التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

لم يعد أهل مكّة أدرى بشعابها! 

حولت حادثة منى التي أودت بحياة حوالي ٢٠٠٠ حاج وفق مصادر مطلعة (الإحصاءات الرسمية لم تعلن سوى عن ٨٠٠ حاج تقريباً) أفراح المسلمين إلى أتراح، حيث لم تسمح هذه الفاجعة الأليمة ببهجة عيد وما جرى في منى وما اصاب حجاج بيت الله الحرام يدمي القلوب ويستحق التوقف عنده طويلاً.

السلطات السعودية وقبل أن ترفع الحجاج الشهداء من أرض الواقعة، سارعت إلى إتهامهم تارة، وإلصاق التهمة بالله عزوجل عبر ترنيمتها المعروفة في حوادث الحجاج المماثلة في كل عام “المشيئة الإلهية أرادت ذلك” أخرى، لكن المطالعة الدقيقة لهذه الحادثة الأليمة، والأقصى في تاريخ الحج إلى بيت الله الحرام، بعد أن كانت تحتل حادثة الخلل في التهوئة بأحد الأنفاق في العام ١٩٩٠ المرتبة الأولى حيث حصدت حينها حوالي الـ١٤٠٠ حاج، تشير إلى جملة من التبعات التي يجب الإلتفات إليها في كل عام.

لم تكن هذه الحادثة هي الاولى من نوعها في العام الحالي، فقد شاهدنا الصور المؤلمة للحجاج قبل أيام أثناء سقوط الرافعة التي أودت بحياة أكثر من ١٠٠ شخص، نتيجة خطأ فني سارعت السعودية إلى إتهام الله عزوجل عبر الترويج لأخبار مفادها وقوف العواصف وراء سقوط الرافعة، مع العلم أن كافة أراضي السعودية لم تشهد حادثة مماثلة، وقد تعرضت آلاف الرافعات هناك للعاصفة نفسها.

ما يدمي القلوب فضلاً عن آلاف الأرواح التي أزهقت بسبب الخلل الجذري في تنظيم المراسم، هي تلك المشاهد التي طالعتنا بها وسائل الإعلام لصور الحجاج المكدسة فوق بعضها، مع العلم أن السعودية تدعي أنها الدولة الأولى في تنظيم الحج عالمياً – لم نعلم بوجود مراسم للحج في بقعة أخرى حتى كتابة هذه السطور-، وأنها وضعت عشرات الآلاف من الجيش والشرطة وعناصر الهلال الأحمر في خدمة الحجاج، فأين كانوا بعد أكثر من عشر ساعات على الحادثة، وما صحة الأحاديث المتداولة عن مرور موكب لأحد أمراء آل سعود؟

قد يرى البعض أن تنظيم مراسم الحج لحوالي مليون وستمائة ألف شخص( وفق ما أعلن أمير مكة) أمر في غاية الصعوبة، وبالتالي من الطبيعي أن تحدث أخطاء تودي بحياة المسلمين، خاصةً في حال عدم إلتزامهم بتعاليم السلطات الرسمية، ولكن لماذا لم يكن الحال مشابها في المراسم الدينية في كربلاء سواءً في العاشر من المحرم، أو ذكرى الأربعين، مع العلم أن عدد الزوار هناك يقارب الـ٢٠ مليوناً في ظل إمكانيات لا تقارن أبداً بنظيرتها في مدينة مكة؟ وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الحكومة العراقية رغم كافة إنشغالاتها وضعفها لوجستيا مقارنة بالحكومة السعودية، نجحت في تفادي حوادث مشابهة، وبما أن الحجاج والزوار هم الأشخاص أنفسهم، أو أبناء البيت الواحد والبلدة الواحدة والوطن الواحد، لا يمكننا إلقاء اللوم سوى بإتجاه آل سعود، الذين يعتقدون أنهم أدرى بشعاب مكّة.

ليس من المجدي حالياً الوقوف على الأطلال، أو حتى إلقاء اللوم على السعودية، التي تتحمل المسؤولية الكاملة، دون أن تترتب آثار تمنع تكرار الحادثة في الأعوام القادمة، لأن القاء التبعات على الحجاج هو تبسيط للامور، ووقوع الاحداث المتكررة في موسم الحج يدلل على وجود خلل في ادارة السعودية لمناسك الحج. إن مطالبة البعض بضرورة ان يكون هناك تحقيق يُشارك فيه مندوبو الدول التي كان لها النصيب الاكبر من الضحايا والمصابين، وكذلك تأكيد آخرين على ضرورة أن تصبح إدارة أمور الحجاج بعهدة منظمة التعاون الإسلامي من أهم النقاط التي يجب أن تناقش مع الحكومة السعودية إثر هذا الحادث الأليم.

ورغم أن الرياض سترفض أي تبعات تؤثر على “هيبة” السلطات السعودية، إلى أن الواقع يشي بتكرار هذه الحوادث تارة بسبب الإهمال الحاصل تجاه الحجاج مع العلم أن هذه المراسم تدر على الخزينة السعودية أكثر من ٨ ملياردولار( وفق الإعلانات الرسمية للحكومة السعودية)، وأخرى وقف ما إعتبر البعض، عندما أكّد أن إنشغال جزء من القوات السعودية في العدوان على الشعب اليمني، وآخر في قمع التظاهرات السلمية للشعب البحريني، إضافة إلى تهاون السلطات السعودية الجديدة، أسباب وإن إختلفت تؤدي إلى واقعة منى.

للأسف، تسارع السعودية بعد كل حادث مشابه سواء في منى أو حادثة الرافعة إلى الحديث عن التعويض المالي على ذوي الحجاج حتى قبل تعزيتهم، مع العلم أن الشعوب المسلمة تريد، اليوم أكثر من أي وقت مضى، أن يكف آل سعود شرورهم سواء في سوريا، العراق، اليمن، البحرين، المنطقة الشرقية في السعودية، واليوم في مكة.

في الخلاصة، إن إدبار وتخلف السعودية في التعاطي مع مراسم الحج في كل عام تعود إلى الأسباب التي تحدث عنها الدين الحنيف في هذا السياق، والتي تتلخص في ثلاث نقاط، أولاً سوء التدبير، ثانياً كثرة الإعتذار، وثالثاً قلّة الإعتبار. وبعد كل ما ذكر يمكننا القول فيما يخص الحجاج، وبالفم الملآن، لم يعد أهل مكة أدرى بشعابها!
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق