التحديث الاخير بتاريخ|الأربعاء, ديسمبر 25, 2024

السعي الألماني لحل الأزمة السورية 

يمكن القول إن ألمانيا كانت على الصعيد الغربي، أول من نادى بضرورة العمل لإيجاد حلٍ سلمي للأزمة في سوريا. وهو الأمر الذي تعكسه تصريحات المسؤولين الألمان وسعيهم الحثيث لذلك. وبعيداً عن مناقشة الأسباب التي دفعت برلين للعب هذا الدور، والمتمثلة بتصاعد وتيرة اللاجئين مع تزايد تهديدات الإرهاب، فإن لذلك أثراً عملياً على الصعيد الدولي. في وقتٍ بدأ الحديث فيه عن تشكيل حكومةٍ ألمانية. فماذا في موقف المسؤولين الألمان؟ وكيف يمكن تحليل ذلك؟

أولاً: الموقف الألماني والدعوة لتشكيل حكومة انتقالية:
دعا وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير الأحد الى تشكيل حكومة إنتقالية في سوريا للخروج من المأزق وأعرب عن استعداده للقيام بوساطة بين الموالين والمعارضين لحوار مع الرئيس السوري بشار الأسد. وصرح لمحطة التلفزيون الألمانية الرسمية “اذا توصلنا الى أن نجمع الفاعلين الرئيسيين في المنطقة والعالم، أي الإتحاد الأوروبي وأمريكا وروسيا .. حول جامع مشترك واحد .. فهذا يعني أننا نسير نحو تشكيل حكومة انتقالية وسيكون شيئا مهماً”. وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد دعت الى مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في أي مفاوضات تهدف الى إنهاء النزاع في بلاده المستمر منذ أربع سنوات وسط ضغوط متزايدة لإيجاد حل لهذه الأزمة.

ثانياً: تحليل الموقف الألماني
إن تغير الموقف الألماني يأتي كنموذجٍ للتغير الدولي لا سيما الغربي. لكن ألمانيا التي لم يكن لها يوماً دورٌ مباشر في أزمات الشرق الأوسط، تُعطي الملف السوري أهمية كبيرة تتساوى مع أولوياتها الإستراتيجية. فكيف يمكن تفسير ذلك من خلال التالي؟
– إن الحركة المستمرة لنزوح اللاجئين نحو أوروبا، وبشكل خاص نحو ألمانيا، بالإضافة إلى الهجمات الإرهابية التي يقوم بها تنظيم داعش، يعتبران السبب الأساسي للتحرك الألماني تجاه الحل في سوريا. وهو الأمر الذي عكسته تصريحات العديد من المسؤولين في الداخل الألماني، مما يُشير الى التغير الجذري في قراءة الأزمة السورية لدى النخب السياسية في أوروبا. فعلى الرغم من أن أغلب هذه التصريحات لا يكون لها أثرٌ أبعد من الحدود المحلية للدول، لكنها تزيد من الضغط الداخلي على الحكومات الأوروبية، وتؤجج من موقف الرأي العام الداخلي. ويمكن أن يكون توماس أوبرمان، زعيم الكتلة البرلمانية للحزب الإشتراكي الديمقراطي نموذجاً لذلك، حيث قال في 24 أيلول 2015 خلال تصريحٍ له أمام البرلمان الألماني: “رغم صعوبة الأمر، يجب التحدث مع جميع من من شأنه أن يساعد على ضمان إيجاد حلٍ لهذا الصراع”…. “نحن نعلم أن الحرب لا يمكن أن تضمن التوصل إلى السلام”.
– وهنا لا يمكن الإستخفاف بالخطر المُحدق الذي تشعر به أوروبا اليوم. فالعديد من الجهاديين الذين أتوا منها، قد بدؤوا يعودون الى بلادهم، مما قد يؤسس لواقعٍ إجتماعيٍ خطير لم تشهده الدول التي طالما نادت بالديمقراطية وحقوق الإنسان. وهو ما قد يتحول الى خطر أمنيٍ يهدد السلم والإستقرار الأوروبيين. فتنظيم داعش الإرهابي يضم جنسياتٍ أوروبية تشكل خطراً في حال عادت ودخلت أوروبا. مما أجبر المسؤولين على العمل من أجل إيجاد حلٍ جذريٍ للمشكلة والتي لا حل لها إلا بالقضاء على الإرهاب. ولأن معاجة المشكلة لا يمكن أن تكون إلا من جذورها، كما أن الرهان على الوقت ليس لصالح أحد، فإن حل الأزمة السورية بطريقةٍ سلمية هو الخيار الأفضل للجميع.
– وقد أتى الحضور العسكري الروسي ليُعطي الغرب لا سيما أوروبا فرصةً لذلك. فقد جاءت الخطوة الروسية، لتُعزز من قوة النظام السوري، مما شكل فرصةً لجميع الأطراف المعنية بالصراع السوري، لمراجعة موقفها من الأزمة السورية. وهنا يمكن القول إن الأوروبيين لا سيما الألمان وجدوا في ذلك فرصة للدخول من البوابة التي فتحتها موسكو للجميع، عندما أعلنت أن خطوتها تهدف لمحاربة الإرهاب. وهو ما يشكل عين المشكلة الأوروبية. ليكتمل المشهد بالرضوخ الأمريكي وبالتالي الغربي.
– كما أن وقوف حلفاء دمشق الى جانبها وإصرارهم على بقاء النظام، كان له الدور الأساسي في الوصول لهذه النتيجة. فإيران وروسيا لم تُغيرا موقفهما من الأزمة واشترطتا دوماً حضور النظام والرئيس السوري في أي حل. جاء ذلك ليتزامن مع التغييرات الميدانية التي أرساها حزب الله اللبناني بالتعاون مع الجيش السوري.

تعود الأطراف العالمية ومنها الأوروبية، لتنادي بالموقفين الروسي والإيراني. فيما تعتبر ألمانيا الدولة الأقرب لحلف موسكو وطهران. وهنا فإن الموقف الألماني الطالب بالعمل على تشكيل حكومةٍ إنتقالية في سوريا، يهدف لتسريع وتيرة السعي من أجل إيجاد الحلول. ولأن العودة للماضي لن تُغير أحداث اليوم، فلا بد من العمل الحثيث لحل الأزمة في سوريا وهو ما يتطلب جهداً غربياً يُضاف الى الجهد الألماني. فالجميع يعرف أن حل الصراع الدائر في الميدان السوري، سيكون له أثرٌ محليٌ سوري، وإقليمي ودولي. فهل ستشهد الأيام المقبلة، بداية الإنفراج السوري داخلياً؟
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق