التحديث الاخير بتاريخ|السبت, أكتوبر 5, 2024

هل امريكا ستردّ على روسيا على الأراضي السورية 

وكأنّ أمريكا لم تقتنع بعد أنّ الميدان السوري قد طرأ عليه تغيّرات أساسية بعد التدخل العسكري الروسي وإنشاء التحالف الرباعي الجديد. فما الذي تغيّر حتى تفكّر واشنطن مرة جديدة بتسليح وتدريب مجموعات تحت عنوان “المعارضة المعتدلة” بعدما سلمت المجموعات التي دربتها قبل أشهر أسلحتها إلى جبهة النصرة عند أوّل مواجهة جدّية، وبعدما أقرّ الرئيس الاميركي باراك أوباما بفشل برنامج التدريب الذي يقوم به الجيش الأميركي لتجهيز المعارضة السورية قائلاً :”إن البرنامج لم يحقق أهدافه”. فهل ستقدم أمريكا على خطوات غير محسوبة العواقب أم أنّ عدم إمتلاكها لأي خيار يدفعها للقيام بأي عمل لإثبات أنّها ما زالت حاضرة في معادلة محاربة الإرهاب في المنطقة؟

إنّ الأحداث الأخيرة أظهرت وكأنّ أمريكا قد إقتنعت مرغمةً بالتحولات الجديدة في المنطقة وخاصةً على الساحة السورية بعدما حشد الجيش الروسي قواته وبدأ بغاراته المدمّرة على مواقع الإرهابيين دون التمييز بين تنظيم وآخر. لكن خلف هذا المشهد كنّا نرى في عيون الأمريكيين حسرةً على خطوات التقدم الروسي ورغبةً لإعادة التوازن الذي فقدته أمريكا من خلال سياستها في الشرق الأوسط، حيث كانت عاجزة عن تحريك أي ساكن في مقابل التحرك الروسي. لكن ما نُشر من أنباء عن رغبة واشنطن بالردّ على التدخل الروسي عبر إعادة دعمها وتسليحها لمجموعات “المعارضة المسلحة”، يُوحي أنّها لن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى أنّ روسيا تقضي على كل ما بنته في السنوات الأربع الماضية هي وأدواتها من أجل تدمير سوريا للوصول إلى تقسيمها.

فقد نقلت وكالة الأنباء العالمية “رويترز” عن مصادر حكومية أمريكية مطلعة قولها إن واشنطن تدرس إمكانية زيادة الدعم المقدم لمقاتلي “المعارضة المعتدلة” في سوريا بما يشمل السلاح، كي تتمكن فصائلها من طرد عناصر تنظيم داعش من المناطق الاستراتيجية التي تشغلها على الحدود مع تركيا. وتقول المصادر أن السبب الذي يدفع واشنطن على مثل هذه الخطوة هو استهداف المقاتلات الروسية مواقع مسلحي المعارضة السورية “المعتدلة”. ويأتي الدعم الأميركي لهذه الخطة في وقت يقول معارضون مسلحون إن غارات جوية روسية استهدفتهم، ما قد يضع أمريكا في حال إقرار الخطة الجديدة في مواجهة مع روسيا على الأرض السورية، في ظل التباين بين الطرفين حول تصنيف المسلحين بين معارضين وإرهابيين.

ففي إطار خطة اقترحتها تركيا على حدّ ما نقل المصدر عينه، تفكّر أمريكا في تقديم دعم لآلاف من مقاتلي المعارضة بأسلحة وغارات جوية لمساعدتهم على ما تدّعي الإدارة الأميركية، في طرد داعش من شريط مساحته 90 كيلومتراً من الحدود الشمالية السورية، ويمتد شرقاً صوب مدينة جرابلس السورية الواقعة على بعد 130 كيلومتراً شمال غرب الرقة التي أعلنها داعش عاصمة له. وأفادت معلومات أمنية عن مصادر استخباراتية عراقية قولها إنها تسجل تصاعداً كبيراً في مؤشرات احتمال شن واشنطن عملية عسكرية ضد نظام الرئيس بشار الأسد لإرباك خطط روسيا في سوريا.

وعن هوية وجنسية المنتمين إلى مجموعات المعارضة الذين ربما يصل عددهم إلى ثمانية آلاف مقاتل بحسب “رويترز”، يقول مسؤولون أمريكيون إن الاقتراح الذي يجري دراسته يقضى بدعم أمريكا وتركيا تجمعاً أغلبه من المقاتلين العرب ويضم أفراداً من جماعات عرقية متعددة.

ومع أنّ أمريكا أقرّت بإخفاقها في قضية تدريب مجموعات من المعارضة السورية وتسليحها، إلا أنها تصرّ على مواصلة العمل مع من تصفهم واشنطن بالمعارضين المعتدلين على قاعدة إعادة تصور برنامج التدريب والتجهيز الذي واجه صعوبات عديدة. فقد صرّح الكولونيل باتريك ريدر المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية في بيان له إن قوات المعارضة السورية المدربة أمريكياً سلمت قسماً من عتادها لجبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة مقابل المرو الآمن في إحدى المناطق، حيث سلمت ست شاحنات صغيرة وبعض الذخيرة أو نحو ربع ما تسلمته من معدات لوسيط يشتبه بأنه من جبهة النصرة. وقد أشارت مصادر أمريكية أنّه تم في وقت سابق تدريب نحو 54 مقاتلاً وفق البرنامج الأمريكي الذي كلف 500 مليون دولار، وجرى إرسالهم إلى سوريا في يوليو/تموز الماضي، إلا أن قيادة البنتاغون أقرت خلال جلسات استماع بأن هناك 4 أو 5 مقاتلين فقط يحاربون في سوريا حالياً ممن دربتهم أمريكا، ذلك في الوقت الذي كانت فيه واشنطن تعتزم تدريب حوالي 5400 مسلح لمحاربة مقاتلي تنظيم داعش على الأراضي السورية. ووفقاً لصحيفة ” US Today ” الأمريكية اعترف مسؤولون أمريكيون بفقدان الاتصال مع مسلحين دربهم الجيش الأمريكي، بعد أن كلف تأهيلهم وتسليحهم للقتال في سوريا ملايين الدولارات، والتحقوا بمؤنهم وعتادهم بتنظيم القاعدة هناك.

ومع توغل روسيا عسكريًا في سوريا ، أقرت الولايات المتحدة بضرورة التوجه للحل السياسي لمواجهة الأزمة السورية التي تفاقمت منذ أكثر من أربع سنوات ، وهو ما أكده وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بقوله، إن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لحل الأزمة، كاشفاً عن محاولات لمشاركة روسيا وإيران لحل الصراع في سوریا لتلحق بروسيا عسكرياً بشن غاراتها في سوريا لدعم الرئيس السوري بشار الأسد.

فأمريكا بقرارها الجديد اليوم تؤكد أنها تعيش تخبطاً في مواقفها، وهي غير جادة في مشروع برنامج تدريب المعارضة السورية المعتدلة لأنها تكون قد أعادت ما أخطأت به من قبل. ولكن هدفها من دعم المعارضة كان إيجاد قوة حليفة لها على الأرض تعمل بالوكالة على تنفيذ سياساتها وحماية مصالحها في سوريا ، وهو ما دفع بتركيا إلى رفض المشاركة في التحالف ضد محاربة داعش، ولكن نتيجة فشل استراتيجية أوباما في الحرب على تنظيم الدولة حتى الآن، وتصاعد الانتقادات داخلياً وخارجاً لإدارته، ونتيجة لضغوط تركيا وحلفاء آخرين على أمريكا ، ظهرت بوادر تقارب أمريكي – تركي، وربما صفقة غير معلنة حول تدريب وتسليح “المعارضة السورية المعتدلة “قدمت فيها أمريكا بعض التنازلات كتدريب وتجهيز قوات المعارضة السورية لقتال كلاًّ من تنظيم الدولة ونظام الأسد، وهو ما أكده وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو. ومن جهته اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مؤتمر صحافي في مطار اسطنبول قبل توجهه في زيارة الى فرنسا الأحد، أن حملة القصف الجوي التي تشنها موسكو في سوريا غير مقبولة محذرًا بأن روسيا “ترتكب خطأ جسيماً”.

أمريكا تعيش مأزق الخيارات للحفاظ على حضورها في المنطقة، فهي أيقنت أنّ التحولات غيّرت موازين القوى، ولم تعد هي الحاكمة بأمرها بل أصبحت محكومة للتوازنات الجديدة. وهي تعرف أنّ المواجهة مع روسيا مكلفة جداً والبديل الرضوخ والقبول بالأمر الواقع. فهل ستقدم على حماقة تغرقها من جديد؟ أم أنّ الخطوة الجديدة إثبات ضعيف للحضور في الساحة السورية؟ المؤشرات تدلّ على أنّ أمريكا ليس في مورد الدخول في مواجهة جديّة مع روسيا، لكن هل سيدخل أدواتها على خط الأزمة لإغراقها وعرقلة التقدم الروسي؟

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق