإتحاد الأوروبي الأخرى.
إذن تتجرع بريطانا الكأس الذي أعدته لفترةٍ طويلة. فهي الدولة المعروفة، بالعمل الإستخباراتي الهادف لشق صفوف المسلمين، وبناء أرضيةٍ للإرهاب تعزز التقسيم وتأجيج الخلافات. لنقول إن بريطانيا صانعة الإرهاب الأولى في العالم، لا يمكن أن تبقى بعيدةً عن نتائج سياساتها، إن على الصعيد الدولي، أو من خلال آلياتها التنفيذية عبر الإعلام والدعم اللوجستي. فالتاريخ الحافل لبريطانيا في صنع الخلايا الإستخباراتية، يجعل منع ارتداد الإرهاب اليها أمراً مستحيلاً. في حين لم تعد سياساتها فعالة، إن على الصعيد الخارجي وهو ما يعبر عنه ضعفها الدولي، أو على الصعيد الداخلي وهو ما تعبر عنه أزماتها المتكررة بين الإجتماعية والسياسية والأمنية. فهل لحقت بريطانيا بمصاف الدول فاقدة الدور والهيبة؟
المصدر / الوقت