التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

هل تتعظ السعودية من أخطائها في عهد سلمان 

لم يعد وضع العائلة السعودية اليوم مشابهاً لنظيره قبل بضعة أشهر، عندما كان الملك عبدالله بن عبد العزيز يدير دفّة الحكم في الرياض، أو بالأحرى كان دور الأمير(الملك) سلمان يقتصر على ولاية العهد، حتى أن الأوضاع اليوم تختلف كثيراً عن بداية الحكم لسلمان بن عبد العزيز بعد وفاة الملك عبدالله في أواخر يناير/كانون الثاني 2015 والإنتقال السلس للسلطة داخل الرياض.

لا نقصد أن عهد الملك عبدالله، لم تشُبه جملة من الإتهامات والأخطاء سواء على الصعيدين الداخلي والخارجي، إلا أنه وبالفعل أعادت، وبالدليل، تجربة الملك سلمان وإبنه محمد إلى الأذهان الآية الكريمة والتي باتت مقولة شهيرة تصدح بها حناجرنا مع وصول أي طاقم جديد إلى الحكم في الوطن العربي ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا﴾( الأعراف الآیة 38).

فعلى الرغم من الإنتقادات الجمّة التي وُجهت للنظام السعودي إبان الملك السابق، إلاّ أن وصول الملك سلمان إلى سدة الحكم مع طاقم شاب عديم الخبرة، أفضى إلى تغيّر جذري في الأوضاع الداخلية، فضلاً عن تغيير السياسة الخارجية للسعودية من “رباطة جأش” إلى “همجية”. الأخطاء الجديدة للنظام الجديد شملت كافّة القطاعات السياسية والأمنية والعسكرية والإقتصادية، وعلى الصعيدين الداخلي والخارجي، مما أثر بشكل كبير على القدرتين الناعمة والخشنة لسلطات الرياض مع الأصدقاء والأعداء على حد سواء.

سياسياً، تغيّرت وجهة العلاقات للسعودية مع وفاة الملك عبدالله حوالي 180 درجة، فرغم بقاء السعودية في الفلك الأمريكي، فضلاً عن العداء القائم مع محور المقاومة في المنطقة، إلا أنها إنسحبت تدريجياً من الفلك المصري بإتجاه تركيا وقطر، مما أثر بشكل كبير على العلاقات مع القاهرة. فبعد أن كانت مصر أبرز حلفاء السعودية في المنطقة، باتت العلاقات بين البلدين في مهب الريح، في ظل هجوم كاسح من إعلام كلا البلدين على الطرف الآخر. كذلك من الناحية السياسية، شاهدنا إنسحاباً سعوديا تدريجيا نحو روسيا، مما أثار حفيظة واشنطن، إلا أن إستراتيجية العلاقات مع أمريكا، وإدراك الاخيرة بفلسفة صنع القرار في الرياض أجبرت الملك سلمان وإبنه محمد على العودة إلى نقطة الصفر في هذا المجال. هنا تجدر الإشارة إلا أنه رغم تدخل الرياض في العديد من الأزمات والحروب منذ الملك عبد العزيز وحتى الإبن عبدالله، إلا انها إعتمدت في أغلب الأحيان سياسة المواجهة غير المباشرة، عبر دعم أدواتها أو أحد أطراف الصراع، إلا ان سلمان إنقلب على أسلافه وجعل من سياسة المواجهة المباشرة عنواناً رئيسياً لسياسة الرياض الخارجية.

وأما على الصعيد العسكري، فلم يسجل التاريخ شن الرياض منذ الدولة السعودية الثالثة أي عدوان عسكري خارجي، ما عدا التدخل العسكري في البحرين في إطار درع الجزيرة، إلا أن إستلام محمد بن سلمان لوزارة الدفاع السعودية، ورغبة والده في وضعه على سكّة ولاية العهد التي تنتهي بكرسي أبيه، ورّط السعودية في العدوان على اليمن، مما جعل الرياض متورطّة بشكل مباشر هذه المرّة في دماء الشعب اليمني، فضلاً عن الخسائر الإقتصادية والعسكرية التي تعرّضت لها الرياض، وإضافةً إلى كسر شوكتها العسكرية التي بنتها طوال العشرات من السنين عبر الصفقات العسكرية والأموال النفطية وهالة إعلامية كبرى. السعودية التي ربطتها علاقات عسكرية مميّزة مع كل من باكستان ومصر، وجدت نفسها مضطرة اليوم، للجوء إلى السودان وجيبوتي بغية الإستمرار في العدوان على اليمن، إلا أننا اليوم وبعد أكثر من 6 أشهر، شاهدنا ضعف البنية العسكرية للجيش السعودي، فضلاً عن أن أحدث الأسلحة التي تسلمها من الصفقات العسكرية مع واشنطن وباريس باتت بمثابة “القنابل الصوتية” التي تفتك بالمدنيين، ولا تسمن ولا تغني من جوع في المعادلة الميدانية.

إقتصادياً، ساهمت سياسة الملك الجديد في قلب الطاولة الإقتصادية السعودية رأساً على عقب، حيث سجّلت الميزانية السعودية للعام الحالي عجزاً يقدّر بحوالي الـ200 مليار دولار، فضلاً عن الإستنزاف الذي يتعرّض له الصندوق السيادي الإقتصادي بسبب العدوان القائم على الشعب اليمني، والذي قدّره البعض بحوالي 250 مليار دولار. لم تغب بصمات الملك سلمان عن الأزمة الإقتصادية، حيث أنه وكما سلّم زمام الامور في البلاد، سياسياً وعسكرياً لإبنه محمد، فقد عمد إلى إجراء سلسلة من التغييرات الجذرية على الصعيد الإقتصادي أفضت إلى تسلّم محمد بن سلمان رئاسة المجلس الإقتصادي في البلاد، فضلاً عن رئاسته لمجلس الإدارة في شركة أرامكو النفطية. فبات يسيراً على ولي ولي العهد، الإستفادة من الصندوق السيادي لتحقيق أهدافه غير المحقّقة في العدوان على اليمن دون رقيب وحسيب.

إجتماعيا، يمكننا القول إن الصعيد الإجتماعي كان الأكثر تأثراً في ظل حكم الملك سلمان، فقد تغيّر واقع البنية الإجتماعية التي كانت موجودة إبان حكم عبدالله، هنا يمكننا الإشارة إلى نقطتين، الأولى إزدياد الشرخ الطائفي الموجود في السعودية وهو ما أدى إلى إستهداف مساجد الطائفة الشيعية في المنطقة الشرقية، وأما الثانية فهي ظهور التوتر والصدام بين العائلة الحاكمة إلى العلن، حتى وصل الأمر ببعض الامراء المقيمين في الخارج بالدعوة إلى عزل سلمان كما حصل مع الملك فيصل. إجتماعياً أيضاً، شكّلت حادثتا الحج في هذا العام، الرافعة في الحرم المكي وفاجعة منى، نكسة كبيرة للرياض، التي بدورها أثبتت، وبجدارة، عدم القدرة على إدارة ملف الحجاج إلى بيت الله في ظل الطبقة الجديدة.

هذا غيض من فيض الإجراءات السعودية في ظل الملك سلمان، الأمر الذي ينذر بالقضاء على عائلة آل سعود في بضع سنوات فقط. نسأل الله، أن تعتبر القيادة الجديدة للرياض من أخطائها الإستراتيجية في الأشهر الستة الماضية، وتعود إلى بناء علاقات طيّبة وقويّة مع الدول العربية والإسلامية من سوريا إلى اليمن ومن مصر إلى إيران.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق