ماذا وراء القلق الأمريكي من دخول روسيا على خط المواجهة؟ وإلى أين ستؤول الأمور
الأزمة السورية التي أحدثتها أمريكا بدأت تنقلب إلى ارتباك أمريكي حقيقي خاصة مع الدعم الروسي العسكري الأخير والذي لم يحدد بسقف بل ترك لمقتضيات ومتطلبات كل مرحلة وحجم الطلب السوري، وبعد سنوات من تجاهل امريكا في سياستها في الملف السوري للرؤية الروسية حول سبل مواجهة جماعات التدمير والتخريب والأطر السياسية التي يمكن سلوكها والتي من شأنها أن تعيد الهدوء، حدث التحول في الأسابيع الأخيرة الماضية والتي شهدت تحركاً من قبل أمريكا نحو طرق الباب الروسي لمعالجة الأوضاع في سوريا والإتفاق على عقد اجتماع بينهما لدراسة الأوضاع العسكرية والسياسية هناك وتوسيع دائرة الإتصالات، تُرجِم ذلك من خلال تصريح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري من أن بلاده ترى بأن المحادثات العسكرية مع روسيا من شأنها أن تكون خطوة مهمة يُأمل أن تنعقد قريباً إلى الإتصال الهاتفي الذي أجراه وزير الدفاع الأمريكي مع نظيره الروسي على ضرورة استمرار المباحثات فيما بينهما. فما هو سبب الإرباك والقلق الامريكي من دخول روسيا على خط المواجهة ضد جماعات التدمير والتخريب في سبيل دعم الشعب السوري وحكومته؟ وإلى أين ستؤول الأمور؟
ماذا وراء القلق الأمريكي من دخول روسيا على خط المواجهة؟
أمريكا والتي تقود حلفاً لمواجهة جماعات التخريب والتدمير وعلى الرغم من فشلها في تحقيق أي نتائج ملموسة فهي تبدو اليوم مربكة من التوجه الروسي نحو رفع مستوى الدعم للشعب السوري وحكومته في سبيل مواجهة الجماعات التخريبية التدميرية، وقد قدّمت أسلحة متطورة في هذا الخصوص كان آخرها طائرات من دون طيار استخدمت في الأيام القليلة الماضية في مدينة درعا، هذا الارتباك الأمريكي وحتى حلفائها من بعض الأنظمة العائلية الحاكمة والكيان الاسرائيلي يطرح علامات استفهام كبيرة حول التناقض بين القلق الأمريكي من جهة وتصريحاتهم بضرورة مواجهة هذه الجماعات من جهة أخرى. ما يمكن طرحه بالمعنى الآخر عن أهداف تشكيل أمريكا لحلفها المزعوم، تشير الأحداث وبحسب تتبعها أن أمريكا قد رسمت مخططاً تقسيمياً لسوريا، فهي لا تريد للجماعات التكفيرية السيطرة بالكامل واسقاط الحكومة الشعبية السورية، ولا تريد للحكومة الشعبية من جهة أخرى استمراريتها في بسط الأمن على كافة المدن والمناطق السورية، وهي من خلال تدخلها بالطائرات ترسم حدود الجماعات وتأقلم مناطق نفوذهم، وكذلك تقف عائقاً أمام الجيش السوري والتشكيلات الشعبية المنضوية تحته لإحداث تقدم ميداني في مناطق نفوذ الجماعات. انطلاقاً من هذه الرؤية يمكن فهم القلق الأمريكي على أنه يرى في دخول روسيا خط المواجهة ضد جماعات التخريب والتدمير على أنه خروج عن آلية المواجهة التي فرضتها أمريكا وذهاب نحو آلية جادة كفيلة مع الأيام بضرب الفكر التخريبي التدميري في المنطقة، وبالتالي فإن ذلك سيكون كفيلاً بخروج الواقع السوري عن دائرة الأزمة التي خلقتها أمريكا وانتقاله إلى واقع أمني يتيح تفعيل الإرادة الشعبية ويفشل مخطط التقسيم الأمريكي.
الرؤية الأمريكية تنظر إلى دخول روسيا على خط المواجهة ضد جماعات التخريب التدميرية على أنها تثبيت لعملية جديدة في عملية التفاوض، فأمريكا كانت تعمل على مخطط جر الأمور إلى المكان الذي يمكّنها من التفاوض في الشأن السوري مستفيدة من الواقع الذي ستفرضه الجماعات التدميرية لما يلبي مصالحها ومن موقع الإقتدار والقوة التي يمكنها فرض الإملاءات على الشعب السوري وحكومته، لكن دخول روسيا على خط المواجهة غيّر المعادلة وقلب الأوراق، فأمريكا لا يمكنها أن تضع نفسها في مواجهة الإرادة الروسية الداعمة للشعب السوري، خاصة أن هذا الدعم يأتي مسانداً لدعم دولي أشمل فرضته الدبلوماسية الإيرانية، وعليه فإن أمريكا ترى أن الأمور متجهة لا محال إلى تسوية سياسية فاعلة يكون الشعب السوري هو صاحب الإرادة فيها. كما أن أمريكا ترى في دخول روسيا على خط المواجهة تفعيلاً للدور السوري في مواجهة الجماعات التدميرية وفق رؤية شعبية وهو ما لا تريده أمريكا.
قد ترى أمريكا نفسها أمام واقع يفرض عليها الإستجابة لآلية المواجهة الجديدة خشية خروج الأمور بالکامل من دائرة سيطرتها، وهي قد لا ترى نفسها محرجة في اقناع حلفائها بتغيُر قواعد اللعبة وآلية المواجهة مع دخول روسيا بخلاف ما لو كانت ايران على خط المواجهة بسبب الحساسية التي خلقها المستعمر الغربي من قبل الأنظمة العائلية الحاكمة اتجاه ايران فضلاً عن الرؤية الإيرانية التي تضع ميزان التفاوض وفق المصلحة الشعبية بالكامل دون املاء وفرض شروط خارجية وهو ما يُنظر إليه وفق الرؤية الغربية الإستعمارية على أنه توصيد للأبواب بوجه المطامع على حساب الشعوب.
المصدر / الوقت