في خنادق الصراع: داعش وطالبان.. لمن الكلمة الفصل؟
تزدحم الأجواء الإقليمية الدولية هذه الأيام بالجماعات التكفيرية التي عاثت في أرض المسلمين فساداً تحت ذريعة الخلافة الإسلامية، إلا أن التطورات الاخيرة التي حصلت لهذه الجماعات لاسيّما الثلاثي الإرهابي داعش-القاعدة-طالبان تستحق التوقف طويلاً نظراً لإرتباطها الوثيق بمستقبل المنطقة وشعوبها.
بدايةً، يمكن أن نلحظ إحتكام العلاقة بين الجماعات التكفيرية إلى الثالوث الإرهابي داعش-القاعدة-طالبان، وذلك منذ نشوء التنظيم الإرهابي الأبرز حالياً في العام 2012، تنظيم داعش الإرهابي، وحتى وفاة الملا عمر قبل فترة، حيث إتخذت المعادلة الجديدة لهذه الجماعات مسار القطبين، لاسيّما بعد المبايعة المتوقعة لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في التسجيل الصوتي الذي تم بثّه في منتصف الشهر الفائت، مع العلم أنه سجل بعد يومين فقط من تأكيد طالبان وفاة الملا عمر.
كان الظواهري واضحاً في تسجيل ولائه للأمير الجديد الملا أختر محمد منصور، حيث استعان بكلمة مسجلة بالصوت والصورة لأسامة بن لادن فيها يقول: «بيعتنا لأمير المؤمنين هي بيعة عظمى (…) من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية». ثم وصف المُبايِع الجديد أيمن الظواهري الملا محمد عمر بالمجاهد البطل الذي لم يرضخ «لأمم الكفر العالمية وواجهها بجنوده الأبرار». ثم قال: «إنه ذلك الأمير الذي تحدى عبدة الأوثان المشركين واقتدى بالخليل إبراهيم فحطم الأصنام» وهي إشارة إلى نسف طالبان لتمثالي بوذا التاريخيين. ثم بايع أمير طالبان الجديد «أمير المؤمنين» الملا أختر محمد منصور واعدًا بمواصلة طريق بن لادن، وأبو مصعب الزرقاوي، وموجها في رسالته إلى الملا منصور إنتقاداً ضمنياً لتنظيم داعش الإرهابي: «نبايعكم على إقامة الخلافة الإسلامية التي تقوم على اختيار المسلمين ورضاهم (…)».
الإصطفاف الجديد يشي بالبحث عن النتائج المرتقبة على الجماعات التكفيرية نفسها من ناحية، لاسيّما بعد تحول الصراع إلى قطبين وبروز بعض التغيرات الميدانية في أفغانستان، وعلى شعوب الدول المحيطة بكرتي النار هذه من ناحية أخرى، فهل بالإمكان أن نستثير منهجاً لقراءة تبحث من جديد في أفق الصراع بين محوري داعش وطالبان؟
صراع داعش – طالبان
لم يتأخر الملا منصور في قبول مبايعة الظواهري، كما جاء في بيان بعد يوم واحد من بث رسالة الظواهري، حيث شكر الملا منصور «كل الإخوة المحترمين الذين تعاطفوا معنا في هذه المرحلة الحرجة للأمة الإسلامية»، كما يشكل إنضمام الظواهري فرصة ثمينة لحركة طالبان في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي في ظل محاولة الاخير في الحصول على نفوذ في أفغانستان وتجنيد مقاتلين، وقد بدا واضحاً ذلك من خلال الصراع الأعنف في معقل طالبان في مقاطعة «نانغارهار» بالقرب من جلال آباد.
وعند الدخول التفصيلي في صراع داعش-طالبان، يتضح إتساع نفوذ الاول على حساب الأخير، متجاوزا حدود قواعده في سوريا والعراق، ويهدد بذلك وجود “طالبان” المسيطرة على أجزاء من أفغانستان منذ عام 1996. فقد كشف تقرير لجنة “القاعدة وطالبان” التابعة للأمم المتحدة، أن عدد المنضوين والمبايعين للتنظيم يزداد في عدة ولايات أفغانية.
وجاء في التقرير نقلا عن مصادر حكومية أفغانية أن هناك على ما يبدو توسعاً كبيراً لتنظيم “داعش” الإرهابي، حيث أن المجموعات المرتبطة بالتنظيم تنشط في 25 ولاية بأفغانستان من أصل 34، كما أن معظم المنضمين الجدد هم أفراد تم تجنيدهم من مجموعات مسلحة، بعضهم على خلاف مع القيادة المركزية لحركة “طالبان” أو يسعون إلى هوية مختلفة من خلال ابتعادهم عن حركة طالبان “التقليدية”. وأشار التقرير أيضا إلى أن حوالي 10% من أعضاء حركة “طالبان” النشطين يؤيدون تنظيم “داعش” الإرهابي، لكنه رقم غير ثابت نظرا لتغير التحالفات على الأرض.
سيناريوهات مرتقبة
إن هزّ تنظيم داعش الإرهابي لعرش حركة طالبان الإرهابية، بعد فترة من تدفق أموال داعش النفطية إلى أفغانستان، وفق مسؤولين في حكومة الرئيس أشرف غني، يشير إلى جملة من السيناريوهات المرتقبة، أبرزها:
أولاً: وجود ما يسمى بحرب القدرة، حتى إنهاء أحد الأطراف لمنافسه على الخلافة.
ثانياً: إنقسام حركة طالبان إلى جزئين، الأول ينضم إلى داعش الإرهابي، كما يحصل حالياً على صعيد مصغر، في حين يُجري ما تبقى من حركة طالبان مصالحة مع الحكومة الأفغانية لمواجهة خطر داعش المشترك.
ثالثاً: تقسيم المحافظات الأفغانية على التنظيمين، حيث يسب تنظيم داعش الإرهابي ولاءات بعض القيادات الوسطى في الحركة، لاسيّما أن العامل الإقتصادي يلعب الدور الأبرز في تحديد ولاء الجماعات التكفيرية.
رابعاً: توازن قدرة الصراع بين التنظيمين على الأراضي الأفغانية.
لكل من هذه السيناريوهات المرتقبة نقاط القوّة والضعف الخاصة، إلا أن طموح وحديث ووقائع نفوذ داعش الإرهابي في المنطقة، مع الأخذ بعين الإعتبار أن السيناريو الأقوى حاليا هو توازن قدرة الصراع وفق ما يلوح في الأفق، يؤكد أن جهود داعش الإرهابي ستغطي مساحات أكبر على الساحة الآسيوية.
قد تتركز مواجهات داعش في أفغانستان لأسباب تاريخية وعسكرية (خبرة المقاتلين الأفغان وأرضيتهم الخصبة في الإنضمام إلى الجماعات الإرهابية)، إلا أن جذب الجماعات الراديكالية الإسلامية من البلدان المختلفة لشل هذه الدول، سيكون أحد أبرز الأهداف الداعشية التي تتلائم ومخططات بعض الدول الإقليمية والعالمية، مثل السعودية وباكستان وأمريكا والدول الأعضاء في الناتو.
الضرب على الأوتار القومية والمذهبية لإدخال إيران في صراعين مذهبي وقومي، وجذب الجماعات الهندية المتطرفة لإدخال نيودلهي في أزمة جديدة، وكذلك التركيز على الجماعات المتطرفة في آسيا الوسطى وروسيا والشيشان، لإشعال هذه الدول لاسيّما الدب الروسي الذي إنقض على التنظيم في سوريا، إضافة إلى جذب مسلمي الإيغور لمواجهة الصين، أساليب عدّة لمشروع داعش الإرهابي الذي سيحصد دعماً أمريكيا-سعوديا- باكستانياً غير مسبوق. وكل هذا يؤشر إلى مرحلة جديدة من سفك الدماء وقتل الإنسانية، فالإرهابيون قرروا استباحة كل شيء، فمتى يستفيق العالم؟
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق