بعد فشل مساعي السلام؛ أفغانستان الی أين تتجه
كلما مدت الحكومة الأفغانية يدها نحو طالبان، لإنهاء حالة الحرب والصراع السائدة في البلاد، إمتنعت هذه الجماعة عن التعاون مع السلطات الأفغانية في هذا المجال، لا بل زادت من تعنتها خلال الفترة الماضية، حتی أفاقت الحكومة الأفغانية قبل ايام علی کابوس إحتلال مدينة «قندوز» من قبل عناصر طالبان. حيث ثبت بعد هذا التصرف العدواني من قبل طالبان، أن هذه الجماعة علی ما يبدو أنها غير معنية بإنهاء مشروعها القتالي ضد السلطات الأفغانية، وتعمل علی ضرب الأمن والإستقرار في البلاد. إذن في ظل إستمرار هذه الأحداث الالیمة بالنسبة للمجتمع الأفغاني، كيف يمكن دعم الحكومة الأفغانية لتمكينها من شلّ مشروع طالبان التدميري، أو ارغامها علی قبول مبدء السلام وأنهاء حالة الحرب في البلاد؟.
وفي هذا السیاق لم تمضي إلاّ ايام معدودة علی هجوم طالبان علی مدينة قندوز حتی واجه الرئيس الأفغاني «أشرف غني» مطالبة من قبل عدد من نواب البرلمان الأفغاني، تطالبه بالإستقالة عن السلطة، بسبب ما إعتبروه «التعامل المخجل» من قبل الحكومة وقوی الأمن الأفغانية تجاه جماعة طالبان التي استولت علی مدينة قندوز شمالی البلاد، وياتي ذلک رغم المساعي التي تبذلها القوات الأفغانية لإستعادة هذه المدينة مجدداً.
السؤال الذي بات يطرح نفسه بقوة بعد سيطرة طالبان علی مدينة قندوز هو، إن تم إعذار الحکومة الأفغانية بانها لا تملک الإمکانيات اللوجستية والقوة العسکرية الکافية لمواجهة طالبان، فکيف یمکن تفسير تقاعس القوات الدولية المرابطة في أفغانستان والتي تتولی أمريکا قیادتها، تجاه إحتلال مدینة قندوز من قبل طالبان؟!. حيث أن هذه القوات الأجنبية كان من المفترض أن تحمي الشعب الأفغاني من الإرهاب، وتساعد الحكومة الأفغانية علی مواجهة التحديات، لكن لم يحدث ذلك علی الاطلاق وتم خذلان الحكومة الأفغانية من قبل القوات الدولية المتواجدة في الأراضي الأفغانية.
وبالاضافة الی هذه الأحداث المحزنة، فانه من غير الوارد أن يحدث تغيرا في موقف جماعة طالبان إزاء الملفات الداخلية والخارجية بالرغم من الحديث الجاري حول مساعي الحكومة الأفغانية للتوصل الی إتفاق سلام مع طالبان. حيث لم يصدر عن زعيم طالبان الجديد «الملا منصور»، أي موقف يختلف عما كانت علیه مواقف سلفه «الملا عمر»، زعيم طالبان السابق. ويقول الرئيس التنفيذي في حكومة أفغانستان «عبدالله عبدالله»، حول عدم حدوث أي جديد في سياسات طالبان بعد رحيل الملا عمر، أن«جريمة طالبان في قندوز توضح وخلافا لتصور البعض، أنه لا يوجد فرق بين طالبان القديمة وطالبان الجديدة».
وفي هذا السياق أكدت عضو مجلس الشيوخ الأفغاني السيدة «طيبة زاهدي» قبل ايام في حوار صحفي، أنه «في المناطق التي تتواجد فيها القوات البريطانية، لا يوجد أمان، فضلا عن تعاون هذه القوات خلف الستار مع جماعة طالبان»، جميع هذه المؤشرات تدل علی أن الحکومة الأفغانية لا تجد المساندة الکافية من قبل المجتمع الدولي لمکافحة العنف في البلاد، بل تواجه مؤامرة شائکة من قبل بعض الجهات التي تدعي مساندتها للسلطات الأفغانية. كما يجب أن لا ننسی أن باكستان تلعب دورا جوهريا في قضية إستمرار النزاع السياسي في أفغانستان بين الحكومة وجماعة طالبان وذلك من خلال تنفيذها أجندات خارجية تملیء عليها من قبل أمريکا والسعودية.
في هذه الاثنا وبعد الهجوم الدموي الذي نفذته حركة طالبان خلال الأيام الماضية والذي أدي الی إحتلال مدينة قندوز من قبل هذه الجماعة، تكاثرت الأخبار حول أن زعيم طالبان الجديد «الملا أختر منصور» عاد ثانية الی أفغانستان، وأثارت هذه القضية مخاوف مشتركة بالنسبة لأفغانستان وباكستان. وعند ما كان الملا أختر منصور في الأراضي الباكستانية، كانت قوی الأمن في إسلام آباد أكثر إحاطة به وبنشاطاته ويسهل علیها منعه من القيام بتصرفات يمكن أن تؤدي الی زعزعة ألامن في باكستان، لكن الیوم وبعد خروجه من باكستان، صار من الصعب بالنسبة لقوی الأمن الباكستانية، تتبع تصرفاته والسيطرة علیها. وبالإضافة الی باكستان فان عودة زعيم طالبان الی أفغانستان، صارت تقلق الحكومة الأفغانية أيضا. وذلك بسبب أن حضور الملا أختر منصور بالقرب من مقاتلي جماعة طالبان في أفغانستان، من الممكن أن تؤدي الی تعزيز معنوياتهم في القتال ضد الحكومة الأفغانية، خاصة بعد سقوط مدينة قندوز بيد جماعة طالبان.
وأخيرا يجب أن نتذكر مرة اخری أن أفغانستان وبعد غزوها من قبل القوات الأمريكية، حتی يومنا هذا لم تشهد الأمن والاستقرار وسيكون التعويل علی القوات الأجنبية في المستقبل لجلب الأمن والرخاء الی الشعب الأفغاني، رهان خاسر بالنسبة الی الحكومة والشعب الأفغاني، لذا في حال عدم دعم الحكومة الأفغانية من قبل المجتمع الدولي ودول المنطقة والجوار لمواجهة داعش وطالبان، فاننا سنری مزيدا من تدهور الأمن والاستقرار في أفغانستان، خاصة إن استمرت طالبان برفضها مساعي الحكومة الأفغانية الرامية لإنجاز مشروع السلام في البلاد.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق