علاقات تركيا بالكيان الإسرائيلي.. عداء وهمي وتحالف استراتيجي؟!
بدأت العلاقات بين تركيا والكيان الإسرائيلي بشكل رسمي عام 1949، وشهدت تطوراً مطرداً في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية في إطار تحالف إستراتيجي يجمع بين الجانبين.
وتوطدت العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة وتل أبيب في السنوات الأخيرة من خلال الزيارات المتبادلة لمسؤولي البلدين ذات الأغراض والأهداف المشتركة خصوصاً ما يتعلق بالأزمة السورية، وهو ما دفع الطرفين إلى التلاقي لدعم الجماعات الارهابية المسلحة والتكفيرية المتطرفة لإسقاط حكومة الرئيس بشار الأسد.
وطيلة العقود الماضية وقع الجانبان التركي والإسرائيلي الكثير من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية أبرزها ما عرف بـ “اتفاقية التجارة الحرة التركية – الإسرائيلية” عام 2000 التي اعتبرتها تل أبيب مهمة جداً كونها الأولى التي توقعها مع بلد ذي أغلبية سكانية من المسلمين.
وكان من الطبيعي أيضاً أن تنمو العلاقات العسكرية بين أنقرة وتل أبيب في ظل التطورات السياسية والأمنية المعقدة والشائكة التي تشهدها المنطقة. وتعود البداية إلى الاتفاق السرّي الذي وقَّعته رئيسة الوزراء التركية السابقة “تانسو تشيلر” وقضى بتبادل المعلومات الاستخبارية والأمنية مع الكيان الإسرائيلي.
وفتح هذا التعاون الباب لتوقيع 16 اتفاقاً عسكرياً جرى تنفيذ الكثير منها في عهد حكومة حزب “العدالة والتنمية” الذي يقوده رجب طيب أردوغان والتي شملت تحديث أسطول طائرات الفانتوم (أف – 4) و(أف – 5) بكلفة 900 مليون دولار، وتحديث 170 دبابة من طراز (M60AI) بكلفة 500 مليون دولار، وشراء صواريخ( Popey-I) و(Popey-II) للدفاع الجوي بكلفة 150 مليون دولار، وصواريخ “دليلة” الجوالة (كروز) التي يبلغ مداها 400 كلم، بالاضافة الى تدريب الضباط الأتراك على استخدام أحدث التقنيات الأميركية بينها طائرات من دون طيار يستخدمها الكيان الإسرائيلي لاستهداف الفلسطينيين لاسيما في قطاع غزة.
وسعت تل أبيب إلى تحقيق عدة أهداف من وراء تعاونها الاقتصادي والعسكري مع أنقرة بينها فتح أسواق جديدة لمنتجاتها العسكرية، وزرع محطات للتجسس في داخل الاراضي التركية بالقرب من الحدود مع سوريا والعراق وايران حيث انتشرت أجهزة التنصت والرصد لتتابع عن كثب ما يجري في هذه البلدان.
العلاقات التركية – الإسرائيلية والعداء الوهمي
على الرغم من البرود الظاهري الذي شهدته العلاقات التركية – الإسرائيلية في بعض الفترات خصوصاً بعد الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية الذي كان يحمل مساعدات انسانية إلى الفلسطينيين في قطاع غزة والذي تسبب بمقتل عدد من الركاب الأتراك، دأبت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتاتياهو على وصف هذه العلاقات بأنها “كاملة ومثالية”.
وبين الحين والآخر تفتعل أنقرة عداءً وهمياً مع تل أبيب لخداع الرأي العام الاسلامي على وجه الخصوص بأنها تعادي الكيان الإسرائيلي إلاّ انها تسعى في الحقيقة إلى تطوير علاقاتها مع هذا الكيان بسرية تامة وبعيداً عن وسائل الإعلام.
ويرى بعض المراقبين في زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل الأخيرة إلى أنقرة بأنها لا تتعدى حدود “الصدمة” الإعلامية، حيث أرادت تركيا من خلالها الإيحاء فقط بأنه لم يعد بالإمكان تجاهل جرائم الكيان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في الاراضي المحتلة.
وتجدر الاشارة الى أن التعاون التركي – الإسرائيلي شمل أيضاً إنشاء مطار في قطاع غزة وفتح المعابر البحرية للقطاع للقيام برحلات تجارية الى موانئ شمال قبرص تحت إشراف الأجهزة الأمنية التركية والإسرائيلية في مقابل موافقة حركة حماس على وقف حفر الأنفاق في المناطق الحدودية من القطاع ومنع اطلاق الصواريخ باتجاه الأهداف الإسرائيلية في الأراضي المحتلة وعقد هدنة مع كيان الاحتلال لمدة ثماني سنوات على الأقل حسب ما ذكرت صحيفة “یدیعوت أحرنوت” التي أشارت الى أن هذا الاتفاق حصل خلال زيارة مشعل الى تركيا.
وفي سياق التسويق الاعلامي أيضاً أعرب الرئيس التركي خلال اتصال هاتفي مع نظيره الفلسطيني محمود عباس عن استنكاره للإعتداءات المتكررة لقوات الاحتلال الإسرائيلي ضد المسجد الأقصى، في وقت يعلم الجميع ان أنقرة استضافت قبل نحو ثلاثة أشهر اليهودي المتطرف الحاخام “یهودا غلیك” الذي يعد من أشد المتحمسين لهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم مكانه.
مما سبق نستخلص ان التعاون الاقتصادي والعسكري والأمني بين تركيا والكيان الإسرائيلي يشكل في حقيقته خطراً إستراتيجياً محدقاً بالأمن الأقليمي بشكل عام، ومحور المقاومة الذي يتصدى بشجاعة للمشروع الصهيوأمريكي في الشرق الأوسط الرامي الى تقطيع أوصال المنطقة ونهب ثرواتها والهيمنة على مقدرات شعوبها وتقرير مصيرها، بشكل خاص
المصدر / الوقت